قبل أيام أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن غضبها الشديد وبالغ رفضها التام لما أعلنته السلطات الإيطالية من تكفلها الكامل بعلاج طفل مصري مصاب بمرض خطير في الدم بعد أن قطع شقيقه البحر الأبيض المتوسط على متن مراكب الموت في هجرة غير شرعية إلى ايطاليا طلبًا لنجدة شقيقه الأصغر "أشرف فؤاد مرعي"، صاحب الثماني سنوات والذي تعاني والدته الأمرّين في علاجه منذ مايزيد عن 7 سنوات داخل المستشفيات المصرية دون نتيجة حتى الآن . وأصدرت الخارجية المصرية التي علمت بشأن مرض الطفل المصري من وسائل الإعلام الإيطالية، بيانها الرسمي العاجل تحت عنوان "مصر أولى بأبنائها" في الإشارة إلى تحملها كافة نفقات علاج الطفل الصغير المريض الذي لم يتواصل ذويه مع وزارة الصحة المصرية بحسب ما جاء في البيان الذي ورد به اسم الطفل خطأ، كما أعلنت وزارة الصحة المصرية أن المريض لم يتقدم أصلا للعلاج في مستشفيات الدولة ولم يرد اسمه في كشوف وسجلات العلاج على نفقة الدولة وناشدت أهل الطفل بالتوجه إلى مكتب الوزير شخصيًا للعلاج، حيث أنعلاج مرضى الأورام وسرطان الدم مدرج بقائمة الأمراض المخصصة للعلاج على نفقة الدولة.. جاء ذلك بعد أن تناقلت جميع وكالات الأنباء العالمية نبأ الطفل المصري الذي قطع البحر عبر مراكب الموت بحثا عن علاج شقيقه المريض بالسرطان الذي لم تنجح المستشفيات المصرية في علاجه من مرضه في الدم بعد أن اصطحب معه كافة الوثائق الطبية التي تثبت حالة شقيقه وحاجته إلى عملية جراحية تُقدر تكلفتها ب 50 ألف جنيه بعد جراحة أولى أجراها بالقاهرة . في الوقت الذي توجهت فيه سيارة دبلوماسية تابعة للسفارة الإيطالية إلى منزله الكائن في قرية الجزيرة الخضراء التابعة لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ من أجل إجراء الأشعة والتحاليل الطبية والفحوصات اللازمة لحالته ومساعدة أسرته في الحصول على التأشيرات الخاصة بسفره ووالدته وشقيقته الصغرى إلى روما لتلقي العلاج هناك، بعد وصوله إلى بلدة "لامبيدوزا" الإيطالية واجراء الفحوصات الطبية اللازمة له، حيث يعاني من حالة نفسية بحسب والدته في انتظار قدوم أخيه الذي تم حجزه في القاهرة ومنعه من السفر لتلقي العلاج هناك . هنا فوجئ الأبوين برفض السلطات المصرية منحهم التأشيرات اللازمة للسفر إلى الخارج وأعلنت وزارة الصحة المصرية تكفلها الكامل بعلاج حالة الطفل "أشرف مرعي" وأرسلت سيارة اسعاف خاصة إلى قريته لنقله إلى مستشفى الشيخ زايد التخصصى بمدينة السادس من أكتوبر وانتدبت طبيب مختص من قبل الوزارة لمتابعة حالته بإستمرار تحت اشراف وزير الصحة والسكان بصفة شخصية. الجزيرة المنسية على ضفاف بحيرة البرلس على بعد أكثر من 320 كيلو متر مربع عن القاهرة تقع قرية الطفل "أحمد مرعي" ابن الإثنى عشر ربيعًا المهاجر إلى ايطاليا بحثًا عن علاج لشقيقه المريض، وتقع قرية "الجزيرة الخضراء" في أقصى محافظة كفر الشيخ، قطعنا تلك المسافة للوصول إلى "الجزيرة المنسية" كما يحب أهلها أن يطلقوا عليها، في ظل سقوطها من ذاكرة الحكومة المصرية منذ أخر زيارة قام بها الرئيس المخلوع حسني مبارك لمدينة "رشيد" التي تقع بالقرب من الجزيرة ولا يفصل بينهما سوى "بحيرة البرلس" ومعدية خشبية متهالكة. هنا الجزيرة الخضراء.. قرية مصرية معدومة الخدمات ليس لها من اسمها نصيب، رغم وقوعها المباشر على ضفاف بحيرة البرلس وتبدأ من "برج مغيزل" وتنتهي عند منطقة "ابوخشبه"، ولكن مجرد مرورك في شوارع القرية التي يقطنها أكثر من 60 ألف مواطن وتقع على مساحة 1200 فدان سرعان ما تشم رائحة كريهة منبعثة من الترعة المكشوفة بطول القرية والتي لا يتم تطهيرها إلا مرة كل عام والقمامة المتناثرة على جنبات الطريق دون وجود مصرف صحي مخصص للقمامة، أو محطة للصرف الصحي مما يؤثر على طبيعة مياة الشرب التي كانوا يشترونها خلال السنوات الماضية من محافظة البحيرة عبر جراكن مياة ملوثة مما أصاب معظم سكان القرية بفيروسات كبدية طبقًا للتقارير الطبية التي حصلت "التحرير" على صور منها . البطالة وفيرس سي تطارد أهالي القرية لم تكن اصابة الطفل الصغير أشرف ووالده فؤاد مرعي المصاب بفيرس سي والسكر هي الوحيدة بين أهالي القرية بحسب ما توصلنا، ولكن أكثر من 90% من أبناء القرية مصابين بأمراض "فيرس سي والفشل الكلوي والكبد" نتيجة تلوث المياة واختلاط مياة الشرب بمياة المجاري، فضلًا عن عدم وجود مصدر رزق ثابت لشباب القرية الذين تضطرهم الظروف إلى ركوب البحر عبر مراكب الموت للهروب من الفقر المخيم عليهم في بلدهم وصارت أمنية كل شاب وطفل داخل الجزيرة مرهونة بحلم السفر لإيطاليا دون عودة، رغم وجود الشركة الوطنية للثروة السمكية تحت إدارة الصين في قلب الجزيرة على بعد 15 كيلو متر من القرية عند منطقة "أبو خشبه" ولكن معظم العاملين بها من خارج الجزيرة. عبدالعزيز يوسف مرعي، مواطن خمسيني يبدو على ملامحه أنه شارف على الثمانين من فرط ما يعانيه من مرض السكري والتضخم على الكبد والأوجاع المتواصلة طوال العقود الخمسة التي عاشها داخل قريته الصغيرة، حيث يقيم وزوجته وأبناءه الثلاثة داخل عشة متهالكة من "القش" يتراكم أثاث الأسرة وكافة ملابسهم في داخلها على الأرض منذ أكثر من 7 شهور وملحق بها سرير وكنبة جانبية وثلاجة وغسالة وبوتاجاز بعد انهيار منزلهم القديم بفضل المياة الجوفية التي تأكل جُل منازل الجزيرة الخضراء في ظل غياب وجود شبكة للصرف الصحي داخل القرية، رغم الشكاوي والطلبات العديدة المقدمة إلى مجلس ومدينة مطوبس ولكن كما يقول "عم عزيز" : "رضينا بالهم والهم مش راضي بينا" . وما زاد الطين بلة حين هددهم محصل الكهرباء بسحب العداد المعلق فوق "حزمة قش" داخل "العشة" لأنهم غيروا المنطقة دون التقدم بطلب نقل إلى الشركة القابضة المسئولة، وهددهم بدفع غرامة مالية كبيرة قدرها 1500 جنيه، فضلًا عن سحب عداد المياة القديم لأنه بإسم والده مما دفعهم لملأ المياة من عند الجيران، بعد أن أجبرهم على سداد 500 جنيه من قيمة 1000 جنيه لإعادة تركيب العداد الجديد الذي لم يتم توصيله إلى الآن، ومع ذلك جاءتهم فاتورة الكهرباء ب 90 جنيه وايصال المياة ب 50 جنيه خلال الشهر الماضي، يعني بإختصار :"موت وخراب ديار" بحسب تعبيره. 100 شاب من شارع واحد هاجروا عبر "مراكب الموت" في أقل من شهر "في هنا شارع واحد في الجزيرة اسمه البرية سافر منه 100 شاب لإيطاليا في شهر واحد".. جاء هذا الرد الصادم من قبل عدد كبير من أهالي القرية على تساؤل بخصوص حالة الطفل الصغير، حديث الإعلام الإيطالي الشهير ب"بطل لامبيدوزا" الذي هاجر إلى روما بحثًا عن طريقة لعلاج شقيقه الأصغر، من بين ثلاث قرى هي الأكثر تسفيرًا لأبنائهم من خلال الهجرة غير الشرعية وهي قرى "أبو خشبه، برج مغيزل، الجزيرة الخضراء" لوقوعهم على ساحل البحر المتوسط. وتبدأ رحلة الهجرة غير الشرعية من خلال اتفاق بعض السماسرة مع الشباب الذين يرغبون فى تحقيق الثراء السريع وتحقيق أحلامهم في ظل انعدام فرص العمل والتوظيف في مناطقهم السكنية٬ حيث تتم بعض هذه الاتفاقات عادة من خلال المقاهى المنتشرة فى ربوع الثلاث قرى السابقة ويحصل السماسرة على مبالغ طائلة من الشباب المغرر بهم تترواح ما بين 45 ألف جنيه وحتى 60 ألف جنيه نقدا وقبل السفر أو الحصول على شيكات وإيصالات أمانة على أهالى الشاب المسافر لسداده بعد ذلك وفي أحيان كثيرة لا يحصلون على مقابل في ظل تزايد حالات الفقر داخل المدينة . وخلال تواجدنا هناك صادفنا وجود أحد هؤلاء الشباب العائدين حديثًا من ايطاليا بعد قضاء 7 أيام في شوارع روما يصفهم بأنهم أفضل من ال 18 عام التي قضاها في بلده بحسب وصفه . يقول أحمد عزيز، ابن عم "بطل لامبيدوزا" إن معاملة الإيطاليين أرحم مليون مرة من معاملة الشرطة في مصر، مضيفًا: “احنا شفنا الموت بعنينا في البحر وعشنا يومين من غير أكل أو شرب لحد ما بعتوا لنا الطيارات ولنش حربي وقالوا لنا ماتخافوش حياتكم تهمنا وركبونا مركب وأعطونا شنطة هدوم وأكل نضيف واللي في جرح في صباعه يتم علاجه منه واللي عيان بدل الدكتور في عشرة وحجزوا المرضى منا في مكان لوحدهم لعمل التحاليل والفحوصات اللازمة لهم وعشنا هناك أسبوع بعمرنا كله هنا في مصر". وبعد انقضاء الأسبوع الأول في ايطاليا طلبوا من الشاب المصري العودة إلى بلاده وتم ترحيله إلى مطار القاهرة وهناك تم احتجازهم لساعات طويلة في ساحة جانبية حتى تسليمهم شهادة الميلاد التي تثبت أنهم مصريين، خاصة أن غالبيتهم فوق 19 عام، ويضيف عزيز : “أمن المطار في مصر عاملنا أسوأ معاملة لدرجة إن واحد معانا كان بيموت سابوه بينزف في المطار دون علاج حتى يستلمه أهله بعكس ما كان يحدث لنا في بلد غريبة كانوا بيجروا على اللي عنده خدش صغير في ايده بيشيلوه عشان يعالجوه". يعمل أحمد عزيز داخل فرن بلدي داخل القرية مقابل 20 جنيه يوميًا ويتمنى العودة مجددا إلى روما وتكرار تجربة الهجرة وإن كلفه ذلك حياته نتيجة ما يعانيه وأشقاؤه الثلاثة داخل الجزيرة الخضراء . أسرة الطفل المصاب: "احنا محبوسين في الشيخ زايد" من قرية الجزيرة الخضراء في أخر منطقة في محافظة كفر الشيخ إلى مستشفى الشيخ زايد التخصصي قطعنا الطريق للوصول إلى الحالة الصحية الخاصة بالطفل أشرف فؤاد الذي ذكرت وسائل الإعلام وتناقلت وكالات الأنباء اصابته بسرطان الدم وهذا غير صحيح، حيث أثبت التقرير الطبي الخاص بحالته والذي حصلت "التحرير" على صورة منه أنه يعاني من نقص في الصفائح الدموية (ITP) ويحتاج للرعاية والعلاج الطبي المتواصل. وتوصلت "التحرير" من مصادر طبية داخل المستشفى إلى أن حالة أشرف عادية وهو ليس مريض بسرطان الدم كما ردد الجميع وإنما يعاني من مرض وراثي بالدم وهو نقص مناعي بالصفائح الدموية ولا تمثل أي خطورة كما تم تضخيمها عبر الإعلام، ولكن السياسة تدخلت بصورة كبيرة في زيادة الإهتمام بحالته بعد احراج ايطاليا لمصر عبر التكفل بعلاجه، فضلًا عن انتقال المتحدث الإعلامي لوزارة الصحة الدكتور خالد مجاهد من مكتبه في الوزارة إلى مستشفى الشيخ زايد التخصصي على مدار يومين كاملين بسبب حالة الطفل أشرف فؤاد بعد تعليمات مباشرة من قبل الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة والسكان الذي منع الصحفيين والمراسلين الأجانب من مقابلة الطفل المريض وأسرته إلا بعد تصريح كتابي من الجهة التي يعملون بها موجهة لإدارة المستشفى دون اعتداد بكارنيه نقابة الصحفيين . بعد محاولات عديدة من قبل إدارة المستشفى لمنع الدخول لأسرة الطفل المحجوز في غرفة خاصة داخل مستشفى الشيخ زايد التخصصي تحت دعاوي رفض أسرة الطفل مقابلة الإعلام أو التحدث للصحافة اتصلنا بوالدة الطفل أشرف مرعي والتي نفت تمامًا صحة ما تردده إدارة المستشفى وأكدت ل"التحرير" أن حالته مستقرة، بعد ما أتعبهم اللف على المستشفيات المصرية من أجل علاجه، ولكنهم شبه محبوسبن داخل المستشفى التخصصي في ظل وجود فردي أمن على باب الغرفة يرفضون خروج أحد من ذويه "والده وعمه" إلا بموافقة إدارة المستشفى ومصاحبة الأمن لهم والذي يقوم بقضاء كافة احتياجاتهم من الخارج ويمنع حتى أهله من الدخول إليه. يضيف عادل مرعي، عم الطفل المريض إنهم ينامون على الأرض داخل المستشفى منذ 4 أيام في ظل وجود سريرين فقط داخل الغرفة المخصصة لهم، أحدهما للطفل المصاب والأخر لوالدته وشقيقته الصغرى "جنى" وحين طلبوا منهم سريرا اضافيًا قالوا لهم حرفيًا: “احمدوا ربنا إننا وفرنا لكم سريرين"، مضيفًا في حسرة:”الإدارة قالت لنا قدامكم يومين تلاته لحد ما تظهر نتيجة الفحوصات الطبية وساعتها هنقرر مصيركم والوزارة تحدد هتعمل ايه معاكم".