ها هو ذا المجلس العسكرى يدعو مرة أخرى إلى فقد الثقة به.. الثقة التى منحها الشعب بعد ثورة 25 يناير العظيمة ليتحمل إدارة البلاد، محققا لمطالب وأهداف الثورة.. فالمجلس العسكرى يصر على العمل بقانون الطوارئ.. بل وتفعيله رغم أنه دستوريا (وفقا للإعلان الدستورى الذى صدر عن المجلس العسكرى فى 30 مارس الماضى) قد انتهى بعد مرور 6 أشهر على العمل به. ويعتمد المجلس العسكرى فى تبريره لاستخدام قانون الطوارئ على قرار رئيس الجمهورية السابق رقم 126 لسنة 2010، وهو تبرير سهل الرد عليه. فالسادة فى المجلس العسكرى يعلمون أنهم يحكمون البلاد بعد ثورة شعبية كان هدفها الأول سقوط حسنى مبارك.. وحل مجلسى الشعب والشورى «المزورين» وإسقاط قانون الطوارئ الذى كان يحكم به الرئيس المخلوع منذ توليه السلطة.. بالإضافة إلى أهداف أخرى تتعلق بمحاكمات رموز النظام السابق.. وتطهير البلاد من الفاسدين سياسيا. وقد سقط الرئيس السابق حسنى مبارك وتم خلعه وتجرى محاكمته الآن على قتل المتظاهرين فى أحداث الثورة وفساده السياسى والمالى ومعه عصابته من ابنيه ووزير داخليته ومعاونيه.. وهو -أى مبارك – صاحب القرار الجمهورى بمد العمل بقانون الطوارئ. كما تم حل مجلسى الشعب والشورى اللذين وافقا على مد العمل بالطوارئ حتى يونيو 2012 لأنهما جاءا بالتزوير ولا يمثلان الشعب.. ومن ثم كان فساد موافقتهم على مد العمل بالطوارئ. وقد وعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإنهاء العمل بالطوارئ قبل إجراء الانتخابات البرلمانية.. ومن ثم نص فى إعلانه الدستورى الذى صدر بعد استفتاء شعبى فى 19 مارس على تعديلات دستورية على أنه لا يجوز مد العمل بالطوارئ أكثر من 6 أشهر إلا باستفتاء شعبى جديد. إذن العمل بالطوارئ قد انتهى فعليا.. وعلى المجلس العسكرى أن يعلن ذلك بشكل واضح وصريح.. ولكنه يعمل بطريقة النظام السابق بالالتفاف حول القانون والدستور.. ويستدعى قوانين وقرارات انتهى مفعولها ليعيد تفعيلها مخالفا ما قد اتفق عليه ليفقد الثقة التى منحها الشعب له فى إدارة شؤون البلاد فى الفترة الانتقالية. الغريب فى أمر الجدل الثائر حاليا حول إنهاء العمل بالطوارئ غياب كامل للحكومة عن هذا الأمر وهى المنوط بها تنفيذ ذلك عبر وزارة الداخلية التابعة لها.. فلم يصدر أى شىء من الحكومة ممثلة فى رئيسها الدكتور عصام شرف أو وزير العدل المستشار عبد العزيز الجندى أو حتى من وزير داخليتها اللواء منصور عيسوى.. كأن الأمر لا يعنيهم. فالذى تصدى لذلك الجدل هو رئيس القضاء العسكرى الذى أصدر بيانا رسميا مستدعيا فيه قرار رئيس الجمهورية المخلوع لتبرير العمل بالطوارئ.. فى نفس الوقت الذى صمت فيه المجلس العسكرى كمؤسسة تدير البلاد.. وإن كانت هناك تصريحات منسوبة إلى أعضاء فى المجلس وتحديدا اللواء الدكتور ممدوح شاهين، تكرر نفس ما قاله رئيس القضاء العسكرى، وهو غير كافٍ. إن إصرار المجلس العسكرى أو أحد أفراده على قانونية العمل بالطوارئ باستدعاء قرارات وقوانين مشكوك فيها.. يؤدى إلى فقد الثقة بالمجلس التى منحها الشعب له فى إدارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية التى كان مقررا لها أن لا تزيد على 6 أشهر، وقد انتهت الفترة.. ويبدو أننا سنستمر فى ذلك الوضع أشهرا أخرى قد تطول.. وهو ما يخلق عدم ثقة أكثر خصوصا مع حالة الارتباك الذى يشهدها المجلس فى قراراته وتصرفات بعض أعضائه، بدءا من اتهامات قوى سياسية بالعمالة، إلى عدم الحسم فى قوانين مؤثرة مثل قانون الانتخابات.. وفرض حالة من الغموض عليه، فضلا عن الإصرار على إبقاء نسبة العمال والفلاحين وكذلك مجلس الشورى الذى أثبتت التجربة فساده وفشله كمجلس ثانٍ للبرلمان.. وأننا لسنا فى حاجة إليه. ولعلنا نذكر أن الاستفتاء الذى جرى فى 19 مارس كان على تعديلات دستورية (9 مواد فقط) فى دستور 1971، ومن ثم كانت نتيجة الاستفتاء تجعل المجلس العسكرى يسلم السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية بعد حل مجلس الشعب يدعو إلى انتخابات عامة خلال 60 يوما، وهو ما وضع المجلس العسكرى فى مأزق ليستدعى قانونييه ومستشاريه للالتفاف حول نتيجة الاستفتاء ليصدر إعلانا دستوريا يتضمن مواد لم يتم الاستفتاء عليها حيث تضمن 63 مادة ويتيح له إدارة شؤون البلاد.. ويحصل المجلس على نفس اختصاصات رئيس الجمهورية فى دستور 1971. ومع هذا تقبلت القوى السياسية والشعب هذا الإعلان على اعتبار أن الفترة الانتقالية لن تزيد على 6 أشهر.. ولكن مرت الأشهر الستة والمجلس العسكرى ما زال فى السلطة ويدير شؤون البلاد، بل ويحكمها فى ظل حكومة ضعيفة ومشلولة وليس لها قرارات.. ويزعم أن العمل بالطوارئ ما زال قائما حتى يونيو 2012. لكن آن الأوان أن يستعيد المجلس العسكرى الثقة ويعلن بكل صراحة ووضوح أن الطوارئ قد انتهت بالإضافة إلى وضع جدول زمنى محدد لانتقال السلطة بما فى ذلك انتخاب رئيس الجمهورية. فهل يستجيب الذين يديرون شؤون البلاد؟