محمد عبد الوهاب كان يرى أنه خادم تحت أقدام جدي.. وأم كلثوم كانت صديقته كانت علاقته طيبة بالملك فاروق.. وتعامل بكبرياء مع الملوك رفض افتتاح الإذاعة خوفًا على مكانة القرآن الكريم صوته يشبه الكروان، فقد بصره وهو دون العامين، لكنه استطاع بعذوبة تلاوته أن يرسم لحنًا مميزًا ببصمة صوت غزت قلوب الناس في شتى بقاع العالم.. إنه الشيخ محمد رفعت العلامة، الملقب ب«القارئ المعجزة»، فهو من حفظ القرآن الكريم كاملا فى سن التاسعة، وافتتح الإذاعة المصرية عام 1934. «التحرير» حاورت هناء حسين محمد رفعت، حفيدة القارئ، التى أكدت أن جدها مدرسة لا تتكرر، لأنها فى الأساس مدرسة ربانية بعيدة عن جمع الأموال، فإلى نص الحوار: - بداية.. حدثينا عن حياة القارئ المعجزة وأسرته؟ أنا هناء حسين محمد رفعت بنت الابن الأصغر للقارئ المرحوم الشيخ محمد رفعت، رحمة الله عليه، حيث إن للقارئ ثلاثة أولاد ذكور وبنت، فالأول والأكبر يدعى محمد، وكان سكرتيره الخاص ووكيل أعماله وعمى أحمد وعمتى بهية ووالدى حسين، وللشيخ محمد رفعت 16 حفيدًا، على قيد الحياة 11 فقط، حيث تزوج وعمره عشرون عامًا، اختاروا له جدتى زينب من قرية الفرعونية بالمنوفية. ولد جدى «القارئ محمد رفعت» في 9/ 5/ 1882 وتوفى 9/ 5/ 1950، حيث كان صاحب صوت عذب، وتعرض للحسد وهو دون العامين، وهو في القاهرة، تحديدًا في درب الأغوات بالمغربلين، رأى والده الذي كان يشغل منصب مأمور قسم الجمالية، أن يحفظه القرآن الكريم، وبالفعل أخذه إلى الكتاب، ثم التحق بالكتاب، وأتم حفظ القرآن، وهو يبلغ من العمر تسع سنوات، وشعر شيخه أنه مميز، وبدأ يرشحه لإحياء الليالى في الأماكن المجاورة القريبة، وعندما توفى والده وكان عمره وقتئذ تسع سنوات، شعر القارئ بحجم المسئولية الملقاة على عاتقه حيث تحمل نفقات والدته وخالته وأخته وأخيه محرم الأصغر، وتم تعيينه قارئًا للسورة في مسجد فاضل باشا، الذي تعلم به قراءة القرآن، واستمر يقرأ في المسجد حتى اعتزاله من باب الوفاء للمسجد الذي شهد ميلاده في عالم القراءة منذ الصغر. - حدثينا عن الصفات التي كان يتحلى بها الشيخ محمد رفعت؟ ليس هناك في الدنيا مدرسة شبيهة بالشيخ محمد رفعت، لأنه كان دائمًا مشغول بالآخرة، وكان يتمتع بالزهد، والعلاقة بين الشيخ والقراءة كانت في المقام الأول ربانية، وكان الشيخ محمد رفعت مرهف الإحساس وكثير البكاء، حيث كانت الدموع تنهمر من عيونه بشكل مستمر فى أثناء تلاوة آيات كثيرة لخشوعه، فكان الشيخ يشعر دائمًا بأنه يقرأ بين يدى الله، وكثير الدخول في الخلوة خشية الله، وكان حاصلا على الإجازة بالقراءة بالقراءات السبع. - متى بدأت شهرة الشيخ محمد رفعت؟ ذاع صيته وشهرته من خلال مسجده فاضل باشا، حيث اشتهر الجامع كونه يقرأ به، حيث اعتاد التجار من كل المحافظات على سماع الشيخ في مسجده الجمعة من كل أسبوع، وكان كل محبيه ومريديه يحرصون على الصلاة في ذلك اليوم في هذا المسجد للاستماع إلى تلاوته، لدرجة أن الكثيرين كانوا يلجأون إلى الافتراش بالشوارع، فالجامع أخذ شهرةً كبيرةً بفضل الشيخ رفعت، وخلال تلك الفترة ظهرت ما يسمى بالإذاعات الأهلية، وبدأ الشيخ يدخل في الابتهالات. - لماذا رفض الشيخ محمد رفت افتتاح الإذاعة المصرية؟ الشيخ السمالوطي البرنس محمد على ابن عم الملك فاروق سمعه في الإذاعات الأهلية، فقال لهم سمعت «صوت حلو»، فرشحه للافتتاح الإذاعة المصرية، غير أن الشيخ محمد رفعت رفض افتتاح الإذاعة عام 1934، وذلك على أساس أن تلاوته ستذاع على الراديو، وربما يكون الراديو في مكان لا يليق بقراءة القرآن الكريم، ومع إصرار المسئولين وقتئذ وحرصهم الشديد على افتتاح الإذاعة بصوت الشيخ محمد رفعت استفتى علماء الأزهر، وكان من بينهم شيخ الأزهر السمالوطى، فقال له يجوز، وقال له إنه أول واحد يشترى الراديو، وبالفعل افتتح الإذاعة عام 1934، وحصل على أجر 3 جنيهات، غير أننى قمت بتقديم أسطوانات نادرة للإذاعة المصرية. - ما علاقة الشيخ محمد رفعت بالفنانين؟ في الواقع أن الشيخ محمد رفعت تجمعه علاقة طيبة بالفنانين والمثقفين من علماء الأزهر ورجال الدين، وذلك لأنه جعل من منزله الذي عاش فيه بالبغالة وراء مسجد السيدة زينب المكون من ثلاثة أدوار ما يسمى بالصالون الثقافى، وكان دائم التردد على الصالون وفقًا لحديث والدى، الموسيقار محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وقتئذ وليلى مراد والشاعر أحمد رامى والفنان كامل الشناوى. وكان يحب سماع الأغانى من صوت المطرب القديم صالح عبد الحى. غير أن علاقته بالفنان محمد عبد الوهاب كانت خاصة لدرجة أنه كان يقول دائما أنا والشيخ أصدقاء، لكنه عندما يقرأ أتحول إلى خادم تحت أقدامه. - لماذا لقب الشيخ محمد رفعت بقارئ الملك؟ الشيخ محمد رفعت كان بعيدًا كل البعد عن السلطة، حيث إنه كان لا يشغله جمع الأموال فقد رفض إحياء ليالى رمضانية في دول عدة منها الهند، عندما سمعه أحد رؤساء الهند وطلب منه إحياء ليالى رمضانية، غير أن الشيخ رفض، على الرغم من عرض أموال باهظة عليه بما يعادل مئة جنيه عن كل ليلية، وعندما كان أحد الباشوات يطلب منه إحياء ليلة وكانت تصادف ليلة رجل فقير كان يحيى الأخيرة، غير أن الشيخ جمعته علاقة طيبة بالملك فاروق، التى بدأت عندما توفي الملك فؤاد، قرأ الشيخ رفعت ثلاثة أيام المآتم، حدثنى والدى أنه ذات مرة استقبل مهاتفة من الملك فاروق، يستفسر فيها عن أن الشيخ سيأتى لصلاة الجمعة من عدمه فرد عليه والدى بعد سؤال الشيخ بأن الملك يود معرفة سيحضر للصلاة فقال له قل له إنه سيأتى إن شاء الله، الأمر الذي لا يوجد مثيله الآن فعندما يأتى تليفون من الرؤساء إلى أى قارئ يسرع في الرد والتحدث بكل عبارات الثناء والشكر والتودد، الأمر الذي لم يكن موجودًا لدى الشيخ محمد رفعت، الذى تميز بالعزة وكرامة أهل القرآن، لذلك أقول وبكل فخر إن مدرسة الشيخ محمد رفعت لن تتكرر، فلم يهتم بجمع الأموال، حيث لم يترك الشيخ إرثا، بل ترك علمًا وتاريخًا نفتخر به على مر الأزمان والعصور.