بدء فعاليات الندوة التعريفية لاتحاد القبائل العربية بالجيزة    خبير: مشروع مستقبل مصر يحمل أهمية كبيرة للاقتصاد    الاحتلال الإسرائيلي يطلق النار على سيارة تابعة ل«أونروا» برفح الفلسطينية    مجانا وبدون أشتراك ..شاهد مباراة برشلونة و ريال سوسيداد اليوم بدون تقطيع بث مباشر - الدوري الإسباني 2024    ظاهرة جوية تضرب عددا من المحافظات غدا.. وتحذير عاجل من الأرصاد    محافظ بورسعيد يبحث مع رئيس «تعمير سيناء» آخر مستجدات مشروعات التعاون المشتركة    وزير التعليم يحضر مناقشة رسالة دكتوراه لمدير مدرسة في جنوب سيناء لتعميم المدارس التكنولوجية    سيارات بايك الصينية تعود إلى مصر عبر بوابة وكيل جديد    خطتان.. مصراوي يكشف أسماء الثلاثي فوق السن المنضمين للمنتخب الأولمبي في أولمبياد باريس    انطلاق فعاليات المُلتقى التوظيفي الأول بجامعة طيبة التكنولوجية    «عباس»: الهيئة تتخذ استراتيجية مستدامة لميكنة دورة العمل بالنيابة الإدارية    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه الروماني    برلماني: السياسات المالية والضريبية تُسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية    سفير واشنطن لدى إسرائيل ينفي تغير العلاقة بين الجانبين    عربات الزهور تستعد لانطلاق موكبها خلال احتفالات الربيع في الإسماعيلية (صور)    حجز إعادة محاكمة المتهم بتزوير أوراق لتسفير عناصر الإرهاب للخارج للحكم    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل عامل في دار السلام    ميريت عمر الحريري تكشف تفاصيل إصابتها بالسرطان وكيف عالجت نفسها بالفن (فيديو)    السيسي يوجه رسالة عاجلة للمصريين بشأن المياه    بالصور.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي السينما المستقلة بالقاهرة    المفتي للحجاج: ادعو لمصر وأولياء أمر البلاد ليعم الخير    مدير التأمين الصحي بالشرقية يعقد اجتماعا لمكافحة العدوى    «التعليم» تنبه على الطلاب المصريين في الخارج بسرعة تحميل ملفات التقييم    لماذا سميت الأشهر الحرم بهذا الاسم؟.. الأزهر للفتوى يوضح    حكم كيني لمباراة مصر وبوركينا فاسو وسوداني لمواجهة غينيا بيساو    قمة مرتقبة بين رئيس كوريا الجنوبية ورئيس وزراء كمبوديا لبحث التعاون المشترك    تعليم البحيرة: 196 ألف طالب وطالبة يؤدون امتحانات الشهادة الإعدادية وأولى وثانية ثانوي    محافظ سوهاج ورئيس هيئة النيابة الإدارية يوقعان بروتوكول تعاون    ما هو موعد عيد الاضحى 2024 في الجزائر؟    إطلاق مشروع تطوير "عواصم المحافظات" لتوفير وحدات سكنية حضرية بالتقسيط ودون فوائد    وزير الرى: احتياجات مصر المائية تبلغ 114 مليار متر مكعب سنويا    هل ويست هام قادر على إيقاف مانشستر سيتي؟ رد ساخر من ديفيد مويس    تنطلق السبت المقبل.. قصر ثقافة قنا يشهد 16 عرضا مسرحيا لمحافظات الصعيد    رئيس جامعة قناة السويس يتفقد كلية طب الأسنان (صور)    وزيرة التضامن تشارك في أعمال المنتدى الدولي لريادة الأعمال ومبادرة العيش باستقلالية بالبحرين    مناظرة بين إسلام بحيري وعبد الله رشدي يديرها عمرو أديب.. قريبا    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. الإفتاء توضح    موجة احتجاجات تعصف بوزراء الاحتلال في ذكرى «اليوم الوطني لضحايا معارك إسرائيل» (تفاصيل)    الرعاية الصحية: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    توقعات برج العقرب من يوم 13 إلى 18 مايو 2024: أرباح مالية غير متوقعة    الرئيس السيسي: الدولار كان وما زال تحديا.. وتجاوز المشكلة عبر زيادة الإنتاج    وزير الثقافة الفلسطيني السابق: موشي ديان هو أكبر سارق آثار في التاريخ    بدءا من 10 يونيو.. السكة الحديد تشغل قطارات إضافية استعدادا لعيد الأضحى    ختام ناجح لبطولة كأس مصر فرق للشطرنج بعدد قياسي من المشاركين    تشمل 13 وزيرًا.. تعرف على تشكيل الحكومة الجديدة في الكويت    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية اليوم الاثنين 13 مايو 2024    بنك التعمير والإسكان يرعى الملتقى التوظيفي 15 بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة    خلال 12 يوم عرض بالسينمات.. فيلم السرب يتجاوز ال24 مليون جنيه    شعبة الأدوية توجه نداء عاجلا لمجلس الوزراء: نقص غير مسبوق في الأدوية وزيادة المهربة    إنشاء مراكز تميز لأمراض القلب والأورام ومكتبة قومية للأمراض    رئيس الغرفة التجارية: سوق ليبيا واعد ونسعى لتسهيل حركة الاستثمار    تداول 15 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة و806 شاحنات بموانئ البحر الأحمر    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمشروع سد «جوليوس نيريري» الكهرومائية بتنزانيا    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية في ديرمواس ضمن «حياة كريمة»    فضل الأشهر الحرم في الإسلام: مواسم العبادة والتقرب إلى الله    أرتيتا يثني على لاعبي أرسنال    الأقصر تتسلم شارة وعلم عاصمة الثقافة الرياضية العربية للعام 2024    "أوتشا": مقتل 27 مدنيًا وإصابة 130 في إقليم دارفور بغربي السودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام السياسي ومعركة التنوير
نشر في التحرير يوم 22 - 05 - 2016

ربما لم يحظ مصطلح خلال العقود الثلاث السابقة بما حظى به هذا المصطلح الإسلام السياسي، والذي صكه المستشار محمد سعيد العشماوي، الكاتب والمفكر والقاضي، الذي أصدر كتابًا في العام 1987 حمل هذا الاسم، في إطار مشروعه الفكري لمناهضة التطرف والإرهاب.. هذا المشروع الفكري الذي نجحت جماعات الإسلام السياسي في حجب أنواره وحصاره، كما نجحت قبله في حجب أنوار كل المفكرين التقدميين، سواء من خرجوا من الأزهر أو من الجامعات المصرية والغربية من أمثال الشيخ محمد عبده والكواكبي والأفغاني والطهطاوي وقاسم أمين أوغيرهم، لكن ربما لم يتعرض أحد لما تعرّضت له كتيبة المقاتلين ضد الظلامية من كتاب التنوير ومنهم هذا الرجل، الذي لم تحظ أطروحاته العاقلة والنقدية العلمية بما تستأهله من اهتمام، ربما فقط لأنه كان مستقلًا عن الدولة مُصرًا على أن يحيا بضمير القاضي والمفكر المتجرد المستنير.
ننوه في تلك المساحة المحدودة بالراحل العظيم الذي رحل عنّا في السابع من شهر نوفمبر من عام 2013 ، وقد ناهز الثمانين من عمره بعد حياة حافلة بالعمل والجهاد ، سواء في سلك القضاء الذي تقلّد فيه أرفع المناصب قاضيًا ورئيسًا لمحكمة ا ستئناف القاهرة ثم أمن الدولة العليا ، أو مفكرًا عبر رحلته في مقاومة تلك الجماعات ، حيث صادفت حياته هذا التحالف المشؤ وم بين تلك الجماعات والدولة ، بدأ الرجل نضاله الفكري في العام 1979، وكان مستقلًا عن النظام السياسي ينتقده كما ينتقد تلك الجماعات ، فلم يكن معولًا بيد السلطة؛ بل كان ضميرًا يخاطب الجميع ويعرف عيوب الدولة العربية الحديثةن خاصة الفساد والا ستبداد.
أصدر الرجل أكثر من 35 كتابًا عن الظاهرة مشتبكًا مع القضايا التي تمثل قوام أفكار تلك الجماعات، بمنطق هادئ يليق بقاض ومتبحر في قراءة التراث الإسلامي والفقه على وجه الخصوص، لكن كتابه الإسلام السياسي يبقى أهم كتبه، فقد تعرّض فيه إلى مجموعة من القضايا الجدلية، عارضًا فيه لوجهة نظر مستنيرة وتقدمية صدع بها في وقت كانت المؤسسة الدينية تداهن جماعات الإسلام السياسي.
ناقش ما يسمى بالحاكمية كمفهوم، مؤكدًا أن حاكمية الله فكرة غير صحيحة، فقد خلق الله الخلق ومنحهم الحكم والمسؤولية فعلًا وواقعًا، يباشرونها لونًا من ألوان الاستخلاف والتكليف، الذي يرتبط بتحقيق مراد الله في كونه من عدل وحرية وشورى وكل القيم الإنسانية التي هي من عند الله في النهاية.
فض الاشتباك حول آيات الكتاب العظيم القرآن، والتي يتوسل بها المتطرفون في تبرير العنف والإرهاب والقتل، مؤكدًا أهمية؛ بل وضرورة تفسير آيات القران الكريم وفقًا للسياق التاريخي والعلم التام بأسباب النزول والأخذ بتاريخية النصوص، وإلّا فنحن أمام نصوص إذا تخطت هذه العتبة فهي دعوة أبدية إلى حرب ضروس مع العالم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. فالقيمة المركزية في الإسلام هي العدل والرحمة لذا فالعدالة في الإسلام تسبق العقوبة والعدل يسبق الحد، مؤكدًا أن الإسلام في تاريخنا، إسلام حضارة وإسلام بداوة ظلًا يتشاركا مسيرة التاريخ ويتبادلا الظهور والحديث باسم الإسلام، منصفًا الحضارة الغربية العالمية بأنها ليست شرًا كلها؛ بل تتضمن قيما أخلاقية يمكن أن نعتبرها قيما روحية.
العشماوي ينبه قبل ثلاثة عقود أن أفكار تلك الجماعات في حال انتشارها وبروزها عبر جماعات كبيرة ستقود العالم إلى حرب كونية، وهو ما تفعله داعش اليوم بالضبط حين تتوعد العالم كله وتقسمه إلى دار حرب ودار إسلام.
امتلك الرجل الشجاعة ليصدع برؤية تتعلق بما يسمى بالبنوك الإسلامية، مؤكدا أنها لا تختلف عن غيرها من البنوك سوى في الشعارات، بينما هي في النهاية جزء من اقتصاد العالم المرتبط بشبكة واحدة.
حذر من أن دخول السياسة إلى العقيدة يحولها إلى أيديولوجية، وفارق كبير بين الإسلام كدين والأيديولوجيا الإسلامية، فالسياسة عمل بشري يتلبث بحق وبباطل، بينما الدين رسالة حق لا ينبغي أن تنزل إلى هذا الدرك، كلمات ربما لم نعرف معناها إلّا بمصاديق من واقع عاشه الرجل وأدركه قبل أن يرحل قبل ثلاثة أعوام.
يلفت الرجل إلى ملمح هام وهو أن الإسلام دين رحمة وخلق بالأساس، بينما اليهودية دين تشريع بالأساس لذا جاءت كثير من الحدود في الإسلام نسجًا على منوال التوراة، حيث ضم القران أكثر من 6000 أيه ما تعلّق منها بالتشريع والمعاملات لم يتجاوز 700 أية ما يقرب من عشرة بالمئة.
طوف الرجل بالتاريخ والتجربة الإسلامية، نازعًا عنها حجاب القداسة، مؤكدًا بشرية الصحابة التابعين، مفرقًا بين مرحلة النبوة التي هي حكم الله الذي يستضىء بالوحي على مدار الساعة، وما تلاه من حكم البشر الذي خضع لتطور الأحوال ليتطور إلى صراع طبقي وقبلي في النهاية وسيطرة القبيلة، ثم الوجه الإمبراطوري التوسعي الذي كان مزاج تلك المرحلة، حتى انتهت الأمور مع جماعات الإسلام السياسي إلى اختزال الإسلام في السياسة، واختزال الشريعة في الفقه وخلط العقل الإسلامي بين مقام النبوة ومقام الخلافة.
الكتاب ككل كتب الرجل شحنة عقلية مكثفة، تستثير العقل الإسلامي وتبعث روح المسلم وتدفعه إلى تجديد الفكر الديني، ووضع نطريات واضحة ومحددة في السياسة والاقتصاد.. لكن من أهم القضايا التي تعرّض لها الكتاب فيما يخص التجديد الديني، كانت نقاط، لم يشتبك معها أحد من مجامعنا الفقهية أو مراجعنا العلمية، رغم خطورتها ومركزيتها في وعي كل حركات الإسلام السياسي، والتي منها تحديد معاني القرآن الكريم تحديدًا واضحًا جامعًا، مانعًا من التداخل أو التأويل المتعسف، تحديد منهج لتفسير القرآن يضع أسباب النزول في مكانها اللائق فيه، وضع نظرية للنسخ في القرآن، وضع نظرية للأحكام التي يمكن للمجتمع الإجتهاد فى تعليقها ضاربا مثلا بقضية الرق والجوارى ، وضع معيار لتقويم الحديث النبوى على أساس المتن الى جانب الإهتمام بالسند وعدم الاقتصار عليه.
الكتاب كأفكار الرجل نبؤة للمستقبل، تحتاج إلى من يتبناها بالنشر والبحث والحوار في وقت نحن أحوج من نكون فيه إلى ذلك، في إطار مواجهة فكرية تواجه الظلامية بالتنوير، وليس أفضل من تلك الشحنات من العقلنة سبيلًا للاشتباك مع الظاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.