تروِّج وسائل الإعلام الأمريكية وصدى صوتها فى بعض الدول الأوروربية لأكذوبة أن الجيش المصرى قام بانقلاب عسكرى على الرئيس المدنى المنتخَب، محمد مرسى، يروجون حاليا لهذه الأكذوبة لأنهم لم يستوعبوا بعدُ أن رجلهم والجماعة المتحالفة معهم قد تم خلعها من السلطة بإرادة شعبية كاملة. بنت واشنطن سياستها فى المنطقة على تحالف كامل مع الجماعة وفروعها، قدّرت أنه زمن الجماعة التى سوف تستقر فى السلطة لعقود، ألقت بثقلها خلف الجماعة وسحبت معها عددًا من الدول الأوروربية فى مقدمتها، كالعادة، بريطانيا، أبرمت الجماعة مع واشنطن عهدًا يقول بتنفيذ الجماعة كل ما تطلب واشنطن إقليميا ودوليا، مقابل أن تطلق واشنطن يد الجماعة فى كل ما له علاقة بالشأن الداخلى، تتركها تتحدث عن خصوصيتها الثقافية، تطلق يدها لتفعل كل ما تريد، فلا مجال للحديث عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. لم تعلِّق واشنطن بكلمة واحدة على عمليات العنف الدينى والطائفى، لم تُدِن انتهاكات مندوب الجماعة فى قصر الرئاسة لحقوق حريات المصريين، لدستور لا يحقق الحد الأدنى من التوافق، لم تتحدث واشنطن عن غارات الجماعة على السلطة القضائية، لم تعلِّق على عمليات القتل والسحل التى كانت تقوم بها عناصر الجماعة بحق المتظاهرين السلميين، فما يهمها هو أمن إسرائيل واستقراراها، وقد لبى لها مرسى ما كانت تريد وأكثر، ووافق لها على ما سبق ورفضه مبارك وهو تركيب «حسَّاسات» على الحدود المشتركة، ضبط لهم مرسى سلوك «حماس» التى بدأت تقطف ثمار وجود ممثل الجماعة على رأس السلطة فى مصر. باختصار، عام تحت حكم مرسى تدهورت الأوضاع خلاله فى مصر على جميع المستويات، اقتصاد يترنح، أمن مخترَق، مجتمَع يتمزق، شعب يتم قمعه بكل الوسائل، باتت كروم مصر مرتعًا وملعبًا للثعالب الصغيرة (قطر و«حماس»)، ومن خلفها ثعلب كبير (تركيا). حدث كل ذلك والقوات المسلحة تقول ليل نهار على لسان الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، والفريق صدقى صبحى رئيس الأركان، إنها لن تتدخل فى السياسة، ولكن فى الوقت نفسه لن تسمح بترويع الشعب المصرى، حاول الفريق أول عبد الفتاح السيسى دفع الأطراف المختلفة إلى مائدة حوار وطنى، دعا إلى ذلك فى نوفمبر من العام الماضى، وبعد أن استجابت كل القوى السياسية للدعوة، تَدخَّل مرسى وألغى الحوار. مرت شهور وتزايد تعقيد الأزمة، وخرج شباب مصرى بفكرة رائعة هى «تمرُّد» لسحب الثقة من الرئيس، وحققت الحركة نجاحًا باهرا وتحولت إلى حالة شعبية وصلت إلى مختلف فئات المجتمع المصرى وجمعت على مدار شهرين فقط 22 مليون توقيع تطالبه بالرحيل. رفض مرسى الإصغاء إلى صوت الشعب ودفع المجتمع المصرى إلى حافة الحرب الأهلية، تَدخَّل الفريق أول عبد الفتاح السيسى وأمهل القوى السياسية مدة أسبوع للتوافق وإلا فإنه من منطلق الحرص على مصر والمصريين سوف يطرح خريطة مستقبل من جانبه. أضاع مرسى الأسبوع وردّ عليه بخطاب «فودة وعاشور وفساد شركة (بوينج)»، جاء يوم الثلاثين من يونيو فخرج شعب مصر من كل الطوائف والفئات والطبقات إلى الشوارع مطالبا مرسى بالرحيل والسيسى بتوفير الحماية للشعب، لم يتحرك الجيش وأعطى الرئيس مهلة جديدة، ثمانى وأربعين ساعة، فكان ردّ مرسى هو التهديد بإحراق مصر. هنا تواصل خروج المصريين إلى الشوارع رافعين شعارات تنادى القوات المسلحة بإنقاذ مصر، أكثر من 30 مليون مصرى خرجوا إلى الشوارع فى مختلف محافظات مصر يطالبون مرسى بالرحيل ويطالبون الجيش بتوفير الحماية للشعب. تَحرَّك الجيش، دعا ممثلى الأحزاب السياسية للقاء، فردَّت الأحزاب المدنية بتكليف الدكتور البرادعى بالحضور ممثلًا لها جميعًا، وحضر حزب النور ولم يحضر «الحرية والعدالة»، وصاغ الفريق أول عبد الفتاح السياسى خريطة المستقبل فى حضور ممثلى القوى السياسية والإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر وقداسة البابا تواضروس الثانى، وممثل شباب حركة «تمرد» وعدد من الرموز الوطنية، خريطة مستقبل تَولَّى بموجبها رئيس المحكمة الدستورية العليا الرئاسة مؤقَّتًا، تشكيل حكومة تكنوقراط، وتعديل الدستور بالتوافق، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة. كل ذلك فى مرحلة انتقالية جديدة دور الجيش فيها هو الراعى والضامن لا الحاكم. خرج أكثر من 30 مليون من أبناء الشعب المصرى فى الثلاثين من يوينو يطالبون بتنحِّى الرئيس وصياغة مرحلة انتقالية جديدة، فاستجابت لهم القوات المسلحة، وفَّرَت لهم الحماية والأمن ورسم خريطة انتقالية من جديد، فأى حديث عن انقلاب عسكرى؟ إن من يتحدث عن انقلاب عسكرى هم فلول الجماعة الذى اختطفوا مصر على مدار أكثر من عامين، والإدارة الأمريكية التى تواطأت مع الجماعة بصفقة تضمن من خلالها مصالحها فى المنطقة على حساب مصر والمصريين. نحن -المصريين- من يقدِّر ويحدد طبيعة ما جرى، لا نراه انقلابًا، بل عملًا وطنيًّا من الطراز الأول، وهو ما اعتدناه من قواتنا المسلحة. إن كل من يتحدث عن انقلاب عسكرى سوف نعتبره عدوًّا لمصر والمصريين يُقدِم على موقف عدائى من الشعب المصرى. كل من يقول إن ما حدث فى مصر هو انقلاب عسكرى فهو عدو لمصر والمصريين.