ما الذى ينتظره صنّاع السينما لتقديم فيلم عن أزمة البنزين؟! ربما فيلم كوميدى، البطل وجد لنفسه فرصة عمل فى الأزمة «بياخد عربيات الأغنياء من الصبح يمونها ويرجعهالهم آخر النهار، وأحيانا يقف فى طابور البنزين خصيصا ليبيع دوره لمن يدفع أكثر». أو عن شخص دخل فى غيبوبة عدة أشهر ازدادت خلالها الأزمة ففاق هو من غيبوبته ليجد نفسه وقد أصبح الشخص الوحيد فى المدينة الذى يمتلك سيارة فيها بنزين، بعد أن خلت الشوارع والميادين والكبارى من السيارات تماما، فيسير بسيارته وحيدا، دون أن يعرف سببا لهذا الخلاء. وربما فيلم اجتماعى تدور أحداثه كلها فى طابور البنزين، فهذا سائق تاكسى مسن مريض بالسكر يقاوم المرض كلما فكر فى الخروج من الطابور، لأنه يتذكر الديون اللى عليه، حتى يزداد عليه المرض ويتوفى داخل سيارته وهو متمسك بدوره فى الطابور لآخر نفس، ويكتشف الآخرون وفاته عندما يأتى دوره فلا تتحرك السيارة للأمام، وهذا شخص سرق سيارة ولم يتمكن من الهرب بها بعد أن اكتشف أن «مافيهاش بنزين»، فيضطر إلى الوقوف فى الطابور عدة ساعات علشان يموّنها ويعرف يهرب بيها. وهذا سائق سيارة ربع نقل يخبر فتاة بأنهم «بيمونوا للبنات قدام من غير طابور علشان الوقت اتأخر» فتخرج من دورها وتذهب للمحطة مباشرة، ليأخذ مكانها فى الطابور بمجرد خروجها منه. وهذه سيارة يقودها العريس وبجواره العروسة بعد أن «شطّب» منهما البنزين فى أثناء الزفة. كل هذه الحكايات وغيرها من الحواديت والتفاصيل ستجدها عزيزى المؤلف السينمائى بسهولة فى أى طابور بنزينة من هذه الطوابير، التى أصبحت تملأ الشوارع. كل ما عليك أن تعمل حسابك فى أكل وشرب يكفيك 6 ساعات، وإن كنت ستجد هناك كل مستلزماتك مع الباعة الجائلين المنتشرين حول الطابور من شاى ولب وسودانى وحاجة ساقعة، وممكن تاخد معاك الأولاد، هينبسطوا هناك وسيجدون أطفالا آخرين يلعبون معهم، وممكن تتصاحب على زملائك فى الطابور وتشاركهم تشكيل لجنة شعبية تقفوا أمام البنزينة لتنظيم المرور وحماية الطابور من الدخلاء عليه، وتحكى لهم وتسمع منهم حكايات تصنع لك عشرات الأفلام. ولا تنس فى نهاية الرحلة أن تشكر سيادة الرئيس محمد مرسى وجماعته على هذه الأزمات التى تنبت لنا أفكارا جديدة كل يوم بل كل ساعة، سواء أزمة رغيف العيش أو الأنابيب أو الكهرباء، والتى لولاها لكان زماننا قاعدين بندور على أفكار فيها خيال، إلا أن هذه الأزمات وغيرها أثبتت بالتجربة العملية أن لا خيال يعلو على خيال الحكومة.