«امضِ إلى أورشليم وافحصي بتدقيق عن الصليب المجيد والمواضع المقدسة»، ذات ليلة سمعت الملكة هيلانة في منامها هذه القول، فاعتبرتها دلالة لاختيار الله لها لتكون هى سبب اكتشاف الصليب الذي مات عليه المسيح المقدس وقبره والأماكن التي تحمل ذكرى من حياته بعد إخفاء اليهود لكل ذلك قبل نحو 300 عام بعد صلبهم للمسيح، وبالفعل تحركت الملكة في صباح اليوم الثاني، وتحقق ما أرادت. من هي الملكة هيلانة؟ وُلدت هيلانة بمدينة الرُها (تعرف حالياً في تركيا بأورفا) من أبوين مسيحيين عام 247م تقريبًا، كانت حسنة الصورة والأخلاق، وسمع قُنسطنس ملك بيزنطة (الإمبراطورية الرومانية) بخبر هذه الفتاة وجمال منظرها، فطلبها وتزوجها في حوالي عام 270 م، ورزقت منه بقسطنطين، حسب موقع «الآنبا تكلا القبطي الأرثوذوكسي». في عام 293م، انفصل عنها قُنسطنس لكي يتزوج من ابنة الإمبراطور الأكبر في الغرب أوغسطس مكسيميان، وعاشت هيلانة لسنوات طويلة مع ابنها قسطنطين، الذي انتصر على ليسينيوس (الجنرال الروماني)عام 324م، وأصبح الحاكم الوحيد على الإمبراطورية الرومانية، فيما أدى الصراع الخطير داخل الأسرة المالكة إلى استبعاد الزوجة الثانية لأبيه وابنها. St-Takla.org Image: Ancient icon of Saint Helena the Queen and Saint King Constantine صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة أثرية تصور القديسة الملكة هيلانة ماسكة الصليب المقدس وإلى جانبها قسطنطين هيأت الملكة هيلانة قلب ابنها قسطنطين ليقبل الإيمان بالسيد المسيح، وصار أول إمبراطور روماني مسيحي. وبعد الرؤية التي سمعت فيها الملكة هيلانة توصيتها بالبحث عن الصليب المجيد والأماكن المقدسة، أعلمت ابنها بذلك في صباح اليوم التالي، وبدوره أرسل معها حاشية من الجند إلى أورشليم، فبحثت في كل مكان عن الصليب المجيد حتى وجدته مدفون إلى جانب الصليبين الآخرين لكلا من اللص اليمين واليسار، الذان كانا مع المسيح وقت الصلب، فلم تكن تعرف أيهما هو صليب السيد المسيح. أخبرها مقاريوس، أسقف كرسي أورشليم آنذاك، بأن صليب المسيح مكتوب أعلاه: «هذا هو يسوع ملك اليهود»، لكن لم يطمئن قلبها لهذا الدليل وحسب، فقال لها إنه بمرور جنازة أي ميت في ذلك الحين، ضعي جثته على كل صليب منهم وسترين أيًا منهما صليب المسيح، فلما وضعت الجثة على الصليبين الأولين لم يحدث شيء، وحين وضعتهم على الصليب الثالث قامت الجثة من الموت، فتأكدت وقتها أنه الصليب المجيد عام 326 م - وذلك بحسب ما تذكر الكتابات التي تناولت سيرة الملكة هيلانة. ومن بعدها اشتركت الملكة مع ابنها الإمبراطور قسطنطين لإقامة مبانٍ كنسية في بيت لحم وأورشليم، وسبب ذلك نشاط حركة السياحة في القدس وهو ما استمر حتى ذلك الوقت. توفيت الملكة هيلانة بعد هذا الاكتشاف بعام واحد وهي قرابة الثمانين، وتحتفل الكنيسة كل عام بظهور الصليب في اليوم السابع عشر من شهر توت. يذكر أن صليب المسيح تم تقطيعه بعد ذلك، ويوجد أجزاء منه في عدة بلدان، منها القدس والفاتيكان، كما توجد المسامير التي كان مثبتًا بها على الصليب وإكليل الشوك والكفن الخاص به في إيطاليا.