لم يستطِع نظام الدكتور مرسى أن يخدع شعب مصر، لم تنطلِ ألاعيب وأباطيل السياسة الإخوانية علينا، فبينما أرغى وأزبد شيوخهم حديثًا عن نصرة الشعب السورى (والله عليم بنيَّاتهم) إذا بالشيخ محمد عبد المقصود يفضحهم، دون أن يقصد طبعا، فأظهر ما كان مخبوءا تحت لسانهم بدعائه على المصريين الذين أجمعوا أمرهم على الثورة فى وجه الطغاة منادين بحقهم فى الحرية والاستقرار. هم جاؤوا بأسباب ملفَّقة لغزو قلوب الضعفاء من المصريين، وأتحدى أن يعرف شيخ واحد منهم كيف ومتى وأين ولماذا بدأت تلك الفتنة الطائفية فى سوريا حتى يتحدث فضيلته عن جهاد ونصرة وقتال فئة باغية، يا لرحمة الله بك يا شعب مصر! فما يدبرونه فى الخفاء وبليل لخطف مصر إلى المجهول حتى يكشفهم الله أمام الدنيا بأسرها فى زلة لسان، أو دعاء يكشف ما فى الصدور، أو تصرف يروى الوقائع، مثل الأحضان والقبلات التى يوزعها رئيس الجمهورية على أنصاره وحلفائه. تعالوا نتأمل معا تلك «التقليعة» التى تسرى بين حكام الدول المتمسحة بالديمقراطية فى حين أنها تخفى وجها ديكتاتوريًّا فجًّا، فالرئيس مرسى عندما يعنّ له أمر تراه يختال بين رفاقه وأحبابه وأنصاره و«هاتك يا رغى وكلام وتواشيح»، كأن بقية الشعب أولاد البطة السوداء، وكذلك فعل الطيب أردوغان الذى ما إن ثار فى وجهه طوائف من الشعب التركى حتى قاد مظاهرة لأنصاره فى أنقرة تحت شعار «احترام الإرادة الشعبية»، كما وجه خطابه إلى أنصاره من حزب العدالة والتنمية فى محاولة لاستعراض القوة وهو لا يعلم أن ذلك تكريس لتفتيت المجتمع التركى وتهديد يزيد من العنف بين أبناء الشعب الواحد الذى يشهد الآن انقسامًا طائفيًّا وعرقيًّا حادًّا. هناك بالطبع فروق بين تجربة أردوغان فى حكم تركيا وتجربة مرسى فى مصر لامجال لذكرها الآن، ولكن السلطة الأخلاقية هى التى من المفترَض أن تستمر مع الحكام، بل يحتاجون إليها لإرضاء جموع الشعب عن أداء أى رئيس، وهو فى رأيى ما يفقده أى رئيس يولِّى وجهه ناحية أنصاره فقط. الحقيقة أن خطاب الفتنة الذى وُجِّه من استاد القاهرة هو صورة بالكربون مما فعله أردوغان فى أنقرة، والحقيقة أيضا أن أول من فعلها فى منطقتنا العربية وكان سبَّاقا مغوارًا مفتاحًا لهذا النوع من الديكتاتورية كان حزب الله الذى كنا فى مصر نتندر ونقف بذهول أمام ما يفعله من حشد واستعراض للقوة فى ميادين بيروت، وكنا نذهل من هذه الأفعال أيام كنا شعبا واحدا قبل أن يفرقنا مرسى وتقسمنا جماعته، فهل رأينا مثل هذه الاستعراضات فى الدول الديمقراطية بحق وحقيق وبجد؟ لا تُرى هذه الحشود إلا فى مواسم الترشح للانتخابات، فنجد المرشحين يحشدون الأنصار لجلب الأصوات، إنها فقط الحالة الوحيدة لحشد الأتباع والأنصار والحلفاء والمريدين، وما بعد ذلك للشعب كله، وبمجرد نجاح الرئيس فى الغرب تجده ليلة فوزه يتحدث أمام جموع الشعب بكل طوائفه وأديانه وأعراقه دون تحزُّب أو سعى لتمزيق وحدة الأمة. لقد عاقب الشعب الأمريكى رئيسه السابع والثلاثين ريتشارد نيكسون (1969 -1974) بسبب تجسسه على مكاتب الحزب الديمقراطى المنافس فى القصة الشهيرة المسماة «فضيحة ووترجيت» نسبة إلى اسم المبنى، ولم يكمل نيكسون مدته الرئاسية، فى حين جلس الرئيس مرسى ساكتًا -السكوت علامة الرضا- وهو يسمع الشيخ يدعو على الشعب المصرى وينعت كل من سينزل فى 30 يونيو بالكافر أو المنافق. إننى أذكِّر الرئيس مرسى وشيخه بمعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من رمى مسلمًا بالكفر دون بيِّنة فقد باء بها. فيا مصر يا قلعة التوحيد، أنت فى رعاية الله وعنايته، ولتخرجى فى اليوم الثلاثين لتنفضى عن نفسك ما يحاولون رميك به من كفر ونفاق.