يأخذ بعض المعارضين للرئيس محمد مرسى أنه يكثر من استخدام الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فى أحاديثه، ولا يراعى أحيانا أن ما يقال فى مكان قد لا يصلح للقول فى مكان آخر. صباح الأحد الماضى ذهبت إلى أنقرة بدعوة كريمة من حزب العدالة والتنمية الحاكم لحضور المؤتمر العام الرابع للحزب. واستمعت مع نحو عشرين ألف تركى وأجنبى إلى الخطاب الماراثونى لزعيم الحزب رجب طيب أردوغان.
خلال الخطاب حيا أردوغان محمد مرسى وتعهد بدعم مصر، وبعد الخطاب كان مرسى أول ضيف أجنبى يتحدث إلى المؤتمر.
وكعادته بدأ مرسى خطابه بآية «قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون». وبعدها مباشرة تلا «رب اشرح لى صدرى، ويسر لى أمرى واحلل عقدة من لسانى يفقه قولى». حمد مرسى الله وصلى على رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وفى منتصف خطابه تلا «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا».
المفاجأة أن هذه المفردات التى قد تغضب بعض الليبراليين لاقت استحسانا شديدا من آلاف الأعضاء فى حزب العدالة والتنمية التركى.
كان مرسى يتكلم بالعربية ثم يعطى الفرصة للمترجم، بعدها يصفق الحاضرون تصفيا حادا فى كل مرة يستشهد بآيات القرآن.
خطب مرسى طويلا لمدة تقارب الساعة بعد خطاب استمر ثلاث ساعات لأردوغان. بعض الحاضرين قالوا إن مدة ساعة كثيرة جدا حتى لو كان خطاب أكبر زعيم فى العالم، فما بالك بضيف أجنبى يخاطب حشدا متسمر فى مكانه منذ التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساء.
أتصور أن على مستشارى الرئيس ومساعديه أن يدرسوا جيدا مدة الخطاب من كل النواحى.
نعود إلى جوهر الخطاب ونشير إلى أنه صار واضحا أن تفاهما استراتيجيا بدا بين القاهرةوأنقرة وأن كيمياء شاملة ترسخت بين العاصمتين، بعد سنوات طويلة من الجفاء المعلن والخفى سببه إصرار نظام مبارك على عدم التنسيق مع أنقرة بحجة أن حكومتها إخوانية.
كان أردوغان واضحا فى دعمه لمرسى، وكان الأخير واضحا فى الإصرار على ضرورة وجود تعاون شامل فى كل المجالات، وصار معروفا أن الجانبين يسعيان بكل السبل لإزاحة الأسد من سوريا، تمهيدا لوجود خط متصل يبدأ من أنقرة إلى دمشق إلى غزة ونهاية بالقاهرة.
مرسى حصل على مساعدات وقروض ووعود باستثمارات تركية ضخمة، لكن الشىء الأكثر أهمية هو التنسيق السياسى، خصوصا أن نظرة العاصمتين الآن إلى إسرائيل واحدة وكان أردوغان أكثر وضوحا حينما قال انه لا تطبيع مع إسرائيل قبل أن تعتذر وتقدم تعويضات لضحايا سفينة «الحرية» التركية، والأهم أن ترفع الحصار عن غزة وهو شرط يعلم أردوغان أنه شبه مستحيل ما يعنى أن القطيعة بين أنقرة وتل أبيب ستطول، وهو ما يصب فى مصلحتنا.
قبل الذهاب إلى أنقرة كنت أصدق إلى حد ما الإلحاح الدائم من قبل بعض قادة «العدالة والتنمية» بأن حزبهم ليس ذا خلفية إسلامية، بعد المؤتمر والمتابعة الدقيقة لوجوه وملامح قادة الحزب أيقنت أنهم إسلاميون حتى النخاع.
وبالطبع فذلك ليس عيبا وتقديرى أن سياسة هذا الحزب على الأرض هى أفضل نموذج يمكن تقديمه للإسلام فى الوقت الراهن.
السياسة لا تعرف إلا المصالح، ويمكن لمصر أن تستفيد كثيرا من تجربة تركيا الراهنة خصوصا أن أنقرة متلهفة لمساعدتنا فعلا، بغض النظر عن السبب.
كنت سعيدا للغاية أن مرسى كان موجودا فى القاعة هو وكبار رموز الحركة الإسلامية فى المنطقة العربية، لأن أردوغان قال كلاما مهما إذا طبقه الإسلاميون فى منطقتنا فسيكون مستقبلنا تركيا وإذا فعلوا عكسه سيكون صوماليا، وذلك حديث آخر، إن شاء الله.