الدكتورة أميرة يوسف عميدًا لكلية البنات جامعة عين شمس (بروفايل)    رسميًّا.. مسابقة لتعيين 9354 "معلم مساعد" مادة "اللغة الإنجليزية"    محافظ أسيوط يشارك أطفال معهد الأورام فرحتهم بقرب عيد الأضحى (صور)    وزير الدفاع يلتقي وزير خارجية جمهورية بنين    رئيس هيئة النيابة الإدارية يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى المبارك    قنا ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    رئيس الوزراء يصدر 7 قرارات جديدة    معدل التضخم الشهري يرتفع 1.8% في مايو.. فما الأسباب؟    بعد إطلاقها في مصر.. كيف تفعل ميزة ال 5G على هاتفك المحمول؟    برلماني: زيارة السيسي للإمارات تعكس رؤية مصرية ثابتة لدعم الاستقرار الإقليمي    قبلة فابتسامة فاجتماع فعشاء.. ميلوني تستقبل ماكرون في روما لتحسين العلاقات السياسية (صور)    قائمة الأهلي المتوقعة في كأس العالم للأندية.. الفريق يطير إلى ميامي 8 مساء اليوم    كأس العالم للأندية - في الجول يكشف القائمة الأقرب ل الأهلي للسفر إلى أمريكا    طوارئ في بعثة السياحة استعدادا لتصعيد 41 ألف حاج إلى عرفات    الأرصاد: ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة بدءًا من غدًا.. توقعات الطقس في يوم وقفة عرفات    استهداف 3 عناصر خطرة خلال مواجهة نارية مع الشرطة في أسيوط    موعد عرض مسلسل الصحبة الحلوة الحلقة الأولى    بالأسماء.. 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج في عيد الأضحى    28 فرصة و12 معيارًا.. تفاصيل منظومة الحوافز الاستثمارية للقطاع الصحي    «مباشرة لا عن طريق الملحق».. حسابات تأهل العراق ل كأس العالم 2026    «جبران»: قانون العمل الجديد يرسخ ثقافة الحقوق والحريات النقابية    برنامج تدريبي لصغار المربين بالمحافظات للتوعية بأمراض الدواجن والطيور    يديعوت أحرنوت: حماس تعيد صياغة ردها على مقترح ويتكوف.. وأمريكا تتوقع إعلانا بحلول عيد الأضحى    حبس 5 عمال على خلفية واقعة التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر    تحرير 911 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    زيمبابوي تقرر ذبح الفيلة وتوزع لحومها للاستهلاك البشري    في ذكرى ميلاده.. محمود عبد العزيز من بائع صحف إلى أحد عمالقة التمثيل    القومي لثقافة الطفل يحتفل بعيد الأضحى المبارك    سيد رجب يشارك في بطولة مسلسل «ابن النادي» إلى جانب أحمد فهمي    أفضل الأدعية في يوم التروية    محافظ أسيوط يفتتح معرض اليوم الواحد لتوفير السلع الأساسية بأسعار مخفضة    محافظ المنوفية يوزع مساعدات مالية ومواد غذائية على 40 حالة إنسانية    محافظ أسيوط يشارك أطفال معهد الأورام فرحتهم بقرب حلول عيد الأضحى    خالد سليم يشارك جمهوره صورًا تجمعه بعمرو دياب وعدد من النجوم    الجباس: بيراميدز بطل الدوري هذا الموسم.. ومواجهة الزمالك أصعب من صن داونز    أحكام الحج (12).. علي جمعة يوضح أعمال أول أيام التشريق    فرصة للترقية.. حظ برج العذراء في شهر يونيو 2025    أنشطة ثقافية ومسرح وسينما فعاليات مجانية لوزارة الثقافة فى العيد    اليوم.. توقف عمل آلية المساعدات الإنسانية في غزة والمدعومة من واشنطن    "الشباب المصري" يعلن إطلاق البرنامج الوطني للدعم القانوني للمصريين بالخارج "سند"    أيام الرحمة والمغفرة.. ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة    «اللهم املأ أَيامنا فرحًا ونصرًا وعزة».. نص خطبة عيد الأَضحى المبارك 1446 ه    تكبيرات عيد الأضحى 2025.. تعرف على حكم التكبير فى العيدين بصيغة الصلاة على النبى    تذاكر مجانية ومقاعد مخصصة.. تعرف على تسهيلات السكة الحديد لكبار السن 2025    مصرع شخص وإصابة 21 شخصا في حادثين بالمنيا    رئيس جامعة القاهرة يتفقد الامتحانات بكليات الاقتصاد والعلوم السياسية والآداب والإعلام    زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% تدخل حيز التنفيذ    زلزال بقوة 5.3 درجة يضرب جزيرة سيرام الإندونيسية    أحمد الصالح: على الزمالك مهاجمة بيراميدز منذ بداية مباراة كأس مصر    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    وزير خارجية إيران: تخصيب اليورانيوم داخل أراضينا هو خطنا الأحمر    كامل الوزير: انتقال زيزو للأهلي احتراف .. وهذا ما يحتاجه الزمالك في الوقت الحالي    رشوان توفيق عن الراحلة سميحة أيوب: «مسابتنيش في حلوة ولا مرة»    ظهور وزير الرياضة في عزاء والدة عمرو الجنايني عضو لجنة التخطيط بالزمالك (صور)    «شعار ذهبي».. تقارير تكشف مفاجأة ل بطل كأس العالم للأندية 2025    «الإفتاء» تنشر صيغة دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى    "چبتو فارما" تستقبل وزير خارجية بنين لتعزيز التعاون الدوائي الإفريقي    "صحة المنوفية": استعدادات مكثفة لعيد الأضحى.. ومرور مفاجئ على مستشفى زاوية الناعورة المركزي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سائق أرياف
نشر في التحرير يوم 10 - 06 - 2013


هو رفيق طريق قديم يعلم كل من يلتقيه الود.
تعرفت عليه منذ أكثر من عشر سنوات خلال تنقلاتى بين المركز والمدينة، أسمر الوجه، ممصوص العود، يرتدى جلاليب مفتوحة الصدر دائمًا، تبدو من تحتها ملابس الصيف الداخلية الرقيقة صيفًا، وأردية التثقيل فى الشتاء، المهم أن لا يلتئم طرفا صدر الجلباب على صدره أبدا. جلابيبه فى الغالب كانت بُنيّة ورمادية بدرجاتهما، أفتح أو أغمق قليلًا أو كثيرا من لون بشرته بحيث تشعر أنك فى مقابل كل واحد، ملابسه جزء منه وهو جزء من ملابسه. مهمل اللحية غالبًا وشعره الأبيض مهوش دائمًا نتيجة تعرضه لهواء الشباك المجاور له فى أثناء قيادته.
هو من النوع الذى يألفك ويألف لك كأنه معرفة العمر المديد رغم أن لقاءكما يمكن أن يكون قد بدأ من دقائق أو من ثوانٍ. حكاء جيد علمته الثرثرة المتواصلة مع الركاب العابرين على الطرقات كيف يجيد التقاط المفارقة بذكاء والقبض على التناقض بحنكة تجعلك مندهشًا فى الغالب. كان هزليًّا يجيد استدراج البسمة والضحكة والقهقهة من شفتى الجميع حتى من لم يتعود منهم الضحك من قلبه، وهذا النوع الأخير بالذات كان يعتبر بالنسبة إليه تحديًّا جديرًا بشحذ مواهبه.
أيام كثيرة خلال الأسبوع كنت أصادفه فى طريقى ذهابًا وإيابًا، وأحيانا كانت تمر أيام دون أن ألتقيه، لكنه فى كل مرة يلتقى فيها أحدا يبدو وكأنه لم يفارقه من أصله، وتظل ذكرى آخر لقاء بينهما مادة خصبة لالتقاط الخيوط منها واستئناف الحديث.
ذات مرة قرر صديقى أن يحكى لى عن العادات المضحكة لسائقى الأرياف. وسيارات الأرياف التى تعمل على خطوطها معظمها من سيارات النقل الصغيرة ذات الصندوق الخلفى، وهو ما يجعلك كراكب من ذوى التطلعات الآدمية تفضل المقعد المجاور للسائق ولو دفعت فيه أجرتين بدلًا من أجرة واحدة. رغم أن هذا الكرسى لا يمكن أن يتسع لأكثر من راكب واحد، لكن العادة أن يحشر فوقه راكبين، ويظل المقعد الأمامى مفضلًا ومحلًا لنزاع بعض الركاب أحيانًا، فهو بكل المقاييس أفضل من حشر الصندوق الخلفى فى زحمة الأنفاس والروائح والنظرات والوجوه المحملقة والركب المتضاربة والأقدام الهارسة. وهذه التطلعات الآدمية من قبل الركاب هى ما يمكن أن تجعلهم عرضة للتقاطع مع تطلعات أخرى، بعضها عاطفى وبعضها طبقى، من قبل السائقين. وهذا هو ما حكاه صديقى السائق.
يقول إنه سواء كان السائق مدعى أخلاق أو مدعى بوظان، وكلاهما قد يعرض عليك ادعاءاته لو جلست بجانبه (هذه الملاحظة الأخيرة من عندى، ولم تأت على لسان صديقى)، فلا يمكن أن تخرج تفضيلاته لمن يصطفى من الركاب المحظوظين للمقعد الأمامى عن هذا الترتيب:
امرأة جميلة يختلس من وجهها حزمة من النظرات المريحة خلال الطريق.
امرأة منقبة يختلس بخياله حولها حزمة من النظرات المريحة خلال الطريق.
ولا أكثر من ذلك كما قد يتبادر لذهن الخبثاء ولا يمكن عادة أن يكون هناك شىء للواقع أو للخيال فوق ذلك.
رجل يوحى مظهره بأنه عالى المقام، وهؤلاء ندرة لأن معظمهم يمتلكون سيارات خاصة.
وبعد هذه الأصناف الأربعة السابقة يأتى كل الناس، أقصد بهم الناس العاديين الذين لا يميزهم شىء عاطفيا أو طبقيا أو من كل الزوايا. وهم لذلك ليسوا مرشحين مرحبًا بهم عند الجلوس فى هذا المقعد الأمامى المهم.
بالطبع كنت مندهشًا قليلًا من حديث صديقى السائق الذى يتحدث فى كل شىء ويعرف الكثير من الأشياء باستفاضة. وقد تندهشون أنتم أيضا وتعتبرون حديثه خيالًا فى خيال، غير أن الحقيقة التى أعرفها أنه ليس خيالًا. لكم أن تعتبروه حديثًا تافهًا، فهذا صحيح، لكنه ليس حديثًا خياليًّا.
المهم أننى لا تهمنى الأحاديث وتفاهتها وخياليتها بأكثر ما يهمنى صديقى الذى تذكرته اليوم، وتذكرت أننى لم أعد أعرف اليوم أراضيه، ولا هو بالتأكيد يعرفها (أقصد أراضى أنا). وقد تكررت رحلتى على الخط الذى يعمل عليه عقب غيابى النهائى عنه دون أن أتذكره أو أسأل عنه، ولا بد أنه هو كذلك لم يعد يتذكرنى أو يسأل عنى. بل وفرصتى أنا فى تذكره أكبر بكثير من أن يتذكرنى هو، فلا بد أنه صادف ويصادف عشرات مثلى كل يوم، ولا بد أن ثرثرته معى تتكرر مع كل من يقابلهم على الخط المزدحم الواصل بين المركز والمدينة.
نسيت أن أقول إن صديقى السائق الذى عرفته منذ أكثر من عشر سنوات كان عجوزًا وقتها، ومن الممكن جدا أن يكون اليوم فى رحمة الله. لكننى اليوم وأنا أتذكر أحاديثه بتفاصيل كثيرة منها اقتنعت أننى لم أنسه خلال السنوات الماضية، لكنه كان كامنًا فى ركن بعيد ومدهش من ذاكرتى، وأننى كنت أحاول بعض الأحيان أن أقلد فى حديثى طريقته الممتعة الحميمة فى الحكى، وتقريبا دون انتباه منى لذلك.
أيضا وحتى هذه اللحظة، ورغم أنه قد يكون اختفى نهائيًّا من الطريق الذى اعتاد القيادة والعمل فيه إلا أننى لا أتصور أنه يمكن أن يوجد فى مكان آخر من العالم إلا داخل هذا الشريط الأسفلتى الضيق الممتد، يركن ذراعه فوق الشباك ويختلس النظرات من وجه راكب المقعد الأمامى المفضل، ويثرثر، ويضحك، ويغرق فى الثرثرة والضحك.
من «بورتريهات الفيوم»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.