تذكّرت هذه القصيدة الجميلة وأنا أتابع «استعراض الجهل» الذى شهده مجلس السبعة فى المئة الشهير بمجلس الشورى، حين وقف أحد أعضائه يطلب إغلاق معهد الباليه وحظر هذا الفن الجميل باعتباره نوعًا من العرى ونشرًا للفاحشة!! قصيدة عمّنا الراحل الجميل صلاح جاهين، كتبها فى سنوات النهضة الحقيقية وليست النهضة الفنكوش التى نعايشها الآن. يقول الرائع صلاح جاهين: .. وبنت أم أنور بترقص باليه بحيرة البجع سلام يا جدع.. سلام ع الإيدين اللى بتقول كلام سلام ع السيقان اللى مشدودة زى الوتر سلام ع القوام اللى مليان دلع مش حرام حلال زى نور القمر.. سلام ع الخطاوى اللى بتمر ع الكون تداوى سلام ع الغناوى سلام ع النسيم فى الشجر .. وبنت أم أنور بتضرب بساقها الفضا وبتشب وتلب وتنط نطة غضب ونطة رضا وبتقول بلغوة إيديها: اللى فات انقضى .. حقيقى.. مضى كان أمك يا بنتى فى أزجال عم بيرم عليه السلام ماتعرفش تركب سوارس تروح الإمام وتمشى.. تقع!! ■ ■ ■ ما مضى يحاول أن يعود يا عم صلاح!! شبح التخلّف يطل من جديد. طيور الظلام تطارد النور وتتصور أنها قادرة على سجن مصر فى كهوفها المظلمة. بدأت محاكم التفتيش تطارد المثقفين وتصادر الفكر والإبداع. اليوم حسن حنفى بكل تاريخه وكل جهاده من أجل الإسلام والوطن، وغدًا يطاردون كل فكر يختلف معهم وكل إبداع لا يوافق رؤيتهم المتخلّفة. المعركة ليست مع وزير قادم من المجهول إلى المجهول، هذا ليس إلا موظف صغير استدعوه فجاء. حطّوه على كرسى الوزارة، فانحط!! هو مثل غيره من الموظفين الوزراء. مجرد سكرتارية لتنفيذ مخططات الجهاز السرى الذى يحكم مصر. قرارات الأخ «عبعزيز» بتاع الثقافة، تكشف أن المعركة الأساسية على مستقبل مصر قد بدأت. إنها المعركة على عقل مصر ووجدانها وشخصيتها المستقلة وهويّتها الثقافية. إنها المعركة بين مصر العربية بجذروها الفرعونية وانتمائها الإفريقى وانفتاحها على ثقافة المتوسط وحضارة العالم الحديث، وبين مصر التى يُراد لها أن تعود للقرون الوسطى وأن ترضى بمصير كمصير أفغانستان أو الصومال!! إنها المعركة بين إسلام الأزهر المعتدل، وبين إسلام التكفيريين والقتلة الذين منحهم النظام الحاكم العفو وترك لهم الفرصة ليعيثوا فى أرض مصر فسادًا.. وإرهابًا!! إنها المعركة بين الدولة الحديثة التى نكافح منذ قرنين لبنائها، وبين الدولة الفاشية التى يُراد فرضها بالقوة لتعيد مصر إلى الوراء مئات السنين.. وهى المعركة بين العلم والجهالة.. بين حرية الفكر والإبداع، ومحاكم التفتيش. بين الانتصار للعقل أو الخضوع للخرافة والشعوذة!! تتوالى الأزمات على مصر فى ظل هذا الحكم الفاشل والفاشى. وتواجه مصر قضايا مصيرية مثل الخطر على مياه النيل. ولا تجد مصر فى مواجهة ذلك إلا ثروتها من «القوة الناعمة» فى مواجهة المخاطر. يفاجئنا الحكم بإعلان الحرب على المثقفين، وبافتتاح محاكم التفتيش، وبتدهيد الإعلام والقضاء، وبحصار الفكر الحر والإبداع الجميل. والنتيجة الانتقال من فشل إلى آخر مع نظام يبدو مثل «أم نور» فى قصيدة صلاح جاهين.. يتدرب -فى عصر الفضاء- على ركوب سوارس، و«يمشى.. يقع»!! هل تستطيع مصر أن تتحمل مثل هذا الحكم أكثر من ذلك؟!