أخلاق فيكتوريا.. هى التى دفعت قراصنة من الطبقة الوسطى بعد هزيمة يونيو إلى الانقضاض على «ألف ليلة وليلة» أشهر كتاب حكايات فى الثقافة العربية. مشروع القراصنة كان: نسخة مهذبة من «ألف ليلة وليلة». وكان هذا من إشارات كثيرة حذفت كثيرا من تفاصيل الثقافة الشعبية لصالح أخلاق الطبقة الوسطى المهزومة التى تميل إلى شيزوفرينيا فيكتوريا. النسخة المهذبة كانت أول إشارة إلى الانقسام فى الثقافة بين السرى والمعلن. أصبحت الطبعة الكاملة فى قائمة القراءة السرية. بينما المهذبة موجودة على أرفف العائلات المحافظة. من هنا لفت الانتباه إلى الكلمات المكشوفة الصادمة بعد أن كانت القراءة الحرة لكتاب مثل ألف ليلة هى نوعا من ثقافة لا تدفع إلى سلوك جنسى، ولكن إلى خيال مفتوح على حكايات مثيرة للدهشة الجنس محور بطولتها. وظلت ألف ليلة شاهدة على التحول الغامق إلى الأخلاق المنافقة.. حتى أتى يوم وحكمت فيه محكمة فى دمياط بحرق ألف ليلة وليلة وكانت فضيحة كاملة الأوصاف. هكذا عشنا فى نفق طويل من النفاق رصدته مثلا عندما نشرت نسخة من كتاب الروض العاطر (ضمن ملاحق عن الكتب الممنوعة فى صحيفة «الفجر» سنة 2006) نشرته يومها ضمن 3 كتب محرمة. لكنه وحده الذى أثار الحوارات واللعنات والغمزات. على تليفون الجريدة.. وفى برامج الفضائيات.. وضمن رسائل الموبايل القصيرة.. وعلى ناصية باعة الصحف.. وفى المقاهى. «الروض العاطر» لا غيره. رغم أننا نشرنا النص الكامل لكتاب على عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم» أقوى كتاب فى رفض الدولة الدينية. ونشرنا أيضا فصل معجزة العذراء من كتاب صادق جلال العظم «نقد الفكر الدينى».. لكن «الروض العاطر».. كان الصدمة. لم يتخيل قراء أول سنوات الألفية الثالثة أن هناك كتاب تربية جنسية من تأليف شيخ متخصص فى الفقه.. وموجه أساسا إلى الوزير «أى أعلى سلطة فى تونس». القراء تعودوا على أن الجنس مشروع خطيئة.. لا مكان له فى النور والعلن.. بل فى كهوف سرية.. وفى علب بيع المتع الرخيصة. الجنس ليس علاقة حرية أو.. رحلة فى سبيل لذة «ربما أقوى لذة».. يتحرر فيها الجسد وتطير الروح خفيفة. الصدمة هذه المرة لم تتعلق بفكرة سياسية كبيرة مثل الخلافة، يقدمها المهووسون بالتنظيمات الدينية على أنها روشتة الخروج من أزمات الدولة الحديثة. ولا لعبة استخدام جنرالات الملكية العسكرية فكرة انتظار الناس الغلابة للمعجزة من السماء.. وتحويلها إلى غطاء لهزيمة ثقيلة. كتاب التربية الجنسية كان هو الصدمة. ببساطة لأن الجنس هو الوتر الحساس الذى نخفيه تحت أغطية ثقيلة من عادات النفاق الأخلاقى. نشرت فى الملحق التالى كتابا آخر أكثر شهرة ومن نفس القائمة المحظورة هو «رجوع الشيخ إلى صباه»، اسم شهير فى التربية الجنسية الشعبية. والمدهش أنه بقراءة لا تستدعى أسلحة الأخلاق الرشيدة سيكتشف القارئ أن أغلب الخيال الشعبى عن الجنس مستمد من «رجوع الشيخ». وكتب التربية الجنسية القديمة.. هى نافذة على التفكير واتصال مع فنون الحياة الممنوعة على الناس. الكتاب ممكن أن يكون غريبا عن ثقافة هذه الأيام. أولا من ناحية مصطلحاته المهجورة.. وثانيا من استخدام تعبيرات فى وصف العلاقات والأعضاء الجنسية أصبحت الآن فى خانة الكلام العيب والأوصاف البذيئة. وهذا دليل آخر على أن الأخلاق نسبية وتتغير حسب العصر والثقافة.. والمجتمع، فهذه الكلمات كانت عادية.. والآن هى عارية. ولهذا فإن قراءة كتاب «رجوع الشيخ» الحافل بأوصاف ووصفات تهدف كلها إلى سعادة الجسد وراحة الروح فى رحاب لذة الجنس.. ومن قبله «الروض العاطر».. هو نوع من الرغبة فى التواصل مع ثقافة حب الحياة. هذه الكتب كانت تمنح المعرفة لمجتمعات تعبر من البدوية إلى الحضارة. تحاول اكتشاف دروب المتعة وأسرارها. ولا نعرف لماذا منعت ولا كيف أصبحت محرمة؟! ربما نجد تفسيرا فى أن الجنس هو أول الطريق للقهر السياسى. والكبت الجنسى هو مخزن البارود الذى يغلقه الطغاة على المجتمعات الضعيفة لتفجرها من داخلها. السيطرة على الجسد هى سيطرة على المجال الشخصى.. هى إخضاع الفرد وإجباره على الوقوف فى طابور الثقافة العمومية بلا تميز ولا ملامح شخصية. الفاشية تتكلم أولا عن تربية الفرد.. وانضباط أخلاقه. لا تتكلم عن حريته. ولا عن عشق الحياة. والديكتاتورية تكره القراءة لأنها تعلم الفرد أن تكون ثقافته الشخصية بعيدا عن بروجرام ثقافتها الرشيدة. هذه الأنظمة تطارد العقل وتمنع التفكير.. وتبدأ عادة بالجنس. تجعل الكلام عنه فى خانة الابتذال. لا جنس بعيدا عن الخطيئة، لا علاقات حرة، ولا معرفة عن المتعة خارج الكتالوج. من هنا يبدأ القهر. من هنا تبدأ سلطة رجل الدين.. والديكتاتور. وإذا تأملنا كل محاولات السلطات الفاشلة سياسيا.. سنجدها تبدأ من الكلام عن الفضيلة والأخلاق.. لأنها أنظمة عارية من كل قيم.. تقهر الناس وتقمعهم وتمتص قوتهم لكى تستمر فى السلطة. وتريد تغطية مجتمع (تحت شعارات أخلاقية.. وخوفا من مؤامرة انحلال قادمة.. ولكى تشعر الناس أنفسهم بالذنب والعار...). ولن نتغير إلا إذا نسفنا نفق النفاق الطويل.. وما تبقى من قدرة هذه الشيزوفرينيا على أن تكون هى عنوان الأخلاق. لن نتغير إلا إذا ذهبت أخلاق فيكتوريا إلى مدفنها بدون أسف.. وبكتابة على المدفن تقول: الأخلاق الوحيدة هى احترام حقوق وحريات الآخرين. كن متزمتا لكن ليس من حقك أن تفرض التزمت. أنت حر فى أن تكون محافظا لكنك لست حرا فى تخيل أنك بوليس على حريتى. اكتفِ بما تعرفه وتعلمته لكن لا تجعله سدا عاليا أمام حياتى. ولتذهب فيكتوريا وحزبها فى مصر إلى جحيم لا قرار له.. فأنتم أفسدتم حياتنا رغم أنكم بلهاء لا مكان لكم إلا حديقة مفتوحة.. يشاهد فيها الإنسان العصرى بقايا منقرضة من الإنسان الفيكتورى.