فى ديسمبر 2006 أعلن عمال غزل المحلة عن إضرابهم الشهير الذى جاء بدايةً لأكبر موجة إضرابية شهدتها الحركة العمالية المصرية عبر تاريخها، وقد قدَّر الباحثون عدد الإضرابات العمالية التى حدثت فى الفترة من ديسمبر 2006 حتى يناير 2011 بأكثر من ثلاثة آلاف إضراب، وبلغ عدد المشاركين فى هذه الإضرابات أكثر من 2 مليون عامل وموظف، ولكن بعيدًا عن إحصائيات ورصد الباحثين فإن الإضرابات العمالية هى التى كسرت حاجز الخوف عند الطبقات الشعبية، فلقد شجَّعت هذه الإضرابات سكان قرى كفر الشيخ على الخروج على الطريق الدولى حاملين جراكن المياه اعتراضًا على عدم توفير المياه لهم فى ما أُطلق عليه العمال ثورة الجراكن، وأيضًا شجع اعتصام العمال أمام مجلس الشعب وافتراشهم رصيف مجلس الوزراء لأيام وأسابيع فئات أخرى على التظاهر والمبيت على رصيف مجلس الشعب. إن أى راصد لهذه التحركات الاحتجاجية التى شكلت الحركة العمالية قيادتها كان حتمًا سيتوقع أن نُذُر الثورة تتجمع فى الأفق ومع الثورة حسمت الإضرابات العمالية الصراع لصالح الثورة وكانت إضرابات أيام 8 و9 و10 فبراير 2011 ضربة قاسية لنظام مبارك. والآن بعد أكثر من عامين من الإطاحة بمبارك ماذا حصل للعمال؟ وما وضع العمال بعد مرور سنة على جلوس الدكتور محمد مرسى على كرسى الرئاسة؟ هل تحسنت أوضاع العمال الاقتصادية والاجتماعية؟ هل تحققت مطالبهم التى أضربوا من أجلها قبل الثورة؟ للأسف أبدًا لم يتحقق شىء مما أضرب العمال من أجله فرغم أن الحكومات التى تعاقبت بعد الثورة وقبل مجىء الدكتور مرسى للحكم قد استجابت لعدد من مطالب العمال مما أدى إلى زيادة فى المرتبات لعدد من القطاعات العمالية إلا أن هذه الزيادات قد تآكلت تمامًا مع الزيادة المطردة فى الأسعار وانهيار الخدمات فى الدولة، فأصبح العمال يعيشون فى أوضاع اقتصادية واجتماعية أسوأ من قبل الثورة، وذلك بفعل انهيار قطاع السياحة وما نتج عنه من فقدان 550 ألف (خمسمئة وخمسون ألفا) عامل لوظائفهم فى هذا القطاع، والركود الذى أصاب قطاع البناء وما خلقه من حالات تبطل بين عمال هذا القطاع بالإضافة إلى إغلاق أكثر من 4500 مصنع من مصانع القطاع الخاص، مما أدى إلى فقدان عشرات الآلاف من العمال وظائفهم، ونتيجة لسياسة الاستحواذ التى يتبعها الإخوان المسلمين والتى أدت إلى هروب عديد من المستثمرين وسياسات الإقصاء للقوى السياسية ومحاولات السيطرة على الدولة المصرية من قبل الإخوان المسلمين فى ما يُعرف بمشروع الأخونة، مما أدخل النظام فى صراع دائم مع القوى السياسية والسلطة القضائية والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدنى وبالطبع القوى العمالية. كل ذلك جعل المجتمع المصرى فى حالة صراع دائم وأصبح المصريون منقسمين إلى قوى سياسية توظف الإسلام لصالح مشروعها السياسى وأغلبية رافضة لهذه السياسات وترى فيها إعادة إنتاج لنظام مبارك بكل استبداده وفساده، وهذا وضع غير جاذب للاستثمار فضلًا عن أنه غير مشجع على العمل والإنتاج، والعمال هم الأكثر ضررًا، فهم من يفقدون وظائفهم، وهم أول من يعانون من تردى الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية، وهم من تتدهور أوضاعهم الاقتصادية تحت وطأة الارتفاع اليومى للأسعار. هذا على جانب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أما على جانب الحريات النقابية فحدِّث ولا حرج، فلقد تدهورت أوضاع الحريات النقابية بعد نجاح الدكتور مرسى خصوصا بعد أن أصبح خالد الأزهرى وزيرًا للقوى العاملة، فمنذ ذلك الحين وضح موقف الإخوان المسلمين من قضية الحريات النقابية وانكشفت ادعاءات الإخوان التى كانوا يتشدقون بها قبل الثورة وأصبح واضحا للجميع أن الإخوان المسلمين لا يريدون حريات نقابية ولا يحزنون، وأن كل ما يسعون إليه ويعملون من أجله هو السيطرة على التنظيم النقابى الحالى وتسخير الدولة ومؤسساتها لصالح الجماعة، فأصبح التنظيم النقابى الرسمى هو الذراع النقابية للإخوان المسلمين بعد أن كان الذراع النقابية لنظام مبارك، وقد استطاع الإخوان ذلك من خلال التعديلات رقم 97 التى أدخلوها على قانون النقابات العمالية فأطاحوا برجال مبارك ممن تجاوز سنهم الستين عامًا، وتحالفوا مع رجال مبارك ممن هم أقل من سن الستين، وبدلًا من مد الدورة النقابية 6 أشهر تم مدها لمدة سنة، ولِمَ لا وهم المسيطرون على التنظيم النقابى وبذلك يتضح للجميع لماذا عطل الإخوان إصدار قانون الحريات النقابية فى مجلس الشعب، والآن وعلى المكشوف ودون مواربة أصبح الإخوان يعلنون عداءهم للنقابات المستقلة وقياداتها ويستخدمون نفس الاتهامات التى كان يستخدمها نظام مبارك فى محاربة وتشويه قياداتها. لكل ذلك فإن العمال مدعوون بقوة ليس فقط للانضمام إلى حملة «تمرُّد»، بل للعب دور أكثر إيجابية فى الضغط على النظام من أجل وقف كل هذه السياسات المعادية لهم ومن أجل إعادة الثورة إلى مسارها الصحيح.