محافظ الجيزة يعاين الحالة العامة للطرق والمحاور المرورية والمسارات المؤدية للمتحف المصري الكبير    محافظ الشرقية يسلم عقود وحدات سكنية بديلة لمتضرري إزالة عمارات الصوامع بحي أول الزقازيق    الجامعة العربية تدين الجرائم المروعة المرتكبة في حق المدنيين بمدينة الفاشر    أحمد حسام عوض: الأهلي يستطيع تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة    انقلاب سيارة ملاكي بالرياح التوفيقي بطريق بلتان بالقليوبية    حزب المؤتمر: المتحف المصري الكبير أيقونة الجمهورية الجديدة ومشروع وطني يجسد قوة مصر الناعمة    النائب محمد الأجرود: المتحف المصري الكبير صرح حضاري عالمي يجسد عظمة تاريخ مصر    تامر الحبال: افتتاح المتحف المصري الكبير إعلان ميلاد عصر ثقافي جديد برؤية مصرية خالصة    وكيل تعليم القاهرة يتابع سير العملية التعليمية بمدارس مصر الجديدة    وزير الرياضة يُهنئ النوساني بعد فوزه على اللاعب الإسرائيلي في بطولة كندا للإسكواش    جوارديولا يوضح موقف رودري وهالاند قبل مواجهة سوانزي سيتي    دورات تدريبية لعمال التوصيل ضمن مبادرة «سلامتك تهمنا»    السياحة: استعدادات مكثفة داخل المتحف المصرى الكبير تمهيدا للافتتاح المرتقب    «مستقبل وطن» يواصل عقد اللقاءات الجماهيرية بالمحافظات لدعم مرشحى مجلس النواب    لافروف: روسيا بحاجة إلى ضمانات بأن لقاء بوتين وترامب سيحقق نتائج    قبل الشتاء.. 7 عادات بسيطة تقوّي مناعتك وتحميك من نزلات البرد والإنفلونزا    وجبة الإفطار مرآة جسمك.. ما لا يخبرك به فقدان الشهية الصباحية عن حالتك الهرمونية والنفسية    بعد وفاة طفل بسببها.. ما خطورة ذبابة الرمل السوداء والأمراض التي تسببها؟    جامعة بني سويف ترفع كفاءة أطباء الأسنان.. تدريب علمي حول أحدث تقنيات التخدير الموضعي وحشو العصب    رسميًا| مجلس الوزراء يعلن بدء التوقيت الشتوي اعتبارًا من الجمعة الأخيرة بالشهر الجاري    أخبار الفن.. استعدادات لتصوير "حين يكتب الحب" و"ابن العسل".. طرح "السلم والثعبان2" و"برشامه" قريبا.. وارتباك وغموض في "شمس الزناتى 2"    بعد تسريب بيانات 183 مليون حساب.. تحذير عاجل من الهيئة القومية للأمن السيبراني لمستخدمي Gmail    رسميًا مواعيد المترو بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 2026 بالخطوط الثلاثة    اللجنة الفنية باتحاد الكرة: حلمي طولان محق في تصريحاته ويجب الحفاظ على شكل المنتخب    فرج عامر: ماحدث من لاعبي سموحة أمام الجونة " كارثة ومأساه"    ماليزيا تعلن استعدادها للانضمام إلى "بريكس" فور قبولها    عون يؤكد ضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة على لبنان    «تعمير» تعلن عن شراكة استراتيجية مع «The GrEEK Campus» بمشروع «URBAN BUSINESS LANE»    رؤية نقيب الصحفيين للارتقاء بالمهنة في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    روزاليوسف.. ساحة الاختلاف واحترام التنوع    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    زلزال سينديرجي يعيد للأذهان كارثة كهرمان مرعش في تركيا.. تفاصيل    فوزي إبراهيم بعد حلقة الحاجة نبيلة مع عمرو أديب: «المؤلفون والملحنون شاربين المر ومحدش بيذكر أسماءهم»    قوافل جامعة قناة السويس تتوجه إلى قرية أم عزام لتقديم خدمات طبية    شوبير يكشف حقيقة العرض الليبي لضم أشرف داري من الأهلي    قبل العرض الرسمي.. إليسا تطلق أغنية «السلم والتعبان – لعب العيال»    «أوقاف دمياط» تنظم ندوات حول التنمر والعنف المدرسي    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    نجم اتحاد جدة السابق يضع روشتة حسم الكلاسيكو أمام النصر    الإفتاء توضح الحكم الشرعي لتقنية الميكرو بليدينج لتجميل الحواجب    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    موعد مباراة أتالانتا وميلان في الدوري الإيطالي    الداخلية تعلن البدء فى إجراء قرعة الحج بعدد من مديريات الأمن بالمحافظات    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    الرئيس السيسى يثنى على الخدمات المُقدمة من جانب صندوق تكريم الشهداء    مقتل ثلاثة أشخاص في جامايكا أثناء الاستعدادات لوصول إعصار ميليسا    عشرات شاحنات المساعدات تغادر رفح البري متجهة إلى غزة عبر كرم أبو سالم    الشبكة هدية أم مهر؟.. حكم النقض ينهى سنوات من النزاع بين الخطاب    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة الأقصر    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    بالأرقام.. حصاد الحملات الأمنية لقطاع الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    خالد الجندي: في الطلاق رأيان.. اختر ما يريحك وما ضيّق الله على أحد    بعد خسائر 130 دولارًا| ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الثلاثاء 28 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم فى قصة قصيرة
نشر في التحرير يوم 28 - 05 - 2013

بدأ غومبريتش مع بداية الحياة قاصا الحكاية من أولها مؤكدا أنه فى الواقع لا أول لهذه الحكاية فلكل بداية بداية أخرى أقدم منها
الصدق هو المعضلة التاريخية للتاريخ. كيف لنا أن نصدق ما لم نرَه، إذا كنا لا نستطيع الحكم على ما نعيشه ونشاهده بأعيننا؟ هل فكرت يوما عما سيقوله التاريخ عن ثورة يناير؟ ما وجهة النظر التى سيتبناها وكيف سيُحكم عليها، إذا كنا نحن حتى الآن لا نستطيع؟!
فما بالكم لمن يتصدى لتاريخ العالم كله؟ إى إتش غومبريتش استطاع أن يخرج من هذه المعضلة فى كتابه البديع «مختصر تاريخ العالم» الذى صدر مؤخرا ضمن سلسلة «عالم المعرفة»، ورغم أن هناك مجموعة كبيرة من الكتب التى تدور حول نفس الفكرة -تقديم مختصر لأحداث العالم- فإن هذا الكتاب الذى صدر لأول مرة عام 1936 وتُرجم إلى عدد كبير من لغات العالم وترجم أخيرا إلى العربية يقدم الفكرة بطريقه مختلفة، حيث يختتم الكاتب هذا النص التاريخى باعتذارات وتعديلات أضافت قيمة كبيرة ودرسا مهما للنص الأساسى للكتاب، ففى الفصل الأربعين والأخير يعود الكاتب ليراجع نفسه، مقرا بأنه فى أحيان لم يتأكد من معلومة تاريخية جزمت ذاكرته بحقيقتها وأثبتت له الوقائع غير ذلك، وبأنه فى أحايين حاد عن الحكم الصحيح بسبب ضبابية الموقف وضيق الصورة. غير أن اختياره أن يضيف هذه التعديلات، حاكيا للصغار المستهدفين من الكتاب أساسا عن طبيعة النفس البشرية، مقرا بتحيزاتها وضيق أفقها، فى فصل أخير من كتابه عوضا عن عودته إلى الأجزاء المعنية فى الكتاب وتعديلها فى طبعات لاحقة، لهو فى حد ذاته درس مهم عمد الكاتب إلى إيصاله للقراء من خلال تجربته الشخصية الحافلة بلحظات الضعف وقصور النظر والتحيز، نقاط ضعف لا يخجل أن يقر بها ويعتذر عنها، وربما كانت الميزة الأساسية لهذا الكتاب.
غير أنها ليست الوحيدة، فهذا التعامل الصادق مع التاريخ كقصة طويلة وممتدة أخرج الكتاب فى نص قصصى مشوق، كما تقول مترجمته د.ابتهال الخطيب، أجمل ما يميزها هو قدرة الكاتب على ربط الأحداث والأسماء وطرح التشبيهات التى قد تتباعد مئات السنوات بعضها ببعض، فتجده على سبيل المثال فى غمار وصفه لحدث أو شخصية فى منتصف القرن الخامس عشر قفز بالقارئ عائدا إلى حقبة زمنية ماضية، رابطا الشخصية أو الحدث بآخرين مشابهين قص هو عنهما فى العصور الغابرة الموغلة فى القدم.
هذه التشبيهات والمحاولات المستمرة لربط التاريخ البشرى من أوله إلى آخره بحلقات الأشخاص والأحداث إنما تجعل النص أكثر تشويقا وإمتاعا، وترفع من قدرة القارئ على تذكر الأحداث وربطها واستيعابها بصورتها الكبيرة الموسعة، غير أن أكثر ما يعكسه ويؤكده هذا الأسلوب محبة الكاتب نفسه للتاريخ الإنسانى.
لذا كانت قصته هو نفسه أفضل تقديم لهذا الكتاب، فبعد أن أنهى غومبريتش دراسته فى جامعة فيينا بقى عاطلا عن العمل، محروما من أى بارقة أمل فى الحصول على وظيفة فى تلك الأوقات الصعبة. فى حينها طلب منه ناشر ناشئ من معارفه الاطلاع على كتاب تاريخ بالإنجليزية للأطفال، مع الاحتفاظ برؤية مستقبلية لترجمته إلى الألمانية، كان الكتاب سيضم إلى مجموعة جديدة بعنوان «المعرفة للأطفال». لم يعجب غومبريتش بما قرأ لدرجة أنه أخبر الناشر بأن الكتاب لا يستحق الترجمة، بل إنه علق «أعتقد أن بإمكانى كتابة واحد أفضل» فرحب الناشر بالفكرة، ولم يكن غومبريتش نفسه متأكدا من إمكانية إنجاز المشروع، لكنه أعجب بالتحدى ووافق على المحاولة، رسم خطة الكتاب على وجه السرعة، حيث اختار الأحداث التى سيشملها الكتاب بأن سأل نفسه ببساطة: «ما أحداث الماضى التى كانت الأكثر تأثيرا فى حياة الناس والأكثر رسوخا فى ذاكرتهم؟»، بعدها استعد ليكتب فصلا كل يوم، فى الصباح يقرأ حول موضوع اليوم فى الكتب المتوافرة لديه، وفى أوقات ما بعد الظهيرة يذهب إلى المكتبة ليطلع، متى كان ذلك ممكنا، على بعض النصوص الآتية من العصر الذى يكتب حوله، ليوثق رواياته، أما المساء فكان للكتابة.
وهكذا بدأ غومبريتش مع بداية الحياة قاصا الحكاية من أولها، مؤكدا أنه فى الواقع لا أول لهذه الحكاية، فلكل بداية بداية أخرى أقدم منها، من هذا المدخل ينطلق غومبريتش ليحكى عن أشكال الحياة الغابرة المختلفة، من الديناصورات مرورًا بالأنماط البشرية المتباينة التى كانت تحيا على الأرض سابقة الجنس الإنسانى الحالى، ثم يحكى قصة الحضارة البشرية بدءا من قدماء المصريين، ومرورا بالسومريين والبابليين والآشوريين، ثم يستعرض كل الحضارات التى تزامنت مع هذه الحضارات الأولية الغابرة أو توالت بعدها.
ينتهى الفصل الأخير أيضا بدرس من الكاتب عن تطورات العصر الحديث وتأثير هذه التطورات على طبيعة المسيرة البشرية وعلى رؤيتنا الحالية لها، كما أنه يؤكد كثيرا على الحقوق الإنسانية كنتاج للحداثة، جازما بأن الرحمة والتلاحم الناتجين ليسا فقط عن نصوص هذه الحقوق، ولكن كذلك من الغريزة الإنسانية إنما تخولنا ليكون «لدينا الحق فى أن نأمل بمستقبل أفضل».
أما أجمل ما فى الكتاب ودافعى الشخصى للبدء فيه، فكانت كلمة غومبريتش التى قدم بها الكتاب: «أود من قرائى أن يسترخوا، وأن يتابعوا القصة من دون الحاجة إلى كتابة الملاحظات أو لحفظ الأسماء والتواريخ، فإننى أعدهم بأننى لن أختبرهم فى ما قرؤوه» كم كنا نحتاج إلى جمل كتلك فى كتب التاريخ التى درسناها ولم يتبق منها فى ذاكرتنا سوى طلاسم، ما كان أحوجنا لجمل كتلك تنتصر للمعرفة ولفعل القراءة ذاته، لمتعة القراءة ولثقة الكاتب فى ما يكتب ويسجل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.