مما لا شك فيه أن ما حديث، وما يزال يحدث، من تداعيات للPrank أو الخدعة الساخرة التى قام بها شادي محرر برنامج أبلة فاهيتا والممثل الشاب أحمد مالك ضد أفراد الشرطة المحاصرين لميدان التحرير في عيد ثورة 25 يناير الخامس... من المؤكد أن هذا الحدث.. على الرغم من تفاهته وعبطه.. إلا أنه يصلح تماما لتشريح الوضع السياسي والاجتماعى والأخلاقى الدقيق الذى تمر به مصر بعد خمس سنوات من عاصفة 25 يناير بما لها وما عليها... أو على الأقل هكذا أرى وبوضوح (كمان)... سياسيا: المجتمع المصرى مأزوم أزمة فى منتهى العنف والتعقيد حيث لا يحكم الثوار الذين قدموا أعينهم بل وحياتهم نفسها ثمنا للثورة، بينما يحكم نظام هو ببساطة استمرارا واضحا وصريحا لنظام العساكر (بلاش نقول عسكر علشان بيزعلوا مش عارف ليه الصراحة..!!) الذى طبق فى رقبة البلاد والعباد منذ فجرالثالث والعشرون من يوليو 1952 أي منذ ستين عاما ويزيد.... سياسيا الوضع الحالى هو أن العساكر الذين قامت عليهم الثورة مستمرون فى حكم المحروسة، بينما الشباب الذين قاموا بالثورة إما فى السجون أو خارج البلاد أو داخل الحيطة (مستخبيين من الشتاء العسكرى القارس الذى أمسك بتلابيب البلاد منذ 30 يونيه 2013) اجتماعيا: المجتمع المصرى مشقوق بين فسطاطين.... جيل الآباء والأجداد فى فسطاط، وجيل الأبناء فى فسطاط آخر... لقد انحاز الآباء والأجداد إلى العساكر، الذين تربوا فى كنفهم طوال ستين عاما خلت، وتركوا أبنائهم وأحفادهم وحدهم مع حلمهم الوهمى (أو هكذا يرونه وهمى)، بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وفضلوا الأمن والأمان، الذى تربوا عليه طوال حكم الزعيم ناصر، وكبير العائلة السادات، والأب مبارك، والرمز الجديد للاحتواء والقوة الجنرال (الدكر والعاتشفى فى ذات الوقت) أخلاقيا: المجتمع المصرى غير قادر على الانتصار لقيم أخلاقية مجردة، وتطبيقها على الجميع دون استثناء، بل أصبحت القيم الاخلاقية وبمنتهى الوضوح مطاطة حسب الموقع السياسي، وظهر هذا جليا فى الكثير من المواقف، فلو أنت مثلا مع الثورة لرأيت ما قام به شادى وأحمد مجرد لعبة أو لقطة ساخرة، بينما لو أنت مع النظام لرأيت ما قاما به انهيار أخلاقى واستخفاف بقدر الشرطة وأفرادها، التى تقدم كل يوما شهيدا فى المعركة ضد الإرهاب (بينما انت قاعد تتمسخرعليهم من تحت البطانية كما يقولون)، الغريب أن هؤلاء الذين يحاربون معركة الفضيلة هذه ضد شباب أبسط ما يقال عنه إنه غرغرير... هؤلاء أنفسهم لايستنكفون أن يستخدموا جميع مفردات الوساخة وقلة الأدب ضد الشباب، حتى أن أحدهم وهو إعلامى يظهر يوميا على الشاشات، قال لا فض فوه عن شادى وأحمد، " لولا الشرطة دى كنت جبت الكوندم من جنب سرير الست والدتك" هكذا !!!!!..... أن الخدعة الساخرة التى قام بها أولادنا شادى وأحمد قد وضعت المجتمع المصرى أمام تناقضاته وجها لوجه، بصورة أراها كاشفة... فالذى مع الثورة يرى ما قام به شادى وأحمد مقبول سياسيا، حيث انغلق الأفق السياسى أمام الشباب، ومنع النظام التظاهرات السلمية، وصادر البرلمان بمخابراته وأمنه الوطنى وأمم الاعلام، حتى لم يتبق للشباب أى متنفس إلا السخرية... حتى السخرية نفسها صادرها النظام إعلاميا ومن أول لحظة حكم فيها البلاد حين منع برنامج باسم يوسف، فلم يبقى للشباب إلا الفضاء الخلوى والشبكات الاجتماعية، الذى يمكن فيها ممارسة قدرا من الحرية.... اما اجتماعيا وأخلاقيا فإنك لن تبذل كثيرا من الجهد حتى ترى أن أغلبية من دافعوا عن شادى وأحمد هم أبناء جيلهم، وأن هؤلاء الشباب يرون جيل الآباء والأجداد ببساطة جيلا منافقا يكيل بمكياليين، ولا ينتصر للحق مجردا، ولكن ينتصر لمعسكره السياسي مهما كان موقفه الأخلاقى متهالكا... هم يرون أن النفاق قد تجلى بوضوح فى هذه المعركة، فالذى لا يقبل أن يتمسخر الشباب على الشرطة، قبل وسكت عهود وسنين على انتهاك الشرطة للشعب بكل الطرق.. بما فيها إيلاج العصى فى مؤخرة المتهميين... فهل ممكن أن نقبل من جيل هذا هو موقفه أن يحاضرنا فى ضرورة احترام الشرطة التى هى نفسها تعذب الناس وتنتهك حرماتهم؟؟؟؟؟ ثم هل يمكن أن نقبل من جيل أفرز رموزا من أمثال السيد المستشار الذى لا يقول جملة دون أن تشمل على ذكر أم من ينقده أو مؤخرته... هل يمكن أن نقبل من جيلا أفرز رموزا منهارة أخلاقيا مثل هذا الرجل وغيره من أمثال مخبر الفضائيات وملك التسجيلات وعشرات مثله تطالعنا أشباحهم المريضة كل يوم... هل يمكن أن يصدر لنا جيلا هؤلاء هم رموزه خطابا أخلاقيا فى ضرورة عدم السخرية من العساكر حماة الأوطان؟؟؟ أى نفاق وأى هرطقة....طيب سكت المستشار الجليل أولا وأقفل خرارة الشتائم التى تنهمر من فمه عافاك الله وعافانا قبل ان تلوم الشباب.... أخيرا... لعل موقف ضابط الجيش السابق الكابتن طيار/ مالك بيومى والد الممثل/ احمد مالك الذى اعتلى المنصات الفضائية أمس متبرأ من أفعال ابنه، وداعيا الناس جميعا لعدم تحميله الذنب فيما اقترفه الولد، ومستنكرا أفعاله ومحاولا أن ينأي بنفسه بشتى الطرق عن تبعات هذه الأعمال، وإشاراته المتكررة أنه غير مسؤول عن أفعال الأبن لأن الأبن (ذو العشرون عاما) شخصية عامة!!!... لعل هذا الموقف الذى لا أجد له مثيلا فى تاريخ المصريين الحديث...اللهم إلا فيما تناقله البعض عن قيام بعض الزملاء بالإبلاغ عن بعضهم البعض أثناء دولة مخابرات صلاح نصر فى الستينات... لكن لم يصل إلى أسماعنا أبد أن أبا أو أما مصرية قد قاما بما قام به الكابتن طيار الذى سلم ابنه (تسليم أهالى) إلى كل من يريد أن ينكل به ولا حول ولا قوة الا بالله.... لعل هذا الموقف العجيب والنادر يوضح لجميع المصريين أننا فعلا فى أزمة سياسية واجتماعية وأخلاقية طاحنة، لن يجدى معها إلا أن نتوقف ونفكر ونتدبر كيف يمكن أن ننقذ أنفسنا من هذا البكابورت العميق الذى وقعنا فيه؟؟؟؟؟ #مش_نفوق_بقه_يا_مصريين ؟؟؟