شهد قصر عابدين، الذى استقبل فيه الرئيس عبد الفتاح السيسى الرئيس الصينى شى جين بينج أحداثًا لها دور كبير فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، كما أنه يعد البداية الأولى لظهور القاهرة الحديثة، ففى نفس الوقت الذى كان يجرى فيه بناء القصر أمر الخديو إسماعيل بتخطيط القاهرة على النمط الأوروبى من ميادين فسيحة وشوارع واسعة وقصور ومبانى وجسور على النيل وحدائق غنية بالأشجار وأنواع النخيل والنباتات النادرة. وكان الخديو إسماعيل قد أمر ببناء قصر عابدين فور توليه الحكم فى مصر عام 1863 ويرجع اسم القصر إلى (عابدين بك) أحد القادة العسكريين فى عهد محمد على باشا، وكان يمتلك قصرًا صغيرًا فى مكان القصر الحالى، فاشتراه إسماعيل من أرملته وهدمه، وضم إليه أراضى واسعة، ثم شرع فى تشييد هذا القصر. ويحتوى قصر عابدين على قاعات وصالونات تتميز بلون جدرانها، فالصالونات الأبيض والأحمر والأخضر تستخدم فى استقبال الوفود الرسمية أثناء زيارتها مصر، إضافة إلى مكتبة القصر التى تحوى نحو ما يقرب من 55 ألف كتاب. كما يحتوى القصر على مسرح يضم مئات الكراسى المذهبة وفيه أماكن معزولة بالستائر خاصة بالسيدات، ويستخدم الآن فى عرض العروض المسرحية الخاصة للزوار والضيوف. ويوجد بداخل القصر العديد من الأجنحة مثل الجناح البلجيكى، الذى صمم لإقامة ضيوف مصر المهمين، وسُمّى كذلك لأن ملك بلجيكا هو أول من أقام فيه، ويضم هذا الجناح سريرًا يعتبر من التحف النادرة نظرًا لما يحتويه من الزخارف والرسومات اليدوية. ويضم القصر متحفًا غاية فى الثراء التاريخى، حيث كان أبناء وأحفاد الخديو إسماعيل الذين حكموا مصر من بعده مولعين بوضع لمساتهم على القصر وعمل الإضافات التى تناسب ميول وعصر كل منهم، وقد تم ترميمه ترميمًا معماريًا وفنيًا شاملًا، وقد شملت هذه الأعمال تطوير وتحديث متحف الأسلحة بإعادة تنسيقه وعرض محتوياته بأحدث أساليب العرض مع إضافة قاعة إلى المتحف خصصت لعرض الأسلحة المختلفة التى تلقاها رؤساء مصر من الجهات الوطنية المختلفة. أما المتحف الثانى بالقصر فخصص لمقتنيات أسرة (محمد على باشا) من أدوات وأوانى من الفضة والكريستال والبلور الملون وغيرها من التحف النادرة. وهكذا أصبح قصر عابدين مجمعًا للمتاحف المتنوعة، تم ربطها بخط زيارة واحد يمر من خلاله الزائر بحدائق القصر، مما يتيح للزائر المتعة الثقافية والترفيهية. 500 غرفة داخل القصر ضم القصر عند إنشائه 500 غرفة وقاعة بخلاف الممرات، وكانت أرضياتها من الرخام الملون المنقوش آنذاك بالمرمر.. أما الأبواب والنوافذ فعملت من الزجاج الملون الذى رسمت عليه لوحات ملونة لأشجار وبحار وملائكة وطيور.. واحتوت الأسقف على نقوش فنية دقيقة هندسية بارزة ومذهبة.. تحتوى على زخارف عربية وإسلامية وإيطالية.. أما السلالم فكانت تتسم بالفخامة، وتم فرشها بالسجاد الأحمر. واحتوى الدور الأول على صالونين، يؤدى أحدهما إلى صالون قناة السويس الذى أنشئ ليتم الاحتفال به بافتتاح قناة السويس، ولكن لم يتم الاحتفال فيه، وهذا الصالون يؤدى إلى الشرفة المؤدية إلى ميدان عابدين. تعتبر قاعة (محمد على) من أكبر قاعات القصر وأفخمها.. وأمامها مسرح يعد قيمة وتحفة فنية لا مثيل لها فى ذلك الوقت، ويوضع على باب المسرح حاليًا مجموعة آلات موسيقية للملكة نازلى. قاعة العرش أما قاعة العرش فهى عبارة عن ميدان فسيح، فبه قاعة عربية الطراز أرضيتها من الباركيه، ولها بها باب يفصلها عن قاعة أخرى هى قاعة الحرملك، التى لا يسمح لأحد بالدخول إليها إلا لمن يحمل علامات مميزة، ومن قاعة العرش أيضًا يبدأ ممر طويل يقود إلى جناح الملك المفروش بأفخر أنواع السجاد، ويتكون الجناح من عدة غرف إحداها مكتب، وأخرى صالون، ثم حجرة النوم والحمام وجناح الملكة والملكة الوالدة نازلى. وهناك أيضًا جناح الضيوف الأجانب، وكل هذه الأجنحة أقيمت بالدور العلوى من القصر. أما الدور الأرضى فيضم حديقة القصر، وصيدلية تحتكر الأدوية النادرة، وفى مواجهتها المطبعة الملكية السابقة وإدارتها، كما يضم مكتبًا للملك فاروق، كان يتناول فيه اشهر المأكولات الساخنة، ويضم كذلك ورشة المكوجية الحكومية والخاصة. تحف نادرة إن التحف واللوحات النادرة التى توجد بقصر عابدين تعتبر من الكنوز، فالقصر كان فيه كمية من التحف واللوحات الفنية الأصلية، لا تقدر بثمن وقد تعاقب على شرائها وجمعها كل الحكام الذين سكنوا القصر، تحف من جميع أنحاء العالم، ولو تم عرضها للبيع هذه الأيام لبيعت بالمليارات. معارك ساخنة شهد قصر عابدين العديد من الأحداث الساخنة.. والمؤثرة فى تاريخ مصر.. وكانت نقطة تحول انتهت بثورة يوليو عام 1952.. ومن أهم الأحداث مظاهرة 9 سبتمبر عام 1881 بقيادة الزعيم أحمد عرابى الذى قدم فيها مطالب الأمة والجيش، ونزل الخديو توفيق على سلالم القصر، وطلب كبير الياوران أن يترجل عرابى عن فرسه فرفض، وقال كلمته المأثورة (لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا) . والحدث الثانى المهم هو حادث 4 فبراير 1942 حين أصر السفير البريطانى على تولى مصطفى النحاس رئاسة الوزراء، لدرجة أنه وجه إنذارًا للملك فاروق، بتدخل بريطانيا فى شؤون مصر إن لم يعينه قبل السادسة مساء.. وتقدمت الدبابات البريطانية وقابل السفير البريطانى الملك فاروق.. وخيّره بين تولى النحاس الوزارة أو التنازل عن العرش، فما كان من فاروق إلا أن أمر بتعيين النحاس رئيسًا للوزراء. ومن الأحداث المهمة والساخنة كذلك فى تاريخ مصر التى شهدها القصر، هى الأزمة التى نشبت بين محمد نجيب وجمال عبدالناصر، والمعروفة بأزمة مارس عام 1954 بعد قيام الثورة، حيث شهد هذا العام تقديم محمد نجيب استقالته فى 25 فبراير، ولما تراجع عنها عاد للقصر ووقف بالشرفة والتف حوله المتظاهرون فى شعارات تعارضه آنذاك.