فى واقعة ال44 مدينة جديدة: «عنف معلوماتى إخوانى» رباعى الدفع قبل تناول أوجه «العنف المعلوماتى» الإخوانى فى هذه الواقعة هناك تساؤلات لا بد من توضيحها والإجابة عنها بسرعة من قبيل: هل ثمة علاقة بين العنف والمعلومات؟ وهل يمكن أن يكون هناك «عنف معلومات» أو استخدام عنيف للمعلومات؟ وهل يمكن للسلطة أن تمارس «عنف المعلومات» ضد مواطنيها؟ وما معايير قياس عنف المعلومات فى هذه الواقعة أو غيرها؟ ولماذا تعد هذه الواقعة «عنيفة معلوماتيا»؟ يمكن القول بإيجاز شديد إن العنف عموما هو «كل استخدام للقوة بطريقة غير شرعية وغير مبررة من قبل طرف ضد آخر ينجم عنه أذى أو ضررا بشكل دائم ومستمر أو لمرة واحدة»، وهذا أبسط تعريف للعنف من بين عشرات التعريفات الأخرى. انطلاقا من هذا التعريف للعنف، جرى تعريف عنف المعلومات على أنه هو: «كل استخدام للقوه بطريقة غير شرعية وغير مبررة أو بها إساءة استخدام من قبل طرف ما فرد كان أو مؤسسة أو حكومة أو دولة من شأنه أن يحجب أو يتلاعب أو يضر بسلامة أو جودة أو صحة أو إتاحة المعلومات أو توقيتات الوصول إليها ويقع بسببه أذى أو ضرر بشكل دائم ومستمر أو لمرة واحدة على من يحتاج هذه المعلومات أو يستهلكها أو يستخدمها فى اتخاذ قرار أو يستفيد منها فى قضاء حاجة» وتتخذ القوة هنا ثلاثة أشكال: * القوة الناجمة عن امتلاك المعلومات والقدرة على حجبها. * القوة الناجمة عن امتلاك أدوات توليد المعلومات ونشرها. * الثالث القوة الناجمة عن امتلاك أدوات التلاعب فى المعلومات وتخريبها وسرقتها وإفسادها. ويتولد عن أشكال القوة ثلاثة أنماط من عنف المعلومات بالمجتمع: * عنف المعلومات الذى يمارسه الأفراد والجماعات فى ما بين بعضهم البعض. * عنف المعلومات الذى تمارسه السلطة الحاكمة أو الدولة أو البيروقراطية وأجهزة الدولة المختلفة فى تعاملها مع مواطنيها، وهذا النمط هو المعنى بواقعة ال44 مدينة. * عنف المعلومات الذى تمارسه مجتمعات ضد أخرى أو دول ضد أخرى. معايير قياس عنف المعلومات تتضمن المعايير المتعارف عليها فى قياس عنف المعلومات فى واقعة أربعة معايير هى: 1- معيار إتاحة المعلومة: أى إنتاجها وتوفيرها بالصورة التى تفى بحق الجمهور فى الوصول إليها ومعرفتها، فمعلومة عن وظائف بمرتبات مجزية يتعين إتاحتها بكل شفافية لكل طالبى الوظائف، لأن الحجب وعدم الإتاحة يمثل بالنسبة إليهم ضررا هو فقد الفرصة فى الحصول على الوظيفة، وطبقا لهذا المعيار فإن التراخى فى إنتاج المعلومة أو إنتاجها وحجبها يشكل أول أوجه العنف المعلوماتى من قبل السلطة تجاه الشعب. 2- معيار توقيت المعلومة: أى توفيرها فى التوقيت المناسب، الذى يلائم الاحتياج الزمنى لها، فمعلومة تتعلق مثلا بطبيعة سوق الزيوت تصبح غير مفيدة لشخص يطلبها، فيحصل عليها بعد عدة شهور تكون خريطة السوق قد تغيرت، ومعلومة تطرح قبل توقيتها قد تسبب ضررا بالغا لقطاعات واسعة، ومعلومة تتأخر عن موعدها ربما تحدث ثورة عارمة، كما هو الحال فى تأخر معلومة الاستغاثة الخاصة بالعبارة التى راح ضحيتها أكثر من ألف شخص، وطبقا لهذا المعيار فإن التلاعب فى توقيت المعلومة بأى صورة يشكل ثانى أوجه عنف المعلومات من قبل السلطة تجاه الشعب. 3- معيار دقة وسلامة المعلومة: أى تكون المعلومات والبيانات، التى تقدمها هذه الجهات على درجة عالية من الدقة وتخاطب الاحتياجات الحقيقية للجمهور، فتقديم معلومات خاطئة قد يتجاوز العنف المعلوماتى غير المادى، إلى العنف المعلوماتى المادى، مثلما يحدث عند تداول معلومات غير دقيقة فى قضايا كالفتنة الطائفية والأسعار وخلافه، وطبقا لهذا المعيار فإن المعلومة المغلوطة تمثل ثلاثة أوجه عنف المعلومات من قبل السلطة تجاه الشعب. 4- معيار شمولية المعلومة: أى تغطى المعلومة جميع أوجه النشاط الذى تتعلق به قدر الإمكان، ولا تطرح ناقصة أو مبتورة، مثلما يحدث عند تقديم خدمات أو منتجات للمواطنين، ثم لا تطرح المعلومات الخاصة بها كاملة، فيترتب على ذلك إضرار للبعض لا يتعين التعرض لها، وفوائد للبعض الآخر لا يتعين الحصول عليها، مما يشيع إحساس بالفساد وعدم النزاهة، وطبقا لهذا المعيار فإن المعلومة الناقصة تشكل رابع أوجه عنف المعلومات من قبل السلطة تجاه الشعب. التطبيق على واقعة ال44 مدينة لتطبيق المعايير الأربعة على واقعة الإعلان عن إنشاء 44 مدينة جديدة، تم القيام بعمليات بحث واسعة عبر الإنترنت للبحث عن «المحتوى المعلوماتى» الذى قدمته الدولة وسلطاتها ومؤسساتها المختلفة حول هذه الواقعة، وأسفر البحث عن أن الواقعة جزء من مخطط أوسع يحمل اسم «المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية»، وقد بدأ هذا المخطط يتحول إلى معلومات تنتقل من الحكومة إلى الجمهور على النحو التالى: - فى 3 سبتمبر 2010 أعلن رئيس الوزراء أحمد نظيف عن وجود هذا المخطط ووصفه بأنه «ملف متكامل للتخطيط العمرانى والتنمية الشاملة فى مصر حتى 2050». - فى 9 يونيو 2011 عرض وزير الإسكان هذا المشروع على رئيس الوزراء عصام شرف ومجلس الوزراء. - 4 أكتوبر 2011 عرض وزير الإسكان بعض تفاصيل المشروع فى ندوة بجامعة الإسكندرية. - 16 نوفمبر 2011 عرض وزير الإسكان بعض تفاصيل المشروع فى ندوة بالجامعة الأمريكية. - 26 يناير 2012 اعترض خبراء بمعهد التخطيط القومى وجهاز استخدامات واستغلال أراضى الدولة على المشروع، ووجهوا إليه انتقادات كبيرة. - 3 يونيو 2012 رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يؤكد بناء المخطط العام على فكرة النمو العرضى. - 20 فبراير 2012 وزير إسكان الإخوان يتحدث عن المشروع، مؤكدا الانتهاء من المرحلة الأولى ويعرضه على مجلس الوزراء برئاسة هشام قنديل. - 18 مايو 2013 حدثت واقعة ال44 مدينة، حينما أدلى النائب الأول لرئيس هيئة المجتمعات العمرانية بتصريحات اقتطع فيها الجزء الخاص بالمدن الجديدة فى هذا المخطط وقدمه للجمهور كإنجاز فى حد ذاته، ولم يتطرق لباقى مكونات وأجزاء المخطط، وكانت حصيلة المعلومات المقدمة: - قائمة بأسماء ال44 مدينة. - متوسط مساحة المدن 23 ألف فدان. - سيكتمل نموها فى 2052. - التنفيذ فورا، وهناك خطة لتنفيذ وإدارة وتوصيل المرافق لهذه المدن بحلول 2017. - سيتم البدء بمدينتين هما العلمين 88 ألف فدان، والفيروز شرق بورسعيد 30 ألف فدان. - سيستخدم أسلوب العمارة الخضراء بهذه المدن، وسيتم استخدام عوائد المشروعات بين الهيئة والقطاع الخاص للتمويل، وسيتم إنشاء تجمع مالى «كونسرتيوم» من القطاع الخاص للمشاركة فى التنفيذ. فى ضوء ما أسفرت عنه عمليات البحث الخاصة بالمحتوى المعلوماتى المتعلق بواقعة ال44 مدينة، يمكن تطبيق معايير عنف المعلومات على هذه الواقعة على النحو التالى: - المعيار الأول إتاحة المعلومة: لتفعيل هذا المعيار كان لا بد أولا من معرفة ما هى على وجه التحديد المعلومات التى يتعين إنتاجها وتوفيرها لتشكل الحد الأدنى من المعرفة للجمهور حول هذه المدن، وللإجابة عن هذا التساؤل تم تحليل مضمون المعلومات التى تتيحها هيئة المجتمعات العمرانية نفسها عن المدن الجديدة القائمة، ثم تصنيف وفهرسة هذه المعلومات فى مصفوفة واحدة «كما هو موضح فى الشكل رقم «1»، ومن هذا الشكل يتبين أن الهيئة تبنى الملف المعلوماتى التعريفى لأى مدينة جديدة، وفقا ل12 مؤشر تخطيط رئيسى، ونقسم هذه المؤشرات الرئيسية إلى 46 مؤشرا فرعيا. بافتراض أن الهيئة كانت ستستخدم الحد الأدنى فى إنتاج وإتاحة البيانات الخاصة بهذه المدن، وهو معلومة واحدة فقط فى كل مؤشر، فإن كل مدينة كان يتعين توفير 46 معلومة حولها، أى بإجمالى 2024 معلومة لل44 مدينة، وهذا لم يحدث، فالهيئة لم تنشر على موقعها معلومات بهذه الصورة، ونائبها الأول لم يكشف النقاب سوى عن ثلاثة معلومات عن كل مدينة «الاسم متوسط عام المساحة المدى الزمنى للتنفيذ» أى 132 معلومة من بين 2024 كان مطلوبا تقديمها إلى الشعب، وهذا أول وجه من أوجه العنف المعلوماتى، لأن الهيئة فى هذه الحالة إما لم تنتج هذه المعلومات أصلا، وفى هذه الحالة فهى مدانة بالتراخى والإهمال فى إنتاج معلومات من مسؤوليتها إنتاجها، ومن ثم فهى تمارس العنف المعلوماتى القائم على الكذب والتضليل، أو أنها أنتجت المعلومات وتحجبها عن الشعب، وهى هنا تقترف جريمة الافتئات على حق الشعب فى المعرفة. - المعيار الثانى توقيت المعلومة: بالنظر إلى تطور السياق العام لتقديم المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية إلى الجمهور، كان الأمر معقولا خلال الفترات السابقة، أى منذ أن أعلن عنه نظيف فى عام 2010 وحتى مناقشة مجلس الوزراء له للمرة الثانية فى الوزارة الحالية، فخلال هذه الفترة كان الأمر يقدم على أنه خطة «للدولة» وليس للسلطة الحاكمة، لا تزال فى مرحلة التفكير والإنضاج، وتحتاج إلى حوار مجتمعى، تجلى فى ندوة مكتبة الإسكندرية ثم الجامعة الأمريكية، ثم معهد التخطيط القومى، ومن ثم كان التوصيف الزمنى لذلك هو مرحلة إشراك المجتمع فى صنع القرار من خلال الحوار. لكن ما أقدم عليه النائب الأول لرئيس هيئة المجتمعات العمرانية يوم 18 مايو خرج عن هذا السياق، فقد قدم حكاية ال44 مدينة ليس باعتبارها فكرا تنمويا لا يزال يحتاج الحوار والمشاركة، ولكن خطة أنجزت ويتم المباهاة بها وبالبدء فى تنفيذها فورا، أى قدم المعلومة باعتبارها فى طور النضج والقطف، فى حين أنها لا تزال فى طور الإنبات والنمو، لأن المجتمع لا يزال يتحسس خطواته الأولى نحو التفاعل معها، وهذا يمثل عنفا واختلالا حادا فى ما يتعلق بتوقيت تقديم المعلومة، لما يمثله من سطو على حق الشعب فى المشاركة فى مثل هذه الخطط. المعيار الثالث دقة وسلامة المعلومة: يتعلق هذا المعيار بالكشف عن مدى سلامة وصحة ودقة المعلومات التى قدمها نائب رئيس الهيئة وهى «بناء 44 مدينة متوسط المساحة تنفيذ البنية التحتية والتشغيل بحلول 2017، اكتمال التوطين فى 2025». لم يتقيد أصحاب الواقعة الهيئة ونائبها بالمعيار الأول الخاص بإتاحة المعلومات التى كان يتعين توفيرها حول هذه المدن، وقد ترتب على ذلك أنه لم يتوفر شىء يمكن استخدامه فى اختبار مدى صدقية وسلامة هذه المعلومات، وفى هذه الحالة لم يكن أمامنا سوى استخدام وسيلة «القياس على الوضع القائم»، أى العودة إلى المؤشرات التى تستخدمها الهيئة مع ال21 مدينة جديدة القائمة بالفعل، التى بدأ تشييدها منذ عام 1979، مثل أكتوبر والعبور والصالحية وبرج العرب والمنيا الجديدة ودمياط الجديدة وغيرها، والخروج بمتوسطات عامة تستخدم فى اختبار مدى دقة وسلامة ما طرحه أصحاب الواقعة. بعد عمليات تصنيف وفهرسة وتحليل لكل المعلومات المنشورة على موقع هيئة المجتمعات العمرانية عن ال21 مدينة القائمة، ثم التوصل إلى المتوسطات المطلوبة، واستخدام هذه المتوسطات فى وضع المؤشرات الخاصة بالمدن ال44 الجديدة، تم التوصل إلى الجدول رقم «2» الذى يتضح منه الآتى على سبيل المثال لا الحصر: - احتياجات المدن المقترحة من الأراضى تقترب من مليون ونصف المليون فدان، من بينها كتلة سكنية على مساحة قدرها 714 ألف فدان، وتضم 2 مليون و874 ألفا و411 وحدة سكنية. - متوسط التكلفة الاستثمارية محسوبا على المتوسط السائد فى المدن الحالية سيصل إلى 250 مليارا للإسكان، و25 مليارا ونصف المليار للمرافق، و78 مليارا ونصف المليار للخدمات، و12 مليارا للزراعة. - متوسط القدرات المطلوبة لمنظومة الصرف الصحى محسوبا على المتوسط السائد يصل إلى 4 مليارات و212 مليونا و308 آلاف و571 متر مكعب فى العام، وشبكات صرف صحى بطول 15 ألفا و330 كيلومترا، مع ملاحظة أن المدن القائمة لا تزال تحتاج إلى إضافة قدرات جديدة لمنظومة الصرف الصحى بها تصل إلى 2 مليار و828 مليونا و100 ألف متر مكعب سنويا. - متوسط القدرات المطلوبة لمنظومة مياه الشرب محسوبا على المتوسط السائد يصل إلى 7 مليارات و382 مليونا و496 ألف متر مكعب سنويا، وشبكات مياه بطول 23 ألفا و679 كيلومترا. - متوسط القدرات المطلوبة لمنظومة الكهرباء محسوبا على المتوسط السائد يصل إلى 13 جيجا وات، وشبكات كهرباء بطول 106 آلاف و396 كيلومترا. - متوسط القدرات المطلوبة فى مجال الطرق 17 ألفا و400 كيلومتر، وفى مجال الاتصالات 23 ألفا و306 كيلومترات. - طبقا لمتوسط عدد السكان المستهدف فى المدن الحالية فإن ال44 مدينة تستوعب 44 مليونا و293 ألف نسمة، لكن فى المقابل فإنه طبقا لمعدل التوطين الفعلى فى المدن الحالية فإن ال44 مدينة ستستوعب 10 ملايين و360 ألف نسمة خلال 24 سنة، مع ملاحظة أن المدن الحالية لا يزال بإمكانها استيعاب 17 مليونا و136 ألف نسمة، حتى تصل إلى المستهدف النهائى. فى ظل هذه الاستنتاجات المستندة إلى أرقام وضعتها هيئة المجتمعات العمرانية نفسها، فإن الأمر من الناحية الواقعية والعملية لا يمكن البدء فى تنفيذه فورا، ولا يمكن إتمام البنية التحتية والمرافق بحلول 2017، فليس لدى الدولة بكاملها وهى فى أزمتها الحادة الحالية ماليا وأدائيا وسياسيا ومجتمعيا، مما يجعلها تذهب إلى إنفاق استثمارات تفوق ال200 مليار جنيه خلال السنوات الأربع من أجل البنية التحتية فقط، وهنا نحن أمام ثالث وجه من أوجه ممارسة العنف المعلوماتى مع الشعب، عبر تقديم معلومات تفتقر إلى السلامة والدقة، وهدفها زرع إيحاء وهمى بالإنجاز أو القدرة على الإنجاز، ليس من أجل بناء حالة من الرضا، ولكن لتخفيض حالة السخط القائمة والآخذة فى التزايد بين قطاعات واسعة من الشعب يوما بعد آخر. - المعيار الرابع شمولية المعلومة: ويتعلق هذا المعيار بضرورة أن تقدم السلطة أو الدولة المعلومات الخاصة بالقضية فى سياقها العام الأشمل، الذى يأخذ فى اعتباره علاقات التأثير والتأثر بالبيئة المحيطة الحالية والمستقبلية لهذه المدن، وعليه كان من المتعين أن يأتى الحديث عن إنشاء هذه المدن فى إطاره الشامل الذى فى حده الأدنى فى تغطية ثلاث قضايا: المياه، الطاقة، النشاط المحورى لكل مدينة، وهو أمر لم يحدث، فجاءت المعلومات ناقصة وجزئية، فمثلا: - فى قضية المياه لم يرد فى هذه القضية ما يدل على أن المدن الحالية لا تزال تحتاج إلى قدرات جديدة لمنظومة مياه الشرب تصل إلى مليار ونصف المليار متر مكعب مياه سنويا، وهذا نقص فى المعلومة يقلل من مستوى شموليتها. الأخطر من ذلك أنه لم يرد فى هذه القضية ما يدل على أن لوزارة الموارد المائية دورا أو رأيا، على الرغم من أن تقديرات وزارة الموارد المائية تشير إلى أن الفجوة المائية العامة فى البلاد تقدر بنحو 15 مليار متر مكعب، قد يضاف إليها 11 مليار متر مكعب سنويا نقص خلال فترة ملء سد النهضة بإثيوبيا التى ستمتد 6 سنوات، ثم نقص دائم بمستوى أقل بعد ذلك، وأن أقصى ما يمكن توفيره من إعادة تدوير مياه الصرف الصحى 6 مليارات متر مكعب سنويا فقط. - فى قضية الكهرباء لم يرد فى هذه القضية ما يدل على أن لوزارة الكهرباء دورا أو رأيا، رغم أن بيانات الشبكة الموحدة للكهرباء فى مصر يوم 16 مايو 2013 تقول إن أقصى حمل على شبكة الكهرباء المصرية فى هذا اليوم كان 23.14 جيجا، أى أن احتياجات المدن الجديدة قد تشكل أكثر من 70% من إنتاج الكهرباء فى مصر فى مايو الحالى. - فى قضية النشاط المحورى لكل مدينة، لم يرد ما يدل على أن هناك أى توجهات محددة لكل مدينة على حدة فى ما يتعلق بالنشاط المحورى الأساسى، يرتبط ببيئتها المحلية، ولم يرد ما يدل على طبيعة العلاقة بين ال44 مدينة ودورة العمل والإنتاج بالبلاد، هذا فضلا عن أنه طبقا للمخططات الأصلية لل21 مدينة الحالية فإن هناك 3 آلاف و67 مصنعا لم تنشأ بعد، ويقدر رأس مالها ب14 مليارا و177 مليونا، وكان مخططا لها أن تنتج ما قيمته 13 مليارا و945 مليون جنيه سنويا، وتوفر 72 ألفا و859 فرصة عمل و462 مليونا و474 ألف جنيه أجورا، ناهيك بأن بضعة آلاف من المصانع التى أنشئت بالفعل أصبحت فى حكم المعطلة. الدولة تتراجع والسلطة تتقدم خلاصة ما سبق أننا أمام واحدة من مؤسسات الدولة تتقدم إلى الشعب بقضية، وهى إما لم تنتج بعد كل ما تحتاجه من معلومات، أو أنتجته وححبته، وحينما قدمته أساءت توقيت استخدامه، وقدمته كقضية منتهية، فى حين أن الناس لم تبدأ بعد المشاركة فيه، ثم اجتزأته من سياقه الأساسى، الذى يعود زمنيا للوراء سنوات، ويمتد موضوعيا ليستوعب عشرات القضايا الأخرى كالسياحة والاستثمار والزراعة وإعادة التقسيم الإدارى للدولة وغيرها، لتصوره وكأنه إنجاز فى حد ذاته، ثم طبخت وجبة معلومات على شحها الشديد كانت تفتقر إلى السلامة والدقة، ويشوبها النقص والتشويه والانفصال عن سياقها العام، بعبارة أخرى.. ما أعلنته هيئة المجتمعات العمرانية عن ال44 مدينة يشكل نموذجا للعنف المعلوماتى الصارخ رباعى الأوجه، القائم على إهمال انتاج المعلومات وحجبها والتلاعب فى توقيتها وعرضها بصورة مغلوطة وناقصة ومشوهة. واجتماع كل مواصفات العنف المعلوماتى فى هذه الواقعة بهذه الصورة يقودنا إلى القول بأن الهيئة كمؤسسة من مؤسسات الدولة تقلل من مسؤوليتها دورها أمام الشعب، وترفع من تملقها للحكومة والسلطة، وتبتعد عن حياديتها، وتنزلق لتكون فى خدمة فريق بالسلطة، وتلعب على المكشوف لعبة لصالح الإخوان، إما انتخابيا أو لإلقاء قشة يمكن تصويرها على أنها إنجاز. ومثل هذا العنف رباعى الدفع أشد فتكا بالوطن من ملء جنباتها بكوادر الإخوان، لأنه ينشر فى المجتمع ظاهرة المحتوى السماعى غير الموثق والمفتقر إلى المعلومات الدقيقة والقائم على معلومات مغلوطة وناقصة، تستهدف الإيهام بالإنجاز، فى حين أنها خلطة كذب يمكن أن تندلع بسببها خلافات أشبه بالحرائق التى تأكل العلاقة بين فئات وشرائح المجتمع المختلفة، ما إن تنطفئ حتى تندلع من جديد.