هل كل من يمدح المرسى أو يؤيده منافقا أو جسرا لعبور السلطة إلى جمهورها التعس؟ لا أرى ذلك. أراهم فى وضع أكثر سوءا من المداحين أو الطبالين أو فرق حسب الله الصحفية. إنهم يعيشون فى دور الحكماء، أصحاب النظريات الخارجة عن المزاج العام، يعيشون أيضا فى دور كشافى المؤامرات.. فى الحقيقة هم غارقون فى مؤامرة كبرى يرون من خلالها العالم، ويتصورون أنهم مكتشفون رغم أنهم ليسوا سوى غطاسين فى أنفاق أرضية. أسوأ من مديح الحاكم أو التسويق لسياساته أو حزبه أو جماعته، هو التسويق بأننا نعيش فى مؤامرة كبيرة، الإخوان أنفسهم ضحايا هذه البضاعة الفاسدة، هم تربيتها لأن تنظيمهم لم يكن من الممكن استمراره إلا بزرع بذرة المؤامرة ورعايتها إلى أن أثمرت عقولا وأرواحا بائسة أضافت إليها السلطة خللا وفقدانا للتوازن. الإخوان هم نبت المؤامرة، وهم تجارها أيضا، ليسوا وحدهم، لكنهم أفضل من عاش بها وحولها من وسواس قهرى إلى أداة لحكم الشعوب. كل مستبد ابن مؤامرة بالطبع، لا يمكن أن يعيش دونها، ولا دون كتاب يروجون لها، فالمواطن العادى لا بد أن تخرج له الأشباح من كل مكان ليبقى تحت السيطرة. والكاتب المداح تنكشف وضاعته مبكرا، لكن مندوب مبيعات «نظرية المؤامرة» لا يظهر إلا كبطل ونبيل ومكتشف فضائح.. ومقتحم أوكار. ستجد كاتبا يحول الخرافة إلى مسلمات وبديهيات، ولا يتضرر من تضارب مسلماته أو بديهياته، لا يتوقف إلا أمام رائحة مطابخ المؤامرات، ويتقمص دور المفتشين السريين ليثبت نظريته بغض النظر عن أنها أصابت الحقيقة أو اقتربت منها أم لا. كاتب من هذا النوع يلمع مع جماعة قامت على المؤامرة... وقراءة مقالات كتاب يصنفون فى قاذمة المداحين أو المنافقين، الآن بهذه النظرة سيحل معضلة كيف تكون منافقا لنظام حكم يقوم على جماعة، ومهما فعلت لن يمنحوك سوى أقساط مؤقتة، لأنهم أبناء سمع وطاعة ويقدسون روابطهم القديمة. إنها المؤامرة. وهى إداة موجودة، لكن تحويلها إلى رؤية للكون والعالم والسياسة، مرض، ومخدر يريح العقل ويساوى بين الفكرة اللامعة وفكرة خارجة من متوسط الذكاء، لكنه يثير المخاوف ويمتلك مهارة الحواة الذين يخرجون الثعابين من تحت سرير نومك. جماعات مثل هذه وكتاب مثل هؤلاء.. هم إفراز أوهام عشناها 60 سنة عمل خلالها الكاتب مندوبا لمبيعات البضاعة الوحيدة المتاحة، وكان النتاج أن الجميع بصورة أو بأخرى أصبحوا عملاء للغرب (يستوى فى ذلك الإخوان أنفسهم والناصريون حتى الشيوعيون...) أو عملاء المخابرات الأمريكية.. فهذه هى البضاعة الرابحة فى مجتمعات تمنع السياسة وتصادر الأفكار وتحارب العقل النقدى كما تحرب الأوبئة... (انت عندك فكر.. انت بتنقد وخلاص.. انت نقدك هدام...). فى هذه المجتمعات الثورة (مؤامرة) والمنافق (كاتب موضوعى) والسلطة (مسكينة) ولا صوت يعلو إلا على صوت التنظيمات التى تواجه المؤامرات (مرة الصهيونية ومرات الأمريكية وأحيانا الإيرانية أو الشيعية أو... أو...). المؤامرات لا تنتهى... لكن هذه التجارة رغم رواجها أصبحت أخطر مما نحتمل.