لا تهمني الأسباب والدوافع التي ساقها الدكتور حازم عبد العظيم لتبرير تقلباته الحادة، وحديثه العبثي عن التفرقة بين "المبادئ" و"المواقف". كل هذا هامشي. المهم هو مضمون القنبلة الخطيرة التي فجّرها عبد العظيم في مطلع العام الجديد بحديثه المفصل الموثق بالتواريخ عن الطريقة التي تم بها التجهيز لبرلمان 2016 الذي تأخر وطال انتظاره في قاعة اجتماعات مبنى المخابرات العامة. لا يمكن تصوُّر أن يدعي د.عبد العظيم كذبًا أن اجتماعا تم يوم "الثلاثاء 3 فبراير 2015" في السابعة مساء "في قاعة اجتماعات داخل جهاز المخابرات العامة المصرية في دور أرضي" من أجل التحضير ل"الإعلان عن قائمة انتخابية جديدة لخوض انتخابات مجلس النواب". فالكلام هنا باليوم وبالساعة وبالمكان وبقائمة الحضور التي ضمت "وكيلا من الجهاز مع أربعة من رجال المخابرات، ثلاثة منهم شباب بين ال30 وال40، وعلى الطرف الآخر مستشار قانوني مقرب جدا من الرئيس، والده عضو مجلس النواب من المعينين، أحد المساعدين في مكتب الرئيس، و15 من الشخصيات العامة المؤسسة لهذه القائمة". وأضاف أن القضية برمتها كان يشرف عليها "الرجل الكبير" في الرئاسة والذي أبلغه تحياته واعتذر عن حضور الاجتماع الذي تم فيه عرض منصب رئيس لجنة الشباب في مجلس النواب عليه. المستشار ابن المستشار الذي حضر الاجتماع في مقر المخابرات هو محمد أبو شقة، ووالده هو القيادي المعروف في حزب الوفد بهاء أبو شقة والذي تم تعيينه في مجلس النواب وسيترأس الجلسة الافتتاحية في 10 يناير بصفته أكبر الأعضاء سنا. أما "الرجل الكبير" في الرئاسة، والذي خشي عبد العظيم ذكر اسمه فهو طبعًا اللواء عباس كامل الذي صرح توفيق عكاشة علنًا بأنه "الكل في الكل" منذ "30 يونيو"، وطبعًا ما قبلها. وبعد بحث سريع على الشبكة العنكبوتية، عثرت على خبر نشرته جريدة "العربي الجديد" الممولة من قطر، ومقرها لندن، والتي أشارت، ومنذ سبتمبر 2015، أن نجل السيد الرئيس ، الذي يعمل في جهاز المخابرات، محمود عبد الفتاح السيسي، كان من ضمن المجموعة التي تشرف على تكوين قائمة "في حب مصر"، وهو ما لم يتجرأ أيضا عبد العظيم على ذكره في مقاله إلا تلميحًا بالإشارة إلى "3 من شباب ضباط المخابرات بين 30 و40،" وذلك في إطار مجموعة ضمت كذلك أسامة هيكل، وزير الإعلام السابق، واللواء سامح سيف اليزل منسق "في حب مصر"، و"في دعم الدولة"، أو "دعم مصر"، أو دعم الرئيس. بقية المقال المخزي لعبد العظيم وما به من اعترافات وتفاصيل مهمة متوافر وسهل الحصول عليه. ونبقى جميعًا في انتظار الرد من الرئاسة ومن جهاز المخابرات، لأنه لا يمكن أن يمر ما ورد فيه مرور الكرام، وأن يتم الغلوشة عليه بشن هجوم كاسح جامح على شخص عبد العظيم، وسواء تم اتهامه بالاضطراب العقلي أو أن كل ما ذكره هو نتيجة ضغينة شخصية وشعوره بالمرارة، لأنه لم يتم اختياره سواء وزيرًا أو حتى عضوًا في قائمة في حب مصر. هذا لا يهم. ولكن لا يمكن أن يتم التعامل مع ما ورد في المقال كما تم التعامل مع ما ورد في التسريبات التي أذاعتها القنوات الإخوانية من مكتب الرئيس السيسي عندما كان يشغل منصب وزير الدفاع بعد 3 يوليو 2013. ما ورد في تلك التسريبات كان خطيرا جدا، ولكن المؤسسات الرسمية لم تتحرك للتوضيح والاعتذار إلا بعد أن تناول أحد التسريبات العلاقة مع الدول الخليجية والأموال التي بحوزتهم "زي الرز". عملت صحفيا في عهد المخلوع مبارك على مدى عشرين عاما. كانت التسريبات شبه نادرة عن الطريقة التي تتم بها إدارة البلاد. كنا جميعًا نتحدث في الجلسات المغلقة عن تحكم جهاز أمن الدولة في عهد وزير الداخلية المدان باستخدام جنود الأمن المركزي كعمال سخرة لبناء قصوره، حبيب العادلي، في الحياة السياسية، وكيف أن ضباط أمن الدولة كانوا يعقدون الصفقات مع رؤساء الأحزاب وكذلك مع قادة جماعة الإخوان المسلمين في مواسم الانتخابات البرلمانية لتحديد عدد مقاعدهم. ولكن لم يكن هناك تقريبًا حديث عن دور لجهاز المخابرات العامة في الشأن الداخلي. كان هناك تندّر كيف أن كل الملفات المهمة في علاقات مصر الخارجية قد تم سحبها من وزارة الخارجية ونقلها للمخابرات العامة برئاسة الراحل عمر سليمان، وتحديدًا ملف السلام في الشرق الأوسط والعلاقة مع إسرائيل وحماس، وكذلك ليبيا والسودان. ولكن لم يسبق أن سمعت شخصيا عن دور للمخابرات العامة في الانتخابات البرلمانية. مؤخرًا، تحول الحديث في الجلسات المغلقة للصحفيين والمهتمين بالشأن العام إلى أخبار متناثرة عن دور ليس فقط لجهاز المخابرات العامة، ولكن عدة أجهزة مخابراتية أخرى، كلها لا همّ لها سوى التدخل في الشأن الداخلي والتحكم في مقادير الأمور لضمان الحصول على نتائج محددة تخدم الرئيس وخططه. مقال عبد العظيم هو الأول من نوعه الذي يؤكد بعض تلك التفاصيل بالتواريخ والوقائع، وهو ما يفوق في وقْعه فضيحة "ووترجيت الأمريكية" التي أمر فيها الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون جهاز ال"سي آي إيه" بالتجسس على معارضيه لضمان فوزه في الانتخابات. والأهم أن البرلمان المقبل بأحزابه التي لم يسبق لنا السماع عنها كمستقبل وطن وحماة الوطن والشعب الجمهوري مدان ومفضوح قبل أن يعقد أولى جلساته. فهذا ليس برلمانا اختاره الشعب بإرادته الحرة، ولكنه برلمان المخابرات العامة، وهو ما لا يصح وما لا يجوز في بلد يدّعي الحد الأدنى من احترام الدستور أو القانون أو قواعد الفصل بين السلطات. الرد الآن، والحل للبرلمان.