ظهرتْ هذه الوثيقة لأول مرة عام 2005، وسبَّب كشفها جنونًا للإخوان المسلمين والموالين، الذين راحوا ينفونها بكل الوسائل، ورغم خطورة ما جاء فيها على مستقبل مصر، فإن التيارات الليبرالية، ودعاة الدولة المدنية جارَوا الجماعة وزايَدوا على قياداتها، وبالَغوا فى التشكيك فى صحتها، وحاولوا تفنيدها وإظهار مأخذ عليها دون مناقشة ما جاء فيها. وتعرض الكاتب الذى نشرها لحملة شرسة تشكك فى مصداقيته، وتكيل له الاتهامات، كان الجميع يرفض مجرد قراءة تفاصيل الوثيقة، يتعامون عنها، ولا يحاولون قطّ دراستها فى ضوء أفكار الجماعة، وكتابات مؤسسها حسن البنا، وتصريحات قياداتها. اكتفى مدّعو المدنية وقتها بالسؤال: كيف حصل الكاتب على الوثيقة؟ ومَن سرَّبها له؟ الكل كان يعرف أن الصحفى لا يُسأل عن مصدره، ولكن فى سبيل إرضاء الإخوان تغاضوا عن هذه القاعدة؟ كان السؤال هدفه التشكيك فى الوثيقة وناشرها، وهكذا ترك الجميع الكاتب يحارب وحده فى معركة تحدد مصير الوطن. وقامت قيامة الجماعة، ولجأت إلى القضاء الذى أنصف الكاتب، وأكد القضاء العادل (الابتدائى والاستئناف) صحة الوثيقة ونسبها إلى صاحبها نائب مرشد الجماعة المهندس خيرت الشاطر، ولكن المدنيين تعامَوا عن حكم القضاء كأن لم يكن، وتغافلوا عن خطورة الوثيقة التى أثبتتها المحكمة بحكمين، بعضهم أحسن الظن بالإخوان، وآخرون كانوا ينشدون التقرب منهم طمعًا فى أصواتهم الانتخابية، وفريق ثالث كان يعارض النظام ويتحالف مع الجماعة على طريقة عدو عدوى صديقى، وفصيل رابع كان يخشى أن يُتَّهم بأنه يقف ضد الإخوان لصالح مبارك ورجاله، وهكذا فرضت الصمت على الوثيقة وضاعت فرصة كانت ستغير وجه مصر لو تم التعامل مع الوثيقة بجدية. مرت سبع سنوات على نشر الوثيقة، بعد أن حدث ما لم يكن فى حسبان الإخوان والفصائل السياسية المختلفة، وأطاحت ثورة يناير بنظام مبارك، وأصبح القيادى الإخوانى د.محمد مرسى رئيسا للجمهورية، وهنا بدأت حقيقة الوثيقة تتضح وأنها صحيحة تماما، وأن كل ما جاء فيها بدأ تطبيقه فعليا، وأن كل سطر فيها يتم العمل به مع تجاوُز بعض المراحل التى اختصرتها ثورة يناير بالنسبة إلى الإخوان. ولعل هذا ما طرح داخلى سؤالا: ماذا لو كان الليبراليون واليساريون تعاملوا مع الوثيقة وقت نشرها بالتمحيص والتدقيق؟ هل كان بعضهم سيذهب إلى «فيرمونت» لتأييد مرسى فى انتخابات الرئاسة؟ وهل كان آخرون سيتحالفون مع الجماعة فى الانتخابات البرلمانية؟ أليس قراءتها بتمعن والتوقف أمام ما جاء فيها من خطة كاملة لفتح مصر، إخوانيًّا هذه المرة، أقول كان كفيلا بالشعور بالقلق من خطط الإخوان للاستيلاء على السلطة؟ ألم يكن مجرد التعامل معها بالجدية اللازمة كفيلا بتغيير وجه مصر الآن؟ أتحدث عن وثيقة «فتح مصر» التى نشرها الكاتب الكبير حمدى رزق على صفحات مجلة «المصور» فى نوفمبر من العام 2005، وتحمل بسببها عنتا كبيرا، وما أقسى ظلم ذوى القربى. مهنيا ظل حمدى مرابطا على موقفه، كان مثل زرقاء اليمامة التى رفض قومها الاستماع إلى تحذيرها واتهموها بأنها أصبحت لا ترى وظلوا فى أماكنهم حتى دهمهم الأعداء وقتلهم وأسروهم، لم تكن أولى وثائق الإخوان التى تحصَّل عليها حمدى رزق، بخلاف وثيقة (فتح مصر) نشر وثائق «التمكين» فى عام 1996، التى يتحدث عنها الجميع الآن دون أن يكلّفوا خاطرهم بقراءتها، ولكنهم درجوا على استخدام المصطلح الذى ورد لأول مرة فى تلك الوثائق، جميعها لاقت نفس المصير، حملات التشكيك من الإخوان ومَن والاهم من المدنيين، وحمدى يقاتل (وحده) محذرا من خطر قادم، ولو قرؤوا الوثائق لَعَرَفوا خطة فتح مصر وخطة التمكين من مفاصل الدولة إلى تجرى الآن على قدم وساق، الكل تأكد من صحة ما نشره حمدى رزق على مدى السنوات السابقة، ولكن أحدا لم يكلف نفسه بالاعتذار إلى رجل حصل على سبق صحفى ونشره، ووقعت فى يده خطة خطف البلد فلم يتوانَ عن التحذير والتنبيه، وتحمَّل الكثير من التشكيك والتخوين فى سبيل ذلك. فى حوزة حمدى رزق وثائق أخرى عديدة نشر بعضها، وبعضها فى طريقه للنشر، ولكن عندما تضعها جنبا إلى جنب، وتقرؤها وتحللها تكتشف أننا أضعنا وقتا طويلا كان كفيلا بإنقاذ الوطن مما وصل إليه ولكن حمدى رزق قرر أن يكمل مهمته وجمع وثائق التمكين الإخوانية فى كتابه الصادر حديثا عن دار نهضة مصر بعنوان صادم: (فتح مصر.. وثائق التمكين الإخوانية) يبشِّرنا أن خطة الإخوان (رغم كل مظاهر وخطوات التمكين الحثيثة من مفاصل الدولة) إلا أنها لن تنجح، ويدلل على ذلك بأدلة مستمدَّة من وثائق الإخوان أنفسهم، ما أحوجنا إلى أن نعيد قراءة هذه الوثائق الخطيرة وكذلك الوثائق التى لم تُنشَر من قبل، حتى نعرف كيف يفكر الإخوان وما خططهم القادمة فى مصر، ولعلنا ندرسها جيدا حتى لا تضيع الفرصة كما ضاعت علينا فرص من قبل.