قوات أمن وأبواب حديدية تعزل العنبر عن المستشفى.. والسجون تتولى الإدارة كتب -محمد رشدي ومحمود عثمان:
عنبر السجناء داخل مستشفى قصر العيني.. يطلق عليه البعض "عنبر المعتقلين" ويرجع ذلك لكونه كان يستخدم في علاج المرضى السياسيين في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك. ويقع العنبر في الطابق الثامن بمستشفى قصر العيني، ويتم فيه علاج السجناء، نظرًا لعدم توافر إمكانات طبية بالسجون المختلفة، ويخضع العنبر بشكل كامل لسلطة مصلحة السجون، ويتم تأمينه بقوات كبيرة، خوفًا من هرب السجناء. "التحرير" اخترقت أبواب العنبر الحديدية، مرورًا بالطرقات المهجورة التي تعد السبيل الوحيد للوصول إليه، ورصدت طبيعة الحياة اليومية في داخله، وطرق معاملة المرضى، وتمكنت من كشف الغموض الذي ظل يحيط بالعنبر لسنوات. الساعة تقترب من العاشرة صباحًا، عندما بدأت الرحلة داخل المستشفى، حيث طلب محرر الجريدة من موظف يجلس على كرسي متهالك خلف شباك حديدي تذكرة دخول، ليستطيع التحرك داخل المستشفى، متوجها ناحية قسم الباطنة الذي تتوقف بجواره عدد من سيارات الشرطة، وعناصر من قوات الأمن، تبين أنهم متواجدون لتأمين عنبر السجناء. حاولنا الابتعاد عن قوات الأمن قدر الإمكان، وقررنا سؤال عدد من العاملين بالمستشفى، عن كيفية الوصول للعنبر، وكانت الدهشة تعلو وجوههم قبل الإجابة بسؤال "ليه".. اضطررنا إلى إخبارهم بأننا هنا لزيارة أحد المساجين المحتجزين للعلاج، وفي النهاية أخبرنا أحد العاملين بأن المكان المقصود يقع في الطابق الثامن، وعلينا استقلال الأسانسير حتى الطابق السابع ثم الصعود عبر السلم إلى الطابق الثامن، ونصحنا بعدم المحاولة، ما لم نحصل على إذن من النيابة العامة. هنا تسكن العتمة أخذنا بنصيحة العامل، وفي الطابق السابع، سلكنا الطرقة اليمنى، التي قادتنا إلى ممر في نهايته سلم مظلم.. صعدنا الدرجات بحذر، لنصطدم بباب حديدي، شديد الشبه بأبواب الزنازين، تعلوه فتحة صغيرة لا تتجاوز 15 سم، بعده بأمتار قليلة يوجد باب حديدي آخر مغلق بجنزير، يجلس خلفه عدد كبير من المجندين، وتظهر من بعيد شبابيك الغرف مغلقة بقضبان حديدية. ولأكثر من ساعة لم يمر أحد من العاملين بالمستشفى.. بعدها قررنا إنهاء مابدأنها والحصول على صور كافية، وبالفعل استطعنا التقاط عدة صور قبل أن يقترب أحد الحراس مهرولا، وبدأ في رفع صوته "مين هناك".. دفعنا ذلك لنزول السلم سريعا، مكتفين بما حصلنا عليه. توجهنا بعدها إلى الطابق السابع، حيث أخبرنا أحد العاملين بالعنبر، أنه رأى منذ أيام القيادي الإخواني سعد الكتاتني، وأنه لم يكن يعرفه في البداية، ولكنه سأل عنه بعدما رأى الاهتمام الذي يلقاه من إدارة المستشفى، وأكد أنه تم اجراء عملية له، وتم اعادته إلى العنبر مرة أخرى. وأضاف العامل، أن عددًا من أفراد أسرته قاموا بزيارته للاطمئنان على صحته، ولم تستمر الزيارة لأكثر من نصف الساعة، مستكملًا أنه شاهد الكتاتني ممددا على "التروللي" وبه جرح كبير في جانب بطنه، مرجحًا أن يكون ذلك الجرح نتيجة العملية التي قام بها. واستكمل العامل كلامه، مؤكدًا أن المساجين يلقون معاملة حسنة، وأن العنابر بها غرف كثيرة، بكل منها أكثر من سرير، وفي الغالب يتم إيداع السجناء ذوي الأهمية كل واحد بغرفة منفردة، مشيرا إلى أن "الكتاتني وأحمد دومة ومحمد صلاح سلطان" تم وضع كل منهم بغرفة بها ثلاجة وتكييف، وأكثر نظافة من الغرف الأخرى. الكتاتني في حالة حرجة وتابع أن المسجونين جميعًا يلقون معاملة حسنة من قبل أفراد الأمن لكونهم مرضى، إلا انه في بعض الحالات، يظهر رجال الشرطة العين الحمراء، وذلك في حال تمرد أحد المسجونين، وقام بأعمال شغب يتم تأديبه من قبل أفراد الأمن، عن طريق ضربه بالعصى.. واستطرد.. يقومون بذلك لحفظ الأمن داخل العنبر. وقال العامل أن هذا العنبر يتبع المستشفى إداريا فقط، لكنه يخضع بشكل تام لمصلحة السجون، ولاتتدخل الإدارة فيه نهائيا، ويعامل كما لو كان تابع للداخلية. الغرف مقسمة حسب أهمية المسجون استكملنا جولتنا بالمستشفى للحصول على أكبر قدر من المعلومات حول العنبر، وبسؤال مصدر طبي، يعمل في عنبر المعتقلين، عن الحياة اليومية لأبرز الشخصيات السياسية العامة، التي سكنت داخل العنبر مثل أحمد دومة، الناشط السياسي، والمحكوم عليه بالسجن المؤبد على خلفية اتهامه بالتظاهر من دون ترخيص، قال إنه يتميز بالبذخ الشديد مع العاملين في المستشفى، وكان إذا أرسل أحد العاملين لشراء بعض الجبن والعصائر من السوبر ماركت، بقيمة 300 جنيه يعطيه أكثر من 100 جنيه "بقشيش". وأكد المصدر أن دومة كان يوميا يرسل أحد العاملين لشراء الصحف ب10 جنيهات، ويعطيه 10 جنيهات أخرى "بقشيش". وعند سؤاله حول إذا كان من المسموح للمريض أن يشتري احتياجاته من الخارج، أجاب بأنه مسموح ب"الحُب" وبعد استئذان الأمن والتفتيش، مضيفًا أنه خلال تواجد محمد صلاح سلطان بالمستشفى، كان هناك حالة استنفار أمني بالعنبر، وتم منع الزيارة عنه تماما، بل أنه كان يتم التحقيق مع الزوار في بعض الأحيان واحتجاز بعضهم للاشتباه. المصدر ذاته ورغم عمله بالمستشفى، إلا أنه أكد أن الرعاية الطبية داخل العنبر متردية، وأن هناك بعض الحالات تدهورت حالتها عقب نقلها من السجن إلي المستشفى، وأنهى كلامه قائلا :"إذا كان المستشفى العادي كله إهمال وفوضى وفساد.. فمستني إيه من عنبر تبع وزارة الداخلية!".