قال عدد من ممثلي المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، إن البلاد تمر بأسوأ فترة في تاريخها، لاسيما في تعاملها مع ملف الحريات، وهو خلاف ما تعلنه الحكومة، فمؤخرًا أصدرت وزارة الخارجية بيانًا أكدت خلاله احترام مصر لحقوق الإنسان. وطالب عدد من السياسيين والشخصيات العامة أن يتم النظر إلى حقوق الإنسان بمعناها الأشمل، ليس السياسي فقط، وإنما الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وأن تحترم الدولة كرامة المواطنين. وفي وقت يحتفل فيه العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، تنطلق دعوات من المنظمات الحقوقية المصرية لفتح منافذ الحريات، وإيقاف الانتهاكات التي تحدث داخل السجون. بداية إنشاء المنظمات الحقوقية في مصر ويحتفل العالم في العاشر من ديسمبر بذكري اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو اليوم الذي يواكب إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وهو إعلان عن رغبة المجتمع الدولي في ضمان احترام وكفالة حقوق الإنسان على الصعيد العالمي، لا سيما بعد الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في حق البشرية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي أودت بحياة الملايين من البشر. وشهدت مصر في آواخر عشرينات القرن الماضي، ظهور أول منظمة لحقوق الإنسان بها، وقد أُنشأت للدفاع عن الحريات السياسية بعد ثورة 1919 م، ضد تضامن النظام الملكي مع الاحتلال البريطاني، في الاعتداء علي هذه الحريات، وضد التدخل في الانتخابات ضمانًا للفوز فيها. وتعتبر مصر من الدول الأعضاء بالأممالمتحدة، التي شاركت في صياغة وإعداد وإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث عينت الحكومة الدكتور محمود عزمي، مقررًا عاما في وفدها في لجنة حقوق الإنسان في الأممالمتحدة، وشارك في المشاورات لوضع أول وثيقة دولية لحقوق الإنسان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) والذي أقرته الجمعية العامة للمنظمة، المنعقدة في باريس في 10 ديسمبر 1948، كما كان رئيس اللجنة في إحدى السنوات. وشاركت مصر في صياغة العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل حيث كانت مصر صاحبة الفكرة. وبعد ثورة 23 يوليو 1952 م، والانتقال إلى النظام الجمهوري، وتولي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الحكم، تم إصدار العديد من القوانين والتشريعات لإحداث التغيير المنشود، فكانت قوانين الإصلاح الزراعي لنصرة الفلاح الأجير، واهتمت الثورة بالتعليم، وتوجت اهتمامها بمجانية التعليم في جميع مراحله، ووفرت الثورة العلاج المجاني، ومهدت هذه الموجات الإصلاحية الفرصة للجماهير لكي تعبر عن نفسها عن طريق النقابات العمالية والتعاونيات. وفي 11 نوفمبر 1976، أعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات، تكوين الأحزاب وفقًا للقانون رقم 40 لسنة 1977، ليتم تشكيل الأحزاب السياسية بعيدًا عن الأسس الطبقية أو الدينية. وشهدت هذه الفترة أول مبادرة لإنشاء منظمة إقليمية عربية لحقوق الإنسان عام 1968 م، وكان اجتماعها التأسيسي في بيروت، ولم يسفر هذا الاجتماع التأسيسي عن تكوين المنظمة، وفي ديسمبر 1983، تم إنشاء المنظمة، وبعدها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان سنة 1985. الاحتفال عبر القضاء على الانتهاكات بينما أصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بيانًا، أكدت فيه أن الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، يجب أن يتم على الصعيد المحلي عبر القضاء على كافة الانتهاكات، التي تتم في حق المواطن المصري، بعدما وضع الدستور منظومة أساسية من الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية. ورأت المنظمة، أنه للاحتفال بهذا اليوم يجب أن تعمد الحكومة المصرية على تعديل منظومة التشريعات المنظمة للحقوق والحريات العامة، بما يتوافق مع المواثيق والاتفاقيات الدولية، فضلًا عن توفير بيئة ومناخ مواتي لاحترام وكفالة حقوق الإنسان، وخاصة أن المجتمع المصري لازال يشهد العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان، ومنها التعذيب الذي يؤدي إلى الوفاة، ما يمثل انتهاكًا لأسمى وأقدس الحقوق على الإطلاق وهي الحق في الحياة، فضلًا عن انتهاكه للحق في الحرية والأمان الشخصي وحرية التنظيم، وكذا الانتهاكات التي تطال بعض الصحفيين والإعلاميين، بسبب آرائهم ومواقفهم. ومن جانبه، أكد حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة، أن اليوم العالمي لحقوق الإنسان بمثابة تذكير لكافة الحكومات بحقوق مواطنيها، وأنها يجب أن تعد العدة له، عبر احترام وكفالة حقوق الإنسان على الصعيد العالمي، بوضع خطة تشريعية لتعديل القوانين التي تتفق مع المواثيق الدولية والدستور المصري؛ لضمان الاحترام الكامل للحقوق والحريات. وأضاف أبو سعدة أن الحكومة المصرية يجب أن تحترم حقوق المواطنين، وعدم التمييز بينهم، والعمل على الارتقاء بحقوق الإنسان على المستوى المحلي؛ للقضاء على ظاهرة مثل التعذيب وحبس الصحفيين بسبب آرائهم. الاختفاء القسري وأصدرت حملة "أوقفوا" الاختفاء القسري، تقريرها خلال شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين، قالت في مقدمته، إنها رصدت خلال تلك الفترة، أن من ضمن 125 حالة اختفاء قسري، لازالت 46 منها غير معلوم عنها شيئًا. ورصدت الحملة أيضًا تعرض 11 طفلًا للاختفاء القسري خلال الشهرين، إضافة إلى و9 كهول و15 رجلًا و34 شابًا. ووفق التقرير، فأن العدد الأكبر للمختفيين قسريا كان من نصيب المحافظات المركزية (محافظاتالقاهرة الكبرى)، بنسبة 44%، يليها محافظات الدلتا بنسبة 34%، مع الأخذ في الاعتبار أن نسبه 9% لم يتم تحديدهم، وبالنسبة للفئات، أحتل الطلاب المرتبة الأولى بنسبة 42%. الخارجية تتجمل وذكر بيان "الخارجية"، عن اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أن مصر تعتز بهذه المناسبة؛ للتذكير بأن الجهود المبذولة على الصعيدين الوطني والدولي من أجل تعزيز وحماية الحقوق والحريات، وتحقيق الاستقرار لمختلف الشعوب، ومواجهة التعصب والصراعات، وإرساء قيم العدالة والسلام، ليست وليدة اللحظة، ولكنها تتأسس على عقيدة راسخة بأن البشر يتساوون في الكرامة والحقوق والحريات، وأن حقوق الإنسان غير قابلة للتصرف، يتعين احترامها في كل وقت وزمان. مصر لا تحترم حقوق الانسان وقال ناصر أمين، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن وضعية حقوق الإنسان في مصر في أسوأ حالتها على الإطلاق منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في مثل هذا اليوم. وأضاف أمين، في تصريحاته ل"التحرير"، أن الوضع "في منتهى السوء" فيما يخص الحق في الحياة السلامة الجسدية والحق في التجمع والحرية والتعبير، بل إن الأمر ذهب إلى تدني مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحق في العمل والصحة والتعليم، متمنيًا أن يحدث تحسنًا في هذا الملف العام المقبل. وعقب على بيان "الخارجية" قائلًا: "رسمي ودبلوماسي، وعلى الوزارة التوقف عن هذا الخطاب المنقول من المواثيق الدولية، واستبداله بخطاب واقعي عن تردي حالة حقوق الإنسان بشكل عام، لأنها تتعامل بطريقة ليس لها علاقة بالواقع". ومن جانبه، أوضح الناشط الحقوقي أمير سالم أن مصر تختتم عام 2015 بأحد أسوأ السجلات في انتهاكات حقوق الانسان، مكملًا: "إذ أصبحنا في قائمة منحدرة في هذا السياق، حيث توجد مصادرة لحقوق التجمع السلمي والاعتصام والمسيرات السلمية، وتضييق غير طبيعي على حريات التعبير عن الرأي سواء في الصحافة أو الاعلام، فضلًا عن تدخل السلطة في إدارة الإعلام". وأضاف، في تصريحات ل"التحرير": "أصبحنا أمام حالات تعذيب ممنهج تؤدي إلى الوفاة، إضافة إلى حالات اختفاء قسري بشكل مبالغ، كما أصدر وزير العدل قرار بشأن إعطاء حق للأجنبي بشراء المصرية ب50 ألف جنيه، ونتمنى ألا نظل نسير بنفس الشكل". إعادة الاعتبار لمفهوم حقوق الإنسان وقال المفكر السياسي، الدكتور رفعت سيد أحمد، إن هناك حاجة إلى إعادة اعتبار لمفهوم حقوق الإنسان بمعناها الأشمل، فلا تقتصر فقط على الحقوق السياسية، لكن تتصل بالحقوق الاقتصادية والمعتقدية والثقافية، مردفًأ: "الحالة في مصر دون مستوى حقوق الإنسان، رغم انطلاق ثورتين، فلازال الوضع الحقوقي أقل مما نتمناه". ومن جانبه، ذكر الخبير السياسي الدكتور أحمد دراج، أن ما يحدث في مصر أبعد ما يكون عن مقاومة الإرهاب، مكملًأ: "إذ أردنا أن نواجه الإرهابيين، فيجب أن لا نهدر كرامة المواطنين، ومن يقول إن حقوق الإنسان ليست مهمة أثناء مقاومة الإرهاب، لا يفهم شيء".