حان الوقت، الصالة مكتظة بالجمهور، الوجوه مترقبة راصدة كل جنبات الحفل، عيون متجذرة نحو ذلك الستار الثابت، وخلف هذا كلِه تحكي شريفة ماهر أنَّ متعهد الحفل الشهير وقع في ورطة عدم وجود الشخص المنطو به تلاوة ما تيسّر من القرآن الكريم. أصوات المعاناة من التأخير ترتفع، والمتعهد لازال في ورطة، غير أنّه قرّر رفع الستار وخروج مونولجيست متواضع حاول أن يكسب به الجمهور عن طريق بعض النكات، إلّا أنه فشل في كسب ودّ الحضور، ليخرج المتعهد ويهدئ الجمهور الثائر معلنًا عن مفاجأة. المتعهد الشهير قرّر تحويل تلك الفنانة المصرية التي لا تزال في بداية مشوارها الفني إلى مقرئة للقرآن، "كنا في حفلة في إحدى مدن الوجه البحري نظمها متعهد معروف، وبدأت الحفلة وامتلأت الصالة بالجمهور، ورفع الستار عن راقصة متواضعة قابلها الجمهور بالصفير، ثم خرج مونولوجست متواضع حاول أن يكسب إعجاب الجمهور، ولكنه فشل لأن جميع فكاهاته كانت قديمة، مما جعل الجهور يغضب بشدة، ورغبة منه في تهدئة الجمهور الثائر قدمني كمفاجأة". تروي ماهر، "أسرع المتعهد إلى الميكروفون معلنًا، "والآن سنقدم لكم مفاجأة الليلة مقرئة القاهرة تتلو بعض آيات الذكر الحكيم"، ودفعني إلى المسرح ووجدت نفسي أمام الجمهور واضطررت إلى الجلوس على كرسي وانصرفت إلى تلاوة بعض الآيات القصيرة من جزء "عمّ"، وحاولت أن أقلد فيها الشيخ رفعت وانصرفت إلى التلاوة بكل حواسي ومشاعري وكل الناس يصيحون الله أكبر، إعجابًا وما إن انتهيت من التلاوة حتى أقبل الكثيرون يهنئونني". انتهت الفقرة المفاجأة التي أُعلن عنها، غير أن الجمهور لا يزال غاضبًا بشدة من فقرات الحفل، ليسرع المتعهد ثانيًا بتقديم الفنانة المصرية ثانية، ولكن تلك المرة في ثوب الفنانة، "تتابعت الفقرات وهاج الجمهور وأسرع المتعهد يقدم مفاجأة ثانية لعلها تخفف من الغضب الظاهر على الوجوه، معلنًا في الميكروفون عن مفاجأة أخرى، وكانت المفاجأة هي أنا، فقد طلب مني أن أغني، ووافقت فقد كانت إحدى أمنياتي في ذلك الوقت أن أعمل مطربة وكانت فرصة لي أن أمتحن صوتي أمام الجمهور". ارتفع الستار وبدأت أغني "غلبت أصالح في روحي"، أغنية أم كلثوم المعروفة، التي غنيتها بأداءٍ فني سليم، إلّا أنّ الجمهور كان واجمًا، وأنزل الستار دون أن يصفق أحد واعتقدت أن الناس لم يعجبهم صوتي، وبينما كنت واقفة في الكواليس اسأل أفراد التخت عن سبب عدم إعجاب الجمهور بي إذا بالمتعهد يدخل مهرولًا وهو يرتعد من شدة الخوف ويقول "الجمهور ثائر في الصالة ويكاد يحطم الكراسي لأن الشيخة شريفة، تغني أغاني الحب والهيام، طالبًا من الجميع الهروب خشية أن ينقلب غضب الجماهير إلى مالا تحمد عقباه، ولكن البوليس استطاع أن يسيطر على الموقف ويعيد الهدوء إلى الناس بعد أن وعدهم أنني لن أعود للغناء وبعد أن قدمني لأرتل لهم بعض آيات القرآن الكريم. هدى ماهر الكفراوي التي ولدت في مثل هذا اليوم، الثلاثين من سبتمبر عام 1932، حصلت على الشهادة من مدارس فرنسية مرموقة، لم تفكر في الفن مطلقًا حتى اكتشفها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب أثناء ذهابه للاستشفاء ذات مرة، حيث بهره جمالها وثقافتها، وعرض عليها العمل فوقّع معها عقد احتكار لمدة ثلاث سنوات، مختارًا لها ذلك الاسم. اختار لها المخرجين في البداية أدوار الفتاة المتسلطة التي تسعى للتفريق بين البطلين، وذلك في "ارحم دموعي" مع فاتن حمامة، و"كرامة زوجتي" مع صلاح ذو الفقار. لتستغل إحدى شركات الإعلانات قربها في الوصول لقلوب الجماهير وتختارها كوجه إعلاني للترويج لحملاتهم الدعائية، لتقوم ماهر بعمل حملة دعائية كبيرة لشركة "أطلس" التي كانت أكبر وأقدم شركات السجائر في مصر والعالم العربي آنذاك. برزت شريفة في فيلم "أعز الحبايب" مع الفنانة أمينة رزق، حيث قدّمت الزوجة السادية التي تتلذذ في تعذيب والدة زوجها المغلوبة على أمرها. وفي الخمسينيات والستينيات، اشتركت الفنانة التي تملك من العمر 83 عامًا في حفلات "أضواء المدينة" و"قطار الرحمة" اللذان كانا يجوبا المحافظات لدعم المجهود الحربي، كذلك الحفلات الخاصة بالشئون المعنوية للقوات المسلحة. تزوجت الفنانة المصرية، وأنجبت ابنها الممثل طارق عبد الواحد، الذي أنتجت من أجله سهرة تليفزيونية من أجل أن تتيح له العمل في المجال الفني.