"مثلما ساعدنا في إرساء الديمقراطية في العراق وأفغانستان نحن مستعدون للمساعدة في تحقيق الديمقراطية في سوريا وأيضا اليمن". بهذه الكلمات خاطب الرئيس الإيراني حسن روحاني، المتواجدين أثناء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ولكن عن أي ديمقراطية يتحدث؟.. يبدو أن روحاني تجاهل التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون قبلها بأيام، ينتقد فيه وضع حقوق الإنسان "المزري" في إيران.. وأي ديمقراطية في العراق ليضرب بها المثل، ديمقراطية الطوائف أم صراع السلطة التي خرج منها نوري المالكي رجل طهران في العراق، ويحاول الرجوع إليها "عنوة"، العراق تحول لدولة شبه فاشلة تسيطر عصابات داعش على نصفها تقريبًا، استشرى الفساد في كل مفاصلها وأولها المؤسسة العسكرية، حسب قول حيدر العبادي رئيس الوزراء. وينطبق المثل الشعبي المصري "اللي بيته من إزاز ميحدفش الناس بالطوب" على الحالة الإيرانية بالحديث عن الديمقراطية، كما يتطابق معه، مقولة "عندما تتحدث العاهرة عن الشرف"، فروحاني الرجل الثاني من نظام الملالي في إيران بعد المرشد الأعلى "علي خامنئي"، حيث لا تتعد مهامه مهام أي رئيس وزراء في نظام رئاسي، وهو منصب تنفيذي بالدرجة الأولى، حيث يملك المرشد الأعلى كل السلطات في نظام ما بعد الشاه. وسوف نلقي نظرة على جنة الديمقراطية وموطن الحريات المزعومة في الشرق، التي يتباهى بها روحاني، ويريد تصدير نموذجها لباقي دول المنطقة. يرى مراقبون أن روحاني يحاول إيهام المجتمع الدولي بأن بلاده غير معنية بالفوضى التي تلف سوريا واليمن، في حين إن إيران هي التي تتحمل الوزر الأكبر في الاضطراب الحاصل للبلدين جراء سياستها الطائفية القائمة على إثارة الانقسامات وتأجيج القتال. وتقوم إيران بدعم الحوثيين الشيعة في اليمن بالسلاح والمال لاستكمال انقلابهم على السلطات الشرعية وتوسيع مشروعها الطائفي في المنطقة. كما أرسلت العديد من المقاتلين إلى سوريا دفاعا عن نظام الرئيس بشار الأسد. إلى جانب الدعم المادي والعسكري له. إيران ما بعد الشاه جاءت الثورة الإيرانيّة التي أطاحت بنظام الشّاه في عام 1979، بأمل كبير يتمثّل في قيام نظام ديمقراطي يضمن الحريّات العامة والخاصّة، وينهي عهودا طويلة من الاستبداد، والظلّم والطّغيان. غير أن هذا الأمل سرعان ما خبا، وانطفأ ليبسط الظّلام نفوذه من جديد على إيران، وتصبح كلّ القوى الديمقراطيّة ملاحقة، ومحرومة من المشاركة في الحياة السيّاسيّة. فإن هي حاولت ذلك، عرّضت نفسها لمخاطر جسيمة. ولكن ما هي أسباب هذه الانتكاسة؟ وما هو مفهوم الجمهوريّة الإسلاميّة التي فرضها الخميني على الشّعب الإيراني؟ ولماذا فشلت القوى الديمقراطيّة والحداثيّة في مواجهة الخميني ورجال الدّين؟، على مثل هذه الأسئلة وغيرها حاول المفكّر الإيراني مهناز شيرالي الإجابة في كتابه الصادر حديثا في فرنسا تحت عنوان:”هزيمة الفكر الدّيمقراطيّ في إيران”. في بداية كتابه يشير هذا المفكّر الذي يعيش في المنفى منذ فترة طويلة أن الثّورة الإيرانيّة أفرزت نظاما سياسيّا غريبا يسمّى “الجمهوريّة الإسلاميّة”. وهو يطرح السّؤال التّالي: ولكن هل يمكن ان ينسجم نظام جمهوري جاءت به الثّورات الحديثة من أجل تحقيق الديقراطيّة مع رؤية رجعيّة ومتخلّفة؟. ويرى شيرالي أن “الجمهوريّة الإسلاميّة "شيء سياسيّ بلا هويّة، وبلا مفهوم محددّ"، لذلك حاول ويحاول العديد من الباحثين أن يقدّموا تعريفا دقيقا وواضحا لهذه "الجمهوريّة الإسلاميّة "من دون التّوصّل إلى أيّ نتيجة مقنعة ومفيدة. بعد انقضاء أشهر قليلة على سقوط نظام الشاه، وجدت القوى الديمقراطيّة نفسها معزولة، ومرفوضة من قبل الجماهير. والسّبب في ذلك يعود الى الهجمة الشرسة التي شنّها رجال الدين للسيّطرة المطلقة على السلطة وعلى المشهد السياسيّ. كما تمكّن الخميني بسرعة مذهلة من أن يفرض ما سمّاه ب”ولاية الفقيه” الذي جعل منه حزام الأمان لما سيسمّى ب”الجمهوريّة الإسلاميّة”. ويقول شيرالي إن الخميني "أسلم السياسة وسيّس الدين" لكي يفرغ الثورة من محتواها ويحيد بها عن مسارها ويجعل منها وسيلة للقضاء على خصومه وأعدائه السياسييّن بقسوة لا مثيل لها. ويرى شيرالي أنه طالما ظل مناصرو الخميني في السلطة فإن أمل الايرانيين في التمتع بالديمقراطية التي دفعوا ويدفعون من أجلها الثمن غاليا، سيكون صعب التحقيق إن لم يكن مستحيلا مثلما أثبت الواقع ذلك منذ الاطاحة بنظام الشاه وحتى هذه الساعة. كما يرى شيرالي أن حكام ايران في الوقت الراهن يسعون من حين لآخر الى انتهاج سياسة الاعتدال تجاه الغرب، وهذا ما فعلوه خلال مفاوضات جنيف الأخيرة بخصوص المشروع النووي. غير أن هذا لا يعني شيئا آخر غير ذرّ الرماد في العيون، واستبلاه الدول الغربية وخداعها من أجل التخفيف من الضغط الشديد الذي يعاني منه الاقتصاد الإيراني، وتوجيه ضربة قاسية أخرى للحركة الديمقراطية داخل ايران، والتي تحركها راهنا قوة شبابية جديدة تتطلع الى المستقبل، ولا تعير لأفكار الخميني أيّ اهتمام، بل تراها سلسلة من العراقيل والمحرمات التي تعيقها، وتمنعها من تحقيق أحلامها المنشودة. سجل حقوق الإنسان "المزري" قدم مقرر الأممالمتحدة الخاص بحقوق الإنسان في إيران أحمد شهيد، إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية في جنيف أبريل الماضي، والذي يكشف عن انتهاكات لحقوق الإنسان في إيران كان قد وصفها بالصارخة. ومن ضمن هذه الانتهاكات أشار التقرير إلى كبح حرية التعبير وخرق حقوق القوميات غير الفارسية كالعرب والكرد والبلوش والترك وتضييع حق المرأة حسب ما جاء على الموقع الإلكتروني لمجلس حقوق الإنسان.
وأشار أحمد شهيد في تقريره إلى أن الحكومة الإيرانية لم تسمح له بزيارة إيران لإعداد هذ التقرير إلا أنه أوضح أن هناك تزايدا مضطردا في خرق الحقوق الأساسية للشعب الإيراني والتي يضمنها القانون الدولي، مشدداً على الحاجة إلى المزيد من الشفافية من جانب السلطات الإيرانية على هذا الصعيد. وجاء في التقرير أن من أهم الانتهاكات التي يرتكبها النظام القضائي الإيراني والتي تم التحقيق فيها من جانب المقرر الخاص هي ممارسة التعذيب والمعاملة القاسية أو المعاملة المهينة للمعتقلين فضلا عن الوضع المتدهور للمرأة. يذكر أنّ المعارضة العربية في الأهواز كانت اتهمت السلطات الإيرانية في الشهر الماضي بقتل ثلاثة نشطاء عرب تحت التعذيب. هذا وعكس التقرير القلق المتزايد تجاه اضطهاد الصحفيين والمدونين والطلاب الناشطين والمحامين المدافعين عن حقوق الإنسان وعن الأقليات القومية كالعرب والبلوش والكرد والتركمان في إيران. وحث أحمد شهيد الحكومة الإيرانية على السماح للمتهمين التمتع "بتمثيل حقوقي في جميع مراحل التحقيق". حالات الإعدام وكان شهيد قد استنكر في تقريره الأول الصادر في أكتوبر الماضي الذي عرضه على الجمعية العامة للأمم المتحدة، تنفيذ 249 حالة إعدام سرية في ديسمبر 2011 وفقا لآخر تقرير بهذا الخصوص هذا بالإضافة إلى إعدام 421 شخصا العام الماضي في إيران وذلك استنادا إلى تقارير رسمية نشرتها وكالات أنباء حكومية. حقوق الأقليات وتحدث في هذه الجلسة السيد مارك لاتيمئر أمين عام المنظمة الدولية للدفاع عن حقوق الأقليات، مؤكدا ضرورة الضغط على طهران من قبل المجتمع الدولي لتكف عن خرق حقوق القوميات والأقليات الدينية والمذهبية مطالبا المجتمع الدولي بالبحث عن أدوات أكثر فعالية لحماية الأقليات. هذا وشارك ممثلون عن القوميات غير الفارسية في جلسة موازية للمنظمة الدولية للدفاع عن حقوق الأقليات في إيران حيث حضر الاجتماع الدكتور كريم بني سعيد رئيس منظمة حقوق الإنسان الأهوازية ومن البلوش السيدة منيرة سليماني ومن الأتراك الأذربيجانيين السيدة فاختة زماني. ويمكننا القول إن الديمقراطية الإيرانية ليست أكثر من احتيال شعاراتي يخفي حقيقة الاستبداد الثيوقراطي الراسخ في أصول النظام الإيراني الراهن. فحتى المعارضة الإيرانية الدينية التي تأخذ على النظام التوسع في صلاحيات الولي الفقيه، وبالتالي هيمنة الفقهاء، لا تنقض التصور الاستبدادي من أساسه، بل على العكس؛ تؤكد أن الأمر في النهاية لحاكم فرد يتربع على عرش الولايتين: الروحية والدنيوية، بوصفه: الولي الفقيه/ ولي أمر المسلمين!.