معالجون بالأعشاب يقدمون علاجات وهمية بالأعشاب والقرآن والسنة على «فيسبوك» تحقيق - علياء أبو شهبة وترجمة محمد الحكيم وتصوير أحمد العطيفي: أجر أطباء الفضائيات يدفع أسر المتوحدين للإفلاس بعض الأطباء يعتبرون مصابي التوحد «فئران تجارب» ما يقرب من 2500 جنيه هو المبلغ الشهري الذي يجد ناصر الكوتش نفسه مجبرًا على إنفاقه شهريًا، من أجل علاج وتأهيل ابنه الأصغر المصاب بالتوحد، تتنوع هذه النفقات بين أجرة الطبيب وهي 750 جنيهًا شاملة أجره عن الاستشارة، إضافة إلى 900 جنيه مقابل العلاجات الدوائية إلى جانب مصروفات جلسات التخاطب وتنمية المهارات. ومؤخرًا أضيف إلى أعبائه 4 آلاف جنيه أنفقها مقابل 40 جلسة لعلاج ابنه بالأكسجين المضغوط الذي لم يلمس أي تحسن له، رغم إقناعه أنه علاج شافٍ لابنه. حال ناصر الكوتش وابنه محمد، لا يختلف كثيرًا عن حال 800 ألف مصاب بالتوحد في مصر، وفقًا للرقم المعلن من منظمة الصحة العالمية في أبريل 2014، ولأن التوحد إعاقة غير معروف سببها يجد أسر المصابين به أنفسهم غارقين في دوامة من العلاجات وما يترتب عليها من مصروفات دفعت بالبعض إلى دائرة الإفلاس. الأزمة أن بعض هذه العلاجات غير مفيدة، ويتم تسويق العلاج بالأكسجين المضغوط بالتحديد على أنه علاج شافٍ للتوحد، في حين أن منظمة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) الأشهر في عالم الدواء، تؤكد أن علاج التوحد بالأكسجين المضغوط لم يثبُت سريريًا، مشيرةً إلى أنه غير فعال. معهد ناصر، هو الجهة الحكومية التي تقدم العلاج بالأكسجين، وتبلغ تكلفة الجلسة 100 جنيه، ولا تقل الجلسات عن 40 جلسة متتالية، بإجمالي تكلفة 4 آلاف جنيه، ويمكن تكرارها 3 مرات لتصل إلى 120 جلسة. يقدم معهد طب الطيران والفضاء التابع للقوات المسلحة، العلاج أيضًا، وتبلغ تكلفة الجلسة فيه 100 جنيه، ويوجد خصم لبعض الحالات المتضررة ماديًا ويصبح سعر الجلسة 75 جنيهًا، بإجمالي 3 آلاف جنيه. خلال 4 شهور هي مدة إعداد التحقيق رصدت "التحرير" وجود مراكز علاجية خاصة تقدم العلاج بالأكسجين على أنه علاج شافٍ، وأنه العلاج الوحيد بينما هو علاج مساعد مازال محل خلاف علمي، ويقدم عبر وحدات تفتقد إلى المواصفات الفنية الموصى بها عالميًا، وبضغط جوي أقل من المواصفات المحددة، فضلًا عن عدم مراعاة الجوانب الفنية لتقديم العلاج المتمثلة في خضوع تقديم العلاج للإشراف الطبي، وتجاهل إجراء الفحوصات على الأذن والصدر للطفل والمرافق له أثناء الجلسات، علاوة على عمل بعض المراكز بدون الحصول على ترخيص من وزارة الصحة. كما يبيع الأطباء أدوية يصل سعر العلبة إلى 1800 جنيه، بعضها غير متوفر في الصيدليات أو تتوفر لكن بأسعار تصل إلى ربع القيمة المباعة بها من الأطباء. ورصدت "التحرير" وجود صفحات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يتم تقديم من خلالها علاجات بالأعشاب غير مثبتة علميًا. تم رصدت 4 مراكز خاصة تقدم العلاج بالأكسجين، وتشهد إقبالًا كبيرًا بسبب قائمة الانتظار الطويلة في معهد ناصر والتي تصل إلى 3 سنوات، تتدرج قيمة جلسة العلاج من 75 جنيهًا إلى 150 و 180 وحتى 250، وبالحصول على 40 جلسة يصبح الإجمالي يتراوح بين 3 آلاف جنيه و10 آلاف جنيه، ويصل عدد الجلسات إلى 120 جلسة بإجمالي يتراوح بين 9 آلاف جنيه و30 ألف جنيه. مواصفات تقديم العلاج دكتور حمدي إمام، رئيس وحدة العلاج بالأكسجين في معهد ناصر، قال ل"التحرير" إن الدراسات المناهضة لجدوى العلاج بالأكسجين يقابلها دراسات وبحوث مضادة تشير إلى فوائده، موضحًا أنه علاج أساسي لعدد من الحالات منها قصور الدورة الدموية وتسوس العظام ويؤدي إلى التئام الجروح والحروق لدى مرضى السكر، ويعالج أيضًا الأمراض الغازية مثل التسمم بأول أكسيد الكربون، مشيرًا إلى حالات الاختناق بالغاز أثناء الاستحمام. أما فيما يتعلق بالتوحد وضمور المخ وتأخر النطق قال إمام :"يعتبر علاج مساعد يستخدم مع العلاجات الأخرى، مما يساهم بدوره في التحسين من قدرات الطفل، مشددًا على أنه ليس علاج شافٍ لأن الإعاقة لا شفاء منها، لكنه يحسن أداء خلايا المخ النائمة المحيطة بالخلايا الميتة". كما تحدث إمام عن مواصفات أسطوانة الأوكسجين المستخدمة في العلاج، وهي الغائبة عن المراكز الخاصة المقدمة للعلاج ما يؤدي إلى عدم حدوث تقدم، وتتمثل المعايير الفنية في أن يكون العلاج تحت ضغط محدد لا تلتزم به المراكز الخاصة، ويشترط أن يكون المبنى الموجود فيه أسطوانة العلاج حوائطه مرتفعة ومحاط بأجهزة تكييف لتبريد الغرفة، إضافة إلى ضرورة وجود طبيب وفريق تمريض إلى جانب الفنيين، ويسبق الخضوع للعلاج إجراء فحص على الأذن والصدر للمريض ويواكبه بقية العلاجات الأخرى لكي يحدث تقدم. مأساة الانتظار في معهد ناصر داخل معهد ناصر التقينا مجموعة من الحالات الخاضعة للعلاج طلبوا استخدام أسماء مستعارة حفاظًا على خصوصيتهم. والدة الطفلة "جودي" التي تعاني من تأخر في النطق، توجهت للعلاج بالأكسجين بعد مشاهدتها لطبيب مشهور يتكرر ظهوره في البرامج الطبية في القنوات الفضائية، وتبلغ تكلفة الكشف والمتابعة لديه 750 جنيهًا، وهو من نصحها بجلسات الأكسجين المضغوط. من أجل الحصول على الجلسات اضطرت إلى الحصول على إجازة بدون مرتب من عملها من أجل المواظبة اليومية، ومر 20 جلسة لم يحدث تقدم ملحوظ في حالة ابنتها، "لو مش مفيد ليها مش بيضرها هو في النهاية محاولة"، هكذا أنهت حديثها. وبنفس العبارة بدأت والدة الطفل "شادي"، 5 سنوات، حديثها عن طفلها المصاب بالتوحد، موضحة أنها تكبدت الكثير من النفقات على جلسات التخاطب التي يقدمها غير المتخصصين في الجمعيات، فضلًا عن العلاجات غير المفيدة من أطباء الفضائيات أصحاب الأجور المرتفعة، كاد بعضها أن يقتل ابنها، وهو ما دفعها للاتجاه لنمط علاجي آخر. حادث ميكروباص تسبب في إصابة الطفلة ندى بموت في بعض خلايا المخ ما أثر بدوره على قدرتها على الحركة والكلام، وهو ما يدفع أسرتها للانتقال من محافطة القليوبية إلى القاهرة يوميًا لحضور الجلسات العلاجية، والتي أفادت والدتها أنها أثرت عليها بشكل إيجابي في المشي وفي نطق بعض الكلمات. التعلق بقشة العلاج غالية الثمن المحطة التالية كانت أحد أشهر المراكز العلاجية الخاصة، ويقع في حي الدقي، وبمراجعة إدارة العلاج الحر في وزارة الصحة تبين أن المركز مرخص، وبالسؤال داخل المركز تبلغ قيمة الكشف 200 جنيه، هذا بخلاف قيمة الفحوصات الأخرى والتي تشمل مقياس سمع واختبارات تصل قيمتها إلى 600 جنيه، وبالنسبة للجلسات يوجد جهازين الأول "soft" ومقابل الجلسة 150 جنيهًا والآخر "Hard" وثمن الجلسة 180 جنيهًا، والطبيبة صاحبة المركز هي من يحدد نوع الجلسات، وقد يشمل العلاج النوعين. وبالسؤال عن مدة الجلسة، أوضح الموظف، أن الطبيبة هي أيضًا المختصة بتحديد عدد الجلسات وزمنها، ثم تحدث عن إمكانية تحليل العينات الخاصة بالمريض في فرنسا وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية، للتعرف على حالته الصحية ومستوى ذكائه. وأشار الموظف إلى قراءة المنشورات المعلقة على الحائط داخل المركز والمعلق عليها نصائح للتغذية حول برتوكول "دان" وصور لأطفال عنوانها "قصص نجاح". يعتبر برتوكول "دان" حمية غذائية هدفها التخلص من المعادن الثقيلة، واستقلاب الفيتامينات، والأحماض العضوية، وهو ما حذرت منه نظمة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) في بيانها الصادر في شهر أبريل عام 2014 وجاء فيه : إن "هذه الإجراءات ليست علاجًا للتوحد، وتحمل مخاطر صحية، وهي غير فاعلة، وغير آمنة". "همت سيد"، والدة طفل مصاب بضمور المخ ويعاني من زيادة نسبة الكهرباء في المخ، لجأت إلى هذا المركز بعد أن وضعتها قائمة الانتظار في معهد ناصر لتلقي العلاج بعد سنتين، "إحنا بنتعلق بقشاية عشان كده رحت وبعد 3 جلسات وتحاليل كتير وتكامل سمعي واختبارات كتير دفعت 750 جنيهًا"، بعدها نصحها الطبيب المعالج لابنها التوجه إلى معهد طب الفضاء والطيران، لتوفير نفقاتها الشهرية التي تصل إلى 950 جنيهًا شهريًا مقابل العلاج الدوائي بخلاف جلسات التأهيل، وخاصة أنها أرملة، "حتى لو نبيع هدومنا هنجيب كل اللي ولادنا عايزينه". "التحرير" حاولت التواصل مع صاحبة المركز وجاء الرد بأنها خارج مصر، وعند طلبنا التواصل مع الطبيب الذي يباشر العمل بدلًا منها جاء الرد بأن المركز لا يستقبل حالات أثناء سفرها ولا يوجد طبيب في المركز أثناء ذلك حيث تقدم الجلسات بمعرفة الفنيين. يوميات العلاج في مدينة نصر ومن الدقي إلى مدينة نصر على بعد أمتار من ميدان الساعة المواجهه لشارع عباس العقاد يوجد مركز للعلاج بالأوكسجين، افتتح قبل شهرين، له حوائط زجاجية تكشف ما في داخله وهو أسطوانة كبيرة أشبه بالغواصة موجودة في ساحة المركز في حيز ضيق. بالسؤال عن أسعار الجلسات، كان الرد 150 جنيهًا، ويصل إجمالي قيمة 40 جلسة إلى 6 آلاف جنيه، وتستمر الجلسات حتى التاسعة مساء، ويشرف عليها فنيين، ويوجد طبيبة تتولى الكشف في البداية والمتابعة لتقديم العلاج المناسب وتحديد ما إذا كان المريض يحتاج إلى المزيد من الجلسات، ولكن بعد فترة من الراحة. والدة الطفل محمد عمرو، اضطرت إلى بيع مصاغها والاقتراض من جدي طفلها من أجل توفير مبلغ 6 آلاف جنيه للإنفاق على العلاج بالأكسجين، ولديها اقتناع بأن الجلسات أثمرت ثبات نظرة العين عند ابنها، فضلًا عن تحسن النطق، وقالت ل"التحرير" :" بعد الجلسة رقم 17 لم ألمس أي تحسن وطلبت مقابلة الطبيبة التي وصفت له دواء لتنشيط الأعصاب يباع في السعودية مقابل 59 ريالًا وسعره في مصر 300 جنيه". "التحرير" حاولت تواصل مع الطبيب المسؤول عن المركز العلاجي إلا أنه لم يرد على الاتصالات. جمعية بلا طبيب أو تكييف في شبرا الخيمة في أحد الشوارع المتفرعة القريبة من معرض شهير لمصانع كريستال في شبرا الخيمة، يوجد جمعية مرخص لها من وزارة الشؤون الاجتماعية تقدم جلسات التأهيل والتخاطب لمختلف الإعاقات وهي ملحقة بمسجد معروف في المنطقة، إلى جانب ذلك تقدم العلاج بالأكسجين. "التحرير" رصدت غرفة تقديم العلاج، وبها مرتبة ملحقة بجهاز تحكم أشبه بالصندوق، بداخل هذه المرتبة ينام الطفل مع مرافقه للحصول على جلسة العلاج، ويوجد قناع خاص بكل طفل يعلق بدون كيس يغطيه خلف باب الغرفة في مكان تعليق الملابس، بالسؤال عن نظام العلاج وأسعاره، وردت المسؤولة بأنه علاج طويل الأمد يمكن تكراره أكثر من 40 جلسة وسعر الجلسة 50 جنيهًا بإجمالي 2000 جنيه. وأوضحت مسؤولة الجمعية أنهم بصدد تركيب جهاز تكييف لتبريد الغرفة، وأن الفني يباشر عمل الجهاز أثناء الجلسة التي تستمر لمدة ساعة، ونصحت بإعطاء الدواء للطفل في حالة إصابته بفرط الحركة ليكون نائمًا أثناء الجلسة. بالسؤال عن وجود طبيب متخصص يباشر الحالة، ردت المسؤولة أن الجمعية لا يوجد بها طبيب لكن يتم استدعاؤه عند الضرورة وبالاستفسار عن الأوراق الطبية المطلوبة والفحوصات اللازم إجراؤها قبل استخدام العلاج جاء الرد بأنها غير لازمة وهو أمر متروك لرغبة أسرة المريض. وبالتواصل التليفوني مع الجمعية والسؤال عن وجود ترخيص من وزارة الصحة بتقديم الخدمة العلاجية، ردت المسؤولة بأنها سكرتيرة في الجمعية ولا تعرف شيئًا عن الأمر، ثم عاودنا الاتصال مرة أخرى لتقول: إن الخدمة العلاجية مقتصرة على الأطفال الخاضعين لجلسات التأهيل والتخاطب في الجمعية فقط ونصحت بالتوجه إلى المركز العلاجي السابق التحدث عنه والذي يقع في مدينة نصر. بتكرار التواصل مع مدير الجمعية لم يرد على الاتصالات المتكررة، وبالتواصل مع دكتور صابر غينم مساعد وزير الصحة للعلاج الحر، قال ل"التحرير" إن تقديم الخدمة العلاجية يتطلب الحصول على تصريح من وزارة الصحة وهو ما يتم ترخيصه من خلال مديريات الصحة، مضيفًا أن تقديم العلاج من خلال الجمعيات مخالف للقانون لأن مكان تقديم العلاج يجب أن يكون مؤهلًا وفق مواصفات فنية محددة. الأيام السوداء في مراكز العلاج بأسيوط وفي محافظة أسيوط يوجد مركز طبي يحمل اسم طبيب مشهور أستاذ جراحات المخ والأعصاب، بالقرب من محطة القطار يقع المركز الذي يعمل من الساعة الثانية ظهرًا وحتى التاسعة مساءً، ويعتبر هو قبلة الباحثين عن العلاج بالأكسجين المضغوط في محافظات الصعيد. بالتواصل التليفوني مع المركز أفاد الموظف المسؤول أن سعر الجلسة 100 جنيه للبالغين و75 جنيهًا للأطفال، وبالسؤال عن عدد الجلسات أوضح أن الطبيب هو من يحددها ولا تقل عن 30 جلسة، ولا تتطلب إجراء فحص للأم على الأذن والصدر لأن الدخول في الأسطوانة غير مضر للمرافق، ولا يتطلب إشراف الطبيب. وبالسؤال عن وجود تصريح من وزارة الصحة رد قائلًا :"لما تبقي تيجي وتشوفي المركز شكله إيه بعدها تعرفي إن لا يمكن تسألي سؤال زي ده". " كانوا أسود 30 يوم في حياتنا"، هكذا وصفت أم عبد الله من محافظة سوهاج، الجلسات العلاجية لابنها، لأنها تكبدت العناء اليومي للسفر، وبعد بيع جزء من مصاغها وتوفير المال اللازم كان برنامجها اليومي توصيل ابنتيها لدى اثنين من أقاربها حتى لا تكون كليهما عبئًا على أسرة واحدة، ثم التوجه برفقة زوجها وابنها المصاب بالتوحد وفرط الحركة إلى محطة القطار. بعد رحلة متعبة تصل أم عبد الله إلى أسيوط لتبقى برفقة طفلها أمام المركز، أو بالأحرى على السلم، انتظارًا لموعد العمل ليتركها زوجها بحثًا عن لقمة العيش، ويعود في نهاية اليوم لاصطحابهم، ليجتمع أفراد الأسرة في منزلهم ودقات الساعة تقترب من العاشرة مساءً، ليتكرر نفس الروتين لمدة شهر، والمحصلة كما ذكرت أم عبد الله :"التحسن لا يبلغ 1%، عليه العوض في مصاريف الجلسات ده غير التعب". تفاوتت أسعار الجلسات العلاجية التي كانت تبلغ 100 جنيه ثم أصبحت 50 جنيهًا لتصبح 75 جنيهًا فيما بعد، بدون تقدم يذكر في حالة الطفل عبدالله. وهو ما رد عليه الطبيب بأن حالة الطفل تحتاج الحصول على 120 جلسة، وعندما سألت أم عبدالله أسر المرضى الذين استكمل أبنائهم الجلسات وجدت أن النتيجة لم تختلف كثيرًا، فلا يوجد تقدم يذكر في حالة الأطفال. "التحرير" حاولت التواصل مع أستاذ جراحات المخ والأعصاب المسؤول عن المركز العلاجي إلا أنه رفض التواصل والرد. علاج بلا جدوى ومصاريف بلا حدود حول جدوى العلاج بالأكسجين ومدى فعاليته قالت دكتورة سلمى حسن، ماجستير أمراض التخاطب من جامعة عين شمس، ل"التحرير" إن علاج مشاكل التخاطب عبر العلاج بجلسات الأكسجين المضغوط من الناحية العلمية لم يثبت سريريًا، لأنه في حالة حدوث تحسن في حالة الطفل يمكن أن تكون الأساليب العلاجية الأخرى هي السبب فيه. "يظل الأمل هو أغلى ما يمتلكه أسر المصابين بالتوحد ولأنه لم يكتشف سببه حتى الآن، تتطلع الأسر ناحية أي علاج جديد حتى لو كان غير مثبت"، هكذا تحدثت عن العلاج بالأكسجين مها هلالي رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لتنمية قدرات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وقالت إنها من خلال عملها تابعت حالات لأطفال مصابين بالتوحد والشلل الدماغي قبل وأثناء وبعد الخضوع للعلاج بالأكسجين لم تلمس أي تحسن يذكر بالنسبة لمصابي التوحد بينما لمست تحسنًا لدى المصابين بالشلل الدماغي. في السياق ذاته تحدث دكتور أيمن طنطاوي، المدير التنفيذي لجمعية "كيان"، عن متابعته لعشرات الحالات في القاهرة و5 محافظات في صعيد مصر تعمل فيهم جمعية "كيان"، وبملاحظة الخاضعين للعلاج بالأكسجين حدث لديهم تقدم بسيط يكاد يكون غير ملحوظ، ويمكن الوصول إليه من خلال الطرق العلاجية التقليدية، لافتًا إلى أن الأزمة تتمثل في عدم وجود معيار للعلاج يمكن الرجوع له لتقييم تأثير العلاج. العلاج بالأكسجين.. غير فعال ووفقًا لموقع "hopkinsmedicine" ظهر هذا العلاج في الولاياتالمتحدةالأمريكية في أوائل القرن التاسع عشر، ولم يعد للأطفال التوحديين فقط بل استخدم في علاج الغواصين في أعماق البحار الذين أصيبوا بمرض ناتج عن ضغط الماء العالي والمعروف باسم "الانحناءات"، ودخل أسلوب العلاج هذا في علاج العديد من الأمراض منها التسمم بأول أكسيد الكربون، لكن اكتشف بعد ذلك وجود بعض المضاعفات. ويعالج الأطفال التوحديين بعلاج الأوكسجين المضغوط حيث يوضع الطفل في غرفة يبلغ فيها مستوى الضغط الجوي بنسبة أكبر من الطبيعي بمقدار 1.5- 3 مرات من الضغط الجوي العادي. فحينما يستلقى المريض على طاولة في غرفة مغلقة، يتنفس الأكسجين مع تزايد الضغط الجوي تدريجيًا، ويستمر ذلك لفترة ثلاث دقائق أو قد في بعض الحالات يستمر لمدة ساعتين، قبل أن يعود مستوى الضغط الجوي إلى مستوياته العادية تدريجيًا. ونظرًا لأن الضغط يكون مرتفع جدًا بعض الناس تعاني من عدم الراحة أثناء تواجدها في الغرفة، وقد يعانون من آلام في الأذن، أو الشعور بوجود ضجة كبيرة في آذانهم. في شهر أبريل عام 2014، نشرت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية بيانًا بعنوان "الحذر من الادعاءات الكاذبة والمضللة لعلاج التوحد"، وأدرجت ضمن هذه الادعاءات "الأكسجين المضغوط"، وعملية إزالة السموم والمعادن الثقيلة، وعملية استقلاب الأحماض العضوية، والفيتامينات، والأحماض الدهنية، إضافة إلى الحمية الغذائية". وجاء في البيان أيضًا: “إن هذه الإجراءات ليست علاجًا للتوحد، وتحمل مخاطر صحية، وهي غير فاعلة، وغير آمنة. مؤيدو العلاج بالأكسجين في المقابل، قالت دكتور أماني رباح، أستاذ المخ والأعصاب في القصر العيني، إن المصابين بالتوحد الذين تلقوا جلسات العلاج بالأكسجين أظهروا تحسنًا ملحوظًا بعد 40 جلسة، لذلك تنصح به كعلاج مكمل للعلاج الدوائي. وشملت أوجه التحسن لمن خضعوا للعلاج التحسن في القدرة الاستيعابية للطفل وفهم اللغة، والقدرة على الكلام، وعلاج التهاب الدماغ الناتج عن وجود المعادن الثقيلة وزيادة التروية الدماغية، فضلًا عن كونه علاج لحالات الشلل الدماغي. وتعتبر وحدة العلاج بالأكسجين في معهد ناصر، هي الوحدة الثالثة على مستوى العالم في تقديم هذا النوع من العلاج، وتعمل منذ 17 عامًا. وقال دكتور حمدي إمام في لقاءه مع "التحرير"، إن الأكسجين يستخدم بوصفه علاج مساعد لحالات التوحد، يتكامل العلاج الدوائي مع التخاطب، وتنمية المهارات، وتعديل السلوك، وأن الحالات تتفاوت في فترات العلاج ونسبة الضغط، وهي التقنية المستخدمة في علاج أمراض الغطس الناتجة عن الصعود السريع من الماء. وأوضح إمام أن الأزمة الأساسية تتمثل في طول قوائم الانتظار لدى معهد ناصر وتصل إلى ثلاث سنوات ما يدفع الأسر إلى اللجوء للمراكز الخاصة والتي تتعامل مع العلاج بشكل تجاري غير مطابق للمواصفات، وبأسعار مبالغ فيها، وأيضا عدم الالتزام بالتخصص حيث لابد أن يكون الطبيب الذي يعمل أخصائيًا أو استشاري طب الأعماق بمعهد طب البحر والأعماق بالإسكندرية أو القوات الجوية وهما الجهتان المانحتان لهذه الشهادات. وطالب إمام وزارة الصحة بملاحقة المراكز المخالفة، مشيرًا إلى أن البعض يشتري أجهزة صغيرة وغرف بلاستيكية تعمل بالنفخ ولا تتبع أصول العلاج ولا يتجاوز سعرها 20 ألف دولار، ويتراوح سعر الغرفة المطابقة للمواصفات بين 7 إلى 10 ملايين جنيه علاجات بديلة «مجهولة» إلا أن معاناة المصابين بالتوحد وأسرهم لا تقتصر على متاهة العلاج بالأكسجين بل تشمل العلاج بالأعشاب وبالقرآن وعبر برامج علاجية أخرى يتم الترويج لها على أنها شافية من قبل شخصيات مجهولة. "التحرير" حاورت رأفت إبراهيم، وهو معالج بالأعشاب من محافظة الإسكندرية، يدير عدة صفحات على موقع فيسبوك منها: "أبحاث الشلل الدماغي" و" أبحاث الدواء" و"العلاج بالمنتجات الطبيعية"، "التوحد والعلاج الجيني" و"النور المحمدي للأعشاب والطب البديل"، وقال ل"التحرير" إنه مخصص في استصلاح الأراضي والنباتات، ويقدم استشارات طبية لشركات الأدوية، ولديه نظرية علمية لتشخيص التوحد من خلال اضطراب الهرمونات والجينات، وتقديم العلاج يعتبر من صميم عمله. وقال: "أنا ضد الأدوية لأنها أدوية مخدرات ولا تعالج بينما الوصفات التي أقدمها عالجت بالفعل أطفال ولديَّ حالات شفاء تام من التوحد وأتعامل مع مرضى من كافة الدول العربية والأوروبية، وتقوم نظرياتي على أساس استخدام الأبحاث المنشورة في جامعة "إكسفورج". و تقول الدراسة إن "b3 و b6 والماغنسيوم" وعشبة الألب، وسان جو تعالج فرط الحركة، والمشاكل النفسية، كما أن استخدام أوميجا 3 يعالج التشتت ونقص الانتباه والصرع والكأبة والانفصام والكأبة الهوسية، وهو ما يمكن علاجه من خلال الأعشاب. وتحدث إبراهيم، أيضًا عن نظرية العلاج بواسطة الخمس حبوب منهم بذرة الكتان، وغيرها من العلاجات التي يقدمها عبر مجموعات على "واتسآب" يتم التواصل معه عبر رقم محمول سعودي، مشيرًا إلى أن لديه 6 مجموعات للتواصل مع الأسر، وختم حديثه :"مستعد لمناظرة مع أي دكتور مقارنة بين أدويتهم وأعشابي أنا معنديش أي أضرار معايا دكاترة متخصصة في الجروبات وأجانب لأن البحث العلمي لازم يتعرض على مجموعة أنا مش لوحدي في الأبحاث دي". وبالتواصل عبر مجموعة "واتسآب" مع رأفت إبراهيم قال إن تركيبة عسل النحل العلاجية تتكلف 700 جنيه، وبالتواصل مرة أخرى عبر موقع "فيسبوك" قال: إنها تتكلف 3 آلاف جنيه، ويمكن توصيلها إلى أي مكان. علاجات «مزيفة» ومنتشرة في المقابل تقول دكتورة أماني رباح، أستاذ المخ والأعصاب في القصر العيني، إن العلاج بالأعشاب بكل صوره لم يثبت له أي فائدة علمية، مشددةً على أنه ليس بديلًا للدواء. "تم علاج التوحد" صفحة على موقع فيسبوك أسسها شخص يدعى "أبوعمر المصري" ويدعي قدرته على العلاج الشافي للتوحد، وذلك عبر برامج علاجية وتدريبية تقدمها الأم لطفلها داخل المنزل، ويتم المتابعة معه عبر مجموعة على نفس الموقع أعضائها ممن دفعوا مقابل مادي لبرامج التأهيل التي يتم إرسالها عبر البريد الإلكتروني. "علاج التوحد وصعوبة التعلم دجال ونصاب" صفحة على موقع فيسبوك تحذر من التعامل مع النصابين، وبالتواصل مع صاحب الصفحة تبين أنها سيدة سعودية تعرضت للنصب من شخص إدعى أنه "أبوعمر المصري" وحصل من هذه السيدة على تحويل مالي قدره 7 آلاف ريال ولم يرد بعدها على اتصالاتها، وأكدت على فعالية البرامج العلاجية التي يقدمها أبوعمر الحقيقي والتي رفضت الكشف عنها. دكتور محمد صبري وهبة، أستاذ التربية الخاصة، وخبير في مجال التوحد والتربية الفكرية، قال إن الأزمة الأساسية في التوحد أنه غير معروف أسبابه حتى الآن، ولا يوجد له علاج مكتشف، ويكون نمو الطفل طبيعيًا في البداية وفجأة يحدث الاضطراب، ويكون مصحوبًا بفرط الحركة، أو الصرع أو الإعاقة الذهنية، لذلك تبحث الأسر عن طرق علاجية حتى لو كانت غير علمية، ما أدى إلى ظهور الكثير من التدخلات العلاجية غير المفيدة. وأضاف وهبة أن العلاج يتطلب عدة جوانب هي العلاج الدوائي ومراجعة أطباء المخ والأعصاب والتخاطب وعلم النفس فضلًا عن عدم وجود مدارس متخصصة لتعليم وتأهيل مصابي التوحد، ما يشكل عبئًا كبيرًا على الأسر. «حق ابني التوحدي يا حكومة» " حق ابني التوحدي" حملة أطلقها مجموعة من أسر المصابين بالتوحد، منهم فريدة الشيخ، منسقة الحملة، وهي والدة شاب مصاب بالتوحد أنفقت في سبيل علاجه وتأهيله ما يقرب من ربع مليون جنيه، باعت مقتنياتها وشقتها، وكاد العلاج غير المناسب أن يتلف كبد ابنها، :"خلال 16 سنة أنفقت أموالي مقابل علاج ابني في دكاكين (سبوبة) اسمها مراكز التخاطب وعلاج التوحد بدون رقابة الدولة أو اهتمام المسؤولين فين رقابة الدولة، ليه ابني مالوش حق يدخل مدرسة". وجاءت الحملة بمثابة صرخة تعبر عن معاناة أسر المصابين بالتوحد والاستغلال المادي الذي يعانوه فضلًا عن عدم وجود كود علاجي محدد ما يجعل أبنائهم بمثابة فئران تجارب أمام أطباء المخ والأعصاب الذين يجربون العلاجات المكلفة، إضافة إلى فوضى مراكز وجمعيات التأهيل غير المتخصصة. وطالبت فريدة الشيخ، الدولة برعاية المصابين بالتوحد صحيًا وتعليميًا، وتسهيل قبولهم في المدارس، وطالبت بتغيير نظرة المجتمع تجاه ذوي الإعاقة والمتسمة بالنفور، ما يعيق اندماجهم في المجتمع. المحاسبة على العلاج غير الفعال غير ممكنة ردًا على سؤال حول أحقية الأسر التي لم يثبت العلاج بالأكسجين أي تقدم في حالة أبنائها التقدم بشكوى إلى نقابة الأطباء، قال دكتور رشوان شعبان، رئيس لجنة آداب المهنة بالنقابة العامة للأطباء، ل"التحرير" إن عدم فعالية العلاج الذي يقدمه الطبيب لا يعتبر سببًا وفقًا للقانون لمحاسبة الطبيب، مضيفًا أن مسؤولية محاسبة المراكز العلاجية المخالفة تخص وزارة الصحة وأن نقابة الأطباء تتدخل لمحاسبة الأطباء في حالات الإهمال الطبي والتقصير ومخالفة آداب المهنة، وفي هذه الحالة تقدم الشكوى من المريض أو من أهله مرفقة بالأوراق الطبية التي تثبت المخالفة. ملاحقة المراكز المخالفة وأوضح دكتور صابر غنيم مساعد وزير الصحة، ورئيس قطاع العلاج الحر في وزارة الصحة، أن العلاج بالأكسجين مرخص من الدولة بموافقة وزارة الصحة ونقابة الطباء بوصفه علاجًا مساعدًا، وفي حالة ثبوت ضرره سوف يتم وقفه على الفور، أما في حالة ثبوت عدم فعاليته سوف يعرض الأمر على لجنة لبحثه واضعة في الاعتبار بيان منظمة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، ودراسة تقييم أثر العلاج على الحالات المعالجة. وأكد غنيم، ملاحقة المراكز الطبية المخالفة، والتي تقدم إعلانات تحمل عبارات غير حقيقة مثل "علاج شاف"، وأوضح صعوبة ملاحقة من يقدمون علاجات عشبية من خارج منشآت محددة ومعروفة. * * * * * * * * * * * *