تقول لك الثورية بثقة: «إنك بالدعوة إلى الاصطفاف مع تيار الدولة التقليدية، تيار الفريق شفيق، تتخلّى عن المبدأ. لقد كان مبدأنا من البداية رفض الاثنين». فى ال18 يومًا يا صديقتى، كان ميدان التحرير يجمعك أنتِ والإخوان معًا. ليس صحيحًا أنكِ من البداية رفضتِ الاثنين. يومها رفضتِ استمرار حكم مبارك، وأنا أتفق معكِ فى هذا تمامًا، وأعتقد أن مبارك كان لا بد أن يرحل، لأسباب كثيرة ليس هذا أوانها. ولكن لذلك أنسب نفسى إلى «أنصار الثورة». لكنك كنتِ مع الإخوان. لماذا؟ لأنك تعلمين أنكِ فى حاجة إلى حشد كبير، وجماهير، وأنتِ لا تملكين الميكنة التى تحشد. لقد أتى الإخوان ب80٪ من التوقيعات التى جمعتها الجمعية الوطنية للتغيير. الخلاصة. لم تكونى لوحدك. لا تخدعى نفسك. ولا تكذبى كذبة وتصدقيها. - طيب.. عرفنا يا عم الحاج. إنت عايز منى إيه دلوقتى؟ طلباتى كالآتى: أولًا: لا داعى لمدح النفس وتمجيدها والادعاء بأنك كنتِ بعيدة عن الطرفين طوال الوقت. الاعتراف بهذا مهم جدًّا. لهذا أعيده وأزيد. ولقد قدمنا لهم ستارة دخان، نقلت الثورة من كونها ثورة لتيار متطرّف، طائفى، رجعى، متخلّف، يمقت العالم ويمقته العالم، يرفض العالم ويرفضه العالم، إلى ثورة شعبية تعددية ترفع شعارات ديمقراطية ومدنية. من وجهة نظر آخرين: «لقد كنا حصان طروادة». ثانيًا: أن نعترف أننا أخطأنا فى اصطفافنا ذاك مع الإخوان. ومنبع الخطأ أننا انخدعنا بسذاجة. فقد اصطففنا معهم دون أن نتّفق على شكل الدولة بل كنا على الدوام فريسة لخياراتهم. ساعدناهم فى إقصاء مبارك، وساعدناهم فى مطاردة أنصار الدولة التقليدية، ولم نأخذ منهم شيئًا. إلا التخوين والاتهامات بالعمالة والتمويل (قبل استفتاء 19 مارس يا بشر!) والإغراء بتعذيب معتصمين (بعد أقل من شهر من التنحى يا بشر!)، ثم دعمهم للمجلس العسكرى وهو يقتل متظاهرى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء. (كلمينى عن متلازمة ستوكهولهم اللى بنشوفها فى الآخرين وما بنشفهاش فى أنفسنا!). ثالثًا: أن نتعلم من خطأنا هذا. أراكِ حين ترددين مقولتكِ المغلوطة «إحنا كنا دايمًا رافضين مبارك والإخوان» تعيشين حالة إنكار. فتنفى اصطفافك المثبت بالصوت والصورة، من يوم جمعة الغضب وحتى موسم عصر الليمون. ما دلالة هذا؟ هو إشارة واضحة إلى أنك تنظرين فى الاتجاه الخطأ، فتعتقدين أن الاصطفاف فى حد ذاته هو الخطأ. وموطن الخطأ يا صديقتى ليس الاصطفاف. هذا لا بد منه لإنجاح أى تحرّك ثورى أو سياسى. موطن الخطأ كان فى شروط الاصطفاف. إننا لا نعيش فى السويد، بل فى مصر. وإن المواد البشرية التى فى مقدورنا أن نستخدمها لبناء مصر الجديدة هى الموجود لدينا فى الواقع، وليس ما نتمناه فى الخيال. علينا أن ننظر حولنا ونحدّد مَن الأقرب إلينا -ليس مَن يشبهنا تمامًا- مَن الذين نتوافق معهم على ما نحتاجه الآن، لكى نعدّل الأوضاع المائلة، قبل أن يتعاظم الميل، وتغرق السفينة. وهذا يستلزم منا أن ندرك موطن الخلل الأكبر حاليًا. وهو -من وجهة نظرى- سيطرة تيار غيبى، قليل الكفاءة، سيخرب ما بقى من الدولة المصرية الحديثة، ويقدم شؤون خدمة السماء على شؤون خدمة المواطنين، ويزرع بذور الطائفية. ومن هنا فإن خيارنا الوحيد هو الاصطفاف مع مَن يرفض هذا من المواطنين المصريين. وعلينا أن نتعلّم من الخطأ. أن نصطف معهم، ولكن بعد الاتفاق على شروط الاصطفاف. على المبادئ. على آليات تداول السلطة. على ضمانات تزهق شبح الاحتكار السياسى والاقتصادى. علينا أن نستفيد مما رسّخته «ثورة يناير» فى وجدان الشعب المصرى، ولا سيما شبابه. فما بعد يناير لن يكون كما قبلها. ثقى فى هذا. وتصرّفى من منطلق هذه الثقة. خياراتنا المتمحورة حول دولة المواطن، دولة الإنسان، ليست خيارات كل المصريين. إن فريقًا لا بأس به يؤيّد الدولة الدينية الغيبية. وهذا أدعى لدعاة «دولة المواطن»، الدولة المدنية، أن يصطفّوا معًا. وإلا فإن الفريق الآخر ماضٍ فى سعيه بلا كلل. مصمم عليه. والوقت فى صالحه. والسلطة فى صالحه. وبطء التفكير وتردّده فى صالحه. والتكاسل فى صالحه.