آى فون.. آى باد من صنع رجل لا يستحم ويمشى حافيا فى أسبوع واحد شاهدت فيلما عن مخترع «فيسبوك»، وقرأت كتابا عن مؤسس «آبل» وعرفت أننى لن أغير العالم. كان من الصعب أن أصدّق أن وراء كل هذه الأجهزة التى تملأ منازلنا وجيوبنا، وتصنع حياتنا، شخصا يمشى حافيا ولا يستحم. الدرس المستفاد من الفيلم والكتاب يمكن تلخيصه فى الآتى: لو كنت طبيعيا، أو على الأقل تظن أنك كذلك، فلن تقدم شيئا، المجانين فقط يغيرون العالم، ستيف جوبز ومارك زوكربيرج كلاهما كان يبدو مشوشا، مرتبكا، عصبى المزاج، غريب الأطوار، باختصار يمكن القول ببساطة أن كليهما مجنون، وحرامى أيضا. مارك سرق الفكرة التى عمل عليها طالبان من «هارفارد» للتواصل الاجتماعى داخل الجامعة، وصنع منها «فيسبوك»، صحيح أن الفكرة تطورت بالطبع ولم يدم من صيغتها الأولى سوى بعض القشور لكن تظل الفكرة الأساسية من صنع آخرين. الأمر نفسه تكرر مع جوبز، قام وزنياك الذى لا يعرفه أحد بصنع «آبل» ونسبَ الفضل كله فى النهاية إلى جوبز الذى كان بمثابة المحفز فقط. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، التفاصيل توضح الصورة أفضل. بعكس الفيلم لم تتحدث كارن بلومنتال مؤلفة كتاب «ستيف جوبز والقصة المدهشة لمؤسس آبل» عن سرقة جوبز لمجهود الآخرين، لم تبدِ رأيها على الأقل، فضلت أن يتم تسريب الأمر عبر آخرين، مثلا يقول راسكين أحد أهم من عملوا معه «غالبا حين يتم عرض فكرة جيدة أمامه يقوم بمهاجمتها على الفور قائلا إنها تافهة أو حتى غبية، ثم إذا كانت الفكرة جيدة، يسرع فى إعلانها للناس، كأنها فكرته». جوبز نفسه ردد مقولة بيكاسو حين تم اتهامه بسرقة أفكار زيروكس «الفنانون الجيدون ينسخون، والفنانون العظماء يسرقون» أو حتى مقولته هو الشخصية «من الأفضل أن تكون قرصانا على أن تلحَق بالأسطول» لكن رغم ذلك كله فمن دون جوبز لم تكن لآبل أن تظهر وتستمر. تبدو أجزاء من حياته أشبه بحكايات الأفلام لا يمكن تصديقها، ومنذ بداية حياته لم يكن مسار جوبز متوقعا أبدا، تخلى عنه أبواه عند مولده ليتبناه آخران، يعرف فى الأربعين تقريبا أن والده الحقيقى سورى اسمه عبد الفتاح جون الجندلى ولا يهتم بلقائه، ترك الجامعة بعد فصل دراسى واحد، وعند بلوغه الحادية والعشرين أسس «آبل» فى جراج عائلته بالاشتراك مع صديقه ستيف وزنياك، لكنه كان محظوظا لأنه تربى وكبر فى وادى سانتا كلارا، وهو مكان مكتظ بالمهندسين والحرفيين الذين أشبعوا رغبته المتنامية للتوسع فى مجال الإلكترونيات. بدأ جوبز وأصدقاؤه المهووسون بالتكنولوجيا فى صناعة أجهزة صغيرة لسرقة خطوط الهاتف، والتشويش على التليفزيون، وبالتدريج بدؤوا فى أول خطوات إنتاج الكمبيوتر، بالطبع لم يكن له أى علاقة بما هو موجود الآن، ببساطة لأن أصغر كمبيوتر وقتها كان يحتل مساحة غرفة. على الرغم من إصرار جوبز على الوصول بشكل الكمبيوتر إلى درجة الكمال، لم يكن يطبق المعيار ذاته على نفسه فكان من بين عاداته الشاذة غير أنه لا يستحم، ويعشق المشى حافيا، أنه كان يضع قدمه فى المرحاض للحصول على تدليك مرتجل للقدمين، لكنه طبق معيارا واحدا فقط من المعايير التى صمم على وضعها فى أجهزته أنه «غير قابل للفتح» حتى عندما أصيب بالسرطان ظل فترة طويلة يرفض أن يفتح الأطباء جسده لعمل عملية استئصال، حتى تغلغل المرض فى جسده، وعندما وافق على العملية أخيرا كان قد فات الأوان. شارك جوبز فى تنفيذ مئات الأفكار فى «آبل» وسجل اسمه على أكثر من 300 اختراع، غير مفهوم العالم عن الكمبيوتر الشخصى، وشارك فى ثورة الموسيقى بالآيبود، وثورة الاتصالات بالآيفون، اهتم بأدق التفاصيل بدءا من العلبة التى تضم الجهاز وحتى أعمق تفاصيله، حطم جميع العوائق وكان مليونيرا وهو فى الثالثة والعشرين، أصبحت عبقريته «علامة مميزة»، لكن بمجرد تحقيقه للنجاح فُصل من الشركة التى أسسها لأنه كان شخصا لا يمكن تحمله، بدأ من الصفر مجددا، وأسس شركة جديدة، ثم عاد لينقذ «آبل» بعد ذلك بسنوات «لكنه لم يعد الولد المتصلف، المندفع. كان قد أصبح رب أسرة وأبا لثلاثة أطفال وكان أيضا تعلم بعض الأشياء». فى الإعلان الذى حاول من خلاله أن يضع «آبل» فى الصورة من جديد انتقد المسودة الأولى وتدخل فى السيناريو حتى يظهر الإعلان بالشكل الذى يتمناه، لم يتضمن أى إشارة للشركة إلا فى آخره فقط، تظهر صور عباقرة العالم «أينشتاين، بيكاسو، مارتن لوثر كينج، إديسون…إلخ» مصاحبة للكلمات التى ترسم صورة مكبرة لشخصية جوبز نفسه: طوبى للمجانين، غريبى الأطوار، المتمردين، مثيرى الشغب، المختلفين، من يرون الأشياء بشكل مختلف، ليسوا مغرمين بالقواعد، ولا يحترمون الوضع الراهن. يمكنك أن تستشهد بهم، تختلف معهم، تبجلهم، تذمهم. لكن الشىء الوحيد الذى لا يمكنك فعله هو أن تتجاهلهم، لأنهم يغيرون الأشياء.