تختلف الإسكندرية عن غيرها من محافظات مصر فى ظهور شخصية الخط أو السفاح الذى يرتكب أكثر من جريمة فى آن واحد أو يستعين به أحد لارتكاب أى جرائم، فقد كانت أشهر تلك الشخصيات على مدة العقود الماضية هى شخصية السفاحتين "ريا وسكينة" ثم شخصية سفاح كرموز. فى منطقة محطة الرمل بوسط الإسكندرية، كان أحد المبانى العتيقة الذى يقع بالقرب من سينما أمير شاهدا على إعدام السفاحتين ريا وشقيتها سكينة، وكان هناك شهود عيان على تلك السفاحتين ومن بينهما عم مرسى الجندى، أقدم سجان فلا يزال الرجل يتمتع بذاكرة قوية رغم أنه تخطى التسعين من عمره وأكثر ولا يزال يحمل داخله أسرار وذكريات عن منطقة اللبان التى كانت شاهدة على أبشع جرائم القرن الماضى. والرجل الذى كان يعمل بالبوليس زمان أخذ يحدثنا عن الأمن والأمان وعسكرى الدرج فى العصر الذى شهد جرائم ريا وسكينة على الرغم من عدم وجود أدوات أمنية. وروى أقدم حارس سجن فى الإسكندرية ل"التحرير" حكايات عن ريا وسكينة، قائلا إنه سمع الحكايات الكثيرة ممن عمل معهم فى البوليس ومن والده أيضا ومنها أنهما قتلا 17 سيدة فى عام واحد، وأضاف: "اسمهما ريا وسكينة على همام وولدا فى محافظة بنى سويف ثم ذهبا إلى كفر الزيات وطنطا وفى النهاية جاءا إلى الإسكندرية وسكنت ريا فى شارع على بك الكبير أما سكينة فقد سكنت فى شارع مكاريوس". وتابع: "أخذت ريا بيتا آخر فى حارة النجاة فى نفس الحى، وكانا فقراء جدا كما كانتا تحقدان على الأغنياء من سيدات المنطقة وخارجها، وكانت سكينة فى الأساس من فتيات الليل والهوى وعملت عند سيدة فى منزل بمنطقة تم محوها الآن من الإسكندرية وهى منطقة كوم باكير، التى كانت تقدم كل ما هو خارج وغير قانونى وكان يسكن فيها نساء الهوى، ثم كونوا بعد ذلك عصابة لسرقة النساء فى الأسواق عن طريق إقناعهم بوجود أقمشة ومنتجات للسيدات فى منزلهم بعد أن كانتا تصطادانهم من زنقة الستات الموجودة فى منطقة المنشية والقريبة من المنزل". ويذكرنا عم مرسى ببعض أسماء النساء اللائي قتلن على يد ريا وسكينة ومنهن سيدة تدعى زنوبة وأخرى تدعى فردوس وثالثة تدعى لولو وقد تم القبض عليهما وحسب الله سعيد زوج ريا ومحمد عبد العال زوج سكينة وآخرين عام 1921، وكانت مفاجأة عم مرسى لنا أنه قابل إسماعيل ياسين مرتين قبل تصوير فيلمه الشهير عن ريا وسكينة وعندما أخبره بوجود عفاريت فى المنطقة تسير ليلا خاف الفنان جدا من هذا الكلام وطلع يجرى ولم يذكر حكاية العفاريت هذه فى فيلمه. واستطرد مرسى قائلا: والله فيه حاجات بتمشى فى الليل ومش ممكن واحد يمشى لوحده بالليل ويمر من أمام بيت ريا وسكينة وكان فيه واحد فتوة اسمه محمود عاوز يسكن فى البيت ولكن أهالى المنطقة نصحوه بألا يدخله حتى لا تؤذيه العفاريت ولم يسمع كلام الناس ودخل المنزل وأقام فيه 3 أيام والرابع وقع السقف فوقه وهو نائم ليذهب إلى المشرحة.
وأكمل حديثه بأن الذى كشف جرائم ريا وسكينة شخص ضرير عندما وجد جثة لسيدة مكسورة العظام أسفل غرفته وقام بإبلاغ البوليس وتم التحرى من النيابة والبوليس بعد بلاغ الرجل واستدعاء ريا وسكينة وبعد فترة اعترفوا بما قاموا به.
ولا ينسى عم مرسى حكايات رؤسائه فى السجن عن يوم 21 ديسمبر 1921 وهو يوم إعدام ريا وسكينة ومن معهما، وقال إن الرايات السوداء رفعت على سارية السجن فى الحضرة وكان مأمور السجن هو القائم مقام عبد الفتاح صالح كما كان محمد حداية باشا هو المحافظ، ويؤكد عم مرسى أن زملاءه الكبار قالوا له إن ريا كان قلبها جامد وكانت لا تخاف من الإعدام أما سكينة فقالت لعشماوى والبوليس وقت إعدامها: "أيوة أنا قتلت كل دول ياللا إعدمونى وخلصونى بقى وأنا جدعة لأنى استغفلت بوليس اللبان اللى كان عند بيتنا". أما عن المحكمة التى شهدت الحكم بإعدام ريا وسكينة والتى تقع فى طريق الحرية داخل ممر صغير يؤدى إليها تحولت الآن إلى مكان مهجور وهى آيلة للسقوط فى حالة إهمال واضحة، يروى لنا حسن علوى صاحب استوديو تصوير "أمير" أن تلك المحكمة شهدت أهم محاكمة فى القرن الماضى للمجرمين بالإسكندرية، حيث صدر فيها حكم بإعدام سفاح كرموز وحسن السفاح الذى نشأ فى منطقة الشلالات وريا وسكينة أخيرا. ويقول حسن علوى إن هذه المحكمة كانت قصرا ملك عمر باشا طوسون وبناها على الطراز الإيطالى المهندس الفنان رفائيل ويعتبرها الإيطاليون جزءا من تاريخهم فيزورون المحكمة الآن ويتحسرون على ما آلت إليه وقد تحول المكان إلى خرابة ومهدد بالسقوط بعد أن كان مليئا بالتحف المعمارية والرخام وخشب الورد وأعمدة من الجزانيت والمقابض النحاسية التى سرقت، فعمر باشا طوسون أعطى هذا القصر هدية لوزارة العدل ثم استلمته وزارة التربية والتعليم والآن فى عام 2015 أصبح مخزنا للفول والطعمية لأحد المطاعم وكل المنطقة التى حوله كانت عبارة عن حدائق قسمت إلى أراضٍ وتم البناء عليها فتشوهت ملامحه المعمارية ولا يوجد أى أثر لريا وسكينة أو من حكم عليهم". أما سفاح كرموز أشهر سفاحى الإسكندرية فلم يكن من مواليد الإسكندرية وإنما كان من أسوان وارتكب سلسلة من جرائم قتل النساء فى الفترة من 1948 وحتى 1953 وكان اسمه الحقيقى سعد إسكندر عبد المسيح، وسار على نفس مدرسة ريا وسكينة أى القتل من أجل الأموال، فذبح ضحاياه حتى تم القبض عليه فى يناير 1953، وتقديمه إلى المحاكمة بعد شهر واحد فقط، وتم الحكم عليه بالإعدام وتنفيذه فى نفس المحكمة التى شهدت إعدام ريا وسكينة".
أما فى العصر الحديث فقد اختلف السفاحون فى الإسكندرية ولم يكونوا على نفس مستوى الإجرام والقتل الذى كان منتشرا أيام عصر ريا وسكينة أو سفاح كرموز، حيث ظهر فى أواخر السبعينيات شخص يدعى "الدقة ابن البلد" وهو كان يمثل فتوة الناس الغلابة فى منطقة كرموز. وكان يلجأ الناس إلى "الدقة" لأخذ حقوقهم الضائعة أو لعمل جلسات صلح مع أحد الأطراف المتنازعة، وتوفى على يد طفل صغير، كما أكد أحد أهالى كرموز بعدما تسبب فى سجن والده بسبب قطعة أرض فقام الطفل بطعن "ابن البلد" طعنة واحدة فى قلبه أودت بحياته على الفور وتم حبس الطفل فى الأحداث وقتها. * * * * * * * * *