رغم المتعة الكبيرة التى كنت سأشعر بها (ومعى القراء الأعزاء) لو أننى خصصت سطور اليوم للتعليق على حكاية «الصباعين تلاتة اللى بتلعب جوه» الواردة ضمن خطاب التهديدات القمعية والإنذارات السلطانية الفاشية الذى ألقاه فضيلة الدكتور محمد مرسى فى وجوهنا أول من أمس، بينما جنابه ثائر غاضب و«متزرزر» جدا لأن جماعته السرية أصابها مؤخرا بعض شظايا ونَذْر يسير من فيض إنتاج غول العنف والإجرام الذى ربَّته حضرتها وعلفته وسمَّنته فى مغارتها المظلمة ثم أطلقته بتهور وغباوة على خلق الله فى هذا البلد. أقول، رغم مناطق المتعة والظّرف واللطافة الشديدة التى يشغى بها الخطاب المذكور أعلاه، فإننى لست «إخوانيا» لكى أخلف وعدا علنيا قطعته على نفسى أمس فى هذا المكان أن أواصل اليوم الحديث فى موضوع غول العنف نفسه، وكيف إذا صُنع وتضخم فى بيئة البؤس الشامل، يعمل ويعربد منفلتا بجنون من سيطرة حتى الذين صنعوه واستعانوا به على الناس.. وأبدأ بتذكيركم بقصة الدكتور فرانكشتاين التى تعرفنا عليها من الفرجة على قائمة طويلة من منتجات الفن السابع، يقف على رأسها فيلمان مهمان حققهما المخرج جيمس وال، فى ثلاثينيات القرن الماضى وأثرى بهما تراث سينما الرعب العالمية.. الفيلم الأول عُرض للجمهور تحت اسم «فرانكشتاين»، أما الثانى فقد كان تحفة فنية حملت عنوان «خطيبة فرانكشتاين»، ويكفى للدلالة على تفرُّد وأهمية هذا الفيلم أن إحدى صالات المزادات الأمريكية باعت قبل سنوات قليلة، نسخة نادرة من «الأفيش» الإعلانى الخاص به بمبلغ خرافى بلغ 700 ألف دولار!! أفلام «فرانكشتاين» كلها كانت تنويعات أو «لعبا» فنيا بأحداث رواية رعب كتبتها فى مطلع القرن التاسع عشر كاتبة بريطانية مغمورة تدعى مارى تشيلى لم يكن لها (قبل هذه الرواية) أى علاقة بالأدب سوى زواجها من الشاعر الإنجليزى الشهير بيرسى تشيلى.. مختصر الحكاية التى تحكيها مارى فى روايتها أن طبيبا جراحا (فرانكشتاين) طُرد من كلية الجراحين الملكية بسبب غرابة أطواره وشغفه بإجراء تجارب علمية شاذة، اعتبرتها الكلية مخالفة للقانون والأخلاق، لكن هذا الطبيب لم يرتدع، بل واصل السير فى طريق ظنه السبيل إلى اكتشافه وامتلاكه «سر الحياة» الإنسانية، ومن ثم محاولة صنع كائن بشرى «سوبر» وفائق القوة يكون أداته للتفوق والهيمنة المطلقة على عالم البشر. وبمساعدة وتشجيع طبيب آخر يدعى «فرتز» ينطلق فرانكشتاين فى تجاربه لتخليق «السوبرمان»، منطلقا من نظرية مفادها أن طاقة الكهرباء هى مكمن السر الحيوى، وبناء على هذه النظرية يبدأ هو ومساعده فى سرقة جثث الموتى وانتقاء أعضاء منها ولصق بعضها ببعض، لكنهما عندما أنهيا صنع هيكل الكائن البشرى المشوه اكتشفا أن الرأس ليس ملائما، فعمدا إلى سرقة جثة جديدة كانت بالصدفة لمجرم معتوه أخذا رأسه ولصقاها بالجسد المفبرك الذى بدا لهما مكتملا وجاهزا لكى تدب فيه الحياة إذا سرت فى أوصاله شحنة كهرباء قوية، لهذا قاما بتعليقه فوق برج نصباه فوق سطح منزل فرانكشتاين حتى تأتى صاعقة تضربه فتدب فيه الحياة، وهو أمر حدث فعلا بعد أيام، وأضحى الجثمان المصنوع مسخا مرعبا يتحرك ويعربد فى الدنيا طليقا من كل الحدود والقيود التى تواضع عليها البشر. تسرد الرواية بعد ذلك صور الفظائع والجرائم التى اقترفها وحش فرانكشتاين والتى لم ينج منها هذا الأخير نفسه، فقد قتل الوحش خطيبة خالقه المغرور المتهور ليلة عرسهما، ثم فى النهاية صَرَع الوحش الطبيب المجنون ليصير عبرة لكل من يتوهم أن بإمكانه إطلاق الشرور والبقاء بمنأى عن أخذ نصيبه منها. هذا هو الملخص (المخلّ) لحكاية الدكتور فرانكشتاين.. وأظنك عزيزى القارئ فهمت مغزاها وعلاقتها بالحال الكئيبة الحالية التى جرجرتنا إليها الست «جماعة الشر»، فهى سكنت تماما صورة هذا الطبيب الشاذ المنحرف عندما أطلقت على مجتمعنا غول العنف وميليشيات وعصابات متوحشة ارتكبت وراكمت فى شهور قليلة تلالا من جرائم القتل والسحل والتعذيب وهتك الأعراض، غير أن الغباء وبلادة الحس والجنان الرسمى يمنع هذه الست من إدراك حقيقة أن زارع الشر سوف يحصده حتما، وأنه من المستحيل أن تفلت أو تخرج منتصرة من سباق الهمجية والدم الذى فرضته على المصريين.