نظرة سريعة على خريطة توزيع نظم الحكم الديمقراطية فى العالم، تقول لك إن المنطقة العربية تكاد تكون الاستثناء الوحيد من الديمقراطية، فالديمقراطية انتشرت فى دول كانت حتى عقود قليلة ماضية توصف بأنها سلطوية، استبدادية أو فاشية، انتشرت الديمقراطية فى الشطرين الأوسط والشرقى من القارة الأوروبية بعد سقوط النظم الشيوعية، واجتاحت الديمقراطية أيضًا دول أمريكا اللاتينية بشطريها الأوسط والجنوبى، بعد أن كانت ترزح لسنوات طويلة تحت حكم ديكتاتورى عسكرى أو سلطوى مدنى، ثد بدأت الديمقراطية تنتشر فى ربوع آسيا، وأخيرًا زحفت الديمقراطية إلى القارة السمراء، ووصلت إلى دول ودويلات تقوم على نظم قبلية قاسية تفصلها عن المدنية الحديثة عقود وعقود من السنين. الملاحظ أن الديمقراطية لم تترك تستقر فى العالم العربى لا قطره الآسيوى ولا جناحه الإفريقى، فكل منهما مثّل استثناء من ظاهرة انتشار الديمقراطية، وبينما تخندقت دول كالسعودية وراء الخصوصية الثقافية والذاتية، اكتفت نظم أخرى، لا سيما الجمهوريات الرئاسية، بقشور الديمقراطية، حيث اعتبرت وجود المؤسسات كافيًا للادعاء بوجود الديمقراطية، اختزلت الديمقراطية فى مجموعة من الإجراءات والطقوس، منها إجراء انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء البرلمان، وهى انتخابات شكلية، يجرى تحديد الحصص والمخصصات من قبل أن تجرى ومن ثم لا تعدو الانتخابات أن تكون مجرد إجراء شكلى، كذلك الحال بالنسبة إلى الاستفتاءات على منصب الرئيس، والتى تحوّلت مع الموجة قبل الأخيرة التى وصلت إلى المنطقة أوائل القرن الحادى والعشرين إلى انتخابات تعددية شكلية. من بين 22 دولة عربية، تتوزّع على قارتى آسيا وإفريقيا، لا توجد دولة واحدة يمكن وصف نظامها بأنه ديمقراطى حقيقى، فالنظم القائمة فى هذه الدول لا يمكن وصفها بالديمقراطية، بعضها لا يعنيه الوصف، ومن ثَم يرفض الديمقراطية ويعتبرها بدعة وضلالة غربية لا تتوافق وحضارة وثقافة الأمة، وبعضها الآخر يأخذ بقشور الديمقراطية والإجراءات الشكلية فقط. لا توجد منطقة فى العالم كمنطقتنا تقاوم انتشار قيمة الديمقراطية ومعها قيم مصاحبة لا مجال لرسوخ الديمقراطية دونها كالمساواة والحرية والعدل، لا توجد منطقة فى العالم كمنطقتنا تتحايل على الديمقراطية عبر ادعاء الخصوصية والذاتية، قليلة هى دول العالم خارج المنطقة العربية، والتى يمكن وصفها بأنها دول غير ديمقراطية، فالديمقراطية استقرّت فى أمريكا اللاتينية بشطريها الأوسط والجنوبى، واجتاحت قارة آسيا، ثم بدأت تنتشر فى القارة الإفريقية، لكنها لم تجد موطئ قدم فى البلدان العربية فى آسيا وإفريقيا، الدول الآسيوية التى كانت ترزح تحت حكم عسكرى وتلك التى كانت تحكم بنظم شمولية وسلطوية تغيّرت وباتت ديمقراطية، وحقّقت تقدمًا كبيرًا على طريق التنمية السياسية والاقتصادية، وبعضها غادر العالم الثالث بتخلّفه وفقره، ودخل العالم الثانى، ومنها مَن بدأ يغادر العالم الثانى فى طريقه إلى العالم الأول، مثل كوريا الجنوبية، تحقّق الأمر نفسه فى إفريقيا، لكن جنوب الصحراء، وباتت الدول والدويلات القبيلة المتخلفة دولًا ديمقراطية حقيقية، بل إن جنوب إفريقيا نفضت عن نفسها غبار العنصرية بسقوط نظام الفصل العنصرى، وشقّت طريقًا باتجاه نظام ديمقراطى حقيقى، قفز بها مراحل عديدة على طريق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وباتت جنوب إفريقيا من الدول الديمقراطية المتطورة اقتصاديًّا، والتى غادرت العالم الثالث إلى الثانى ومرشحة لدخول العالم الأول بقوة، ويكفى أن العالم عندما يبحث عن دول تحصل على العضوية الدائمة فى مجلس الأمن أسوة بالدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية، توقّف عند جنوب إفريقيا ممثلًا للقارة السمراء، وعند البرازيل والأرجنتين عن أمريكا الجنوبية، والهند عن القارة الآسيوية، ولا مجال لذكر دولة عربية واحدة، فجميع الدول العربية استراحت فى مصاف دول العالم الثالث، واستقرت هناك، وغير مرشحة لمفارقته لفترة زمنية طويلة قادمة، بل إن دول منها دخلت مرحلة الدولة الفاشلة «الصومال نموذجًا»، وهناك دول أخرى قريبة من التعثّر، ويمكن أن تنزلق إلى مرتبة الدول الفاشلة. السؤال هنا: لماذا كل ذلك، ولما بات العالم العربى استثناء من التنمية الشاملة وفى مقدمتها السياسة التى تعنى إرساء أسس الديمقراطية؟ إنها الثقافة المعادية لقيم الحرية والمساواة والديمقراطية، والتى تجرح قيم حقوق الإنسان.