ارتباط الجيش المصرى بفكرة الوطنية المصرية ليس وجهة نظر. هذا سياق تاريخى بدأ مع محمد على، بإلحاق المصريين لأول مرة منذ الغزو الإسلامى بالجندية. استخدمت هنا الغزو، لا الفتح قاصدا، لكى أقول إن الغزاة قبل محمد على لم يثقوا فى المصريين، ولم يلحقوهم بالجندية للدفاع عن بلدهم. وأول حركة اعتراضية كبرى فى تاريخ مصر الحديث، خرجت من هذا الجيش أيام «هوجة عرابى»... (شعب ساخر ابن...) لكن الجيش والحركة الوطنية شىء، وقيادته السياسية شىء آخر. بمعنى أن المسؤول هو مجرد مسؤول فرد، تختاره السلطة. والجيش بانقلاب 1952 هو الذى كسر صعود الحداثة المصرية، وتجلياتها الديمقراطية الوليدة، فجلس على الكرسى ولم يسأل أحدا. ثم صفى الآخرين سياسيا، لا أحزاب، ولا صحافة حرة، ولا قضاء مستقل. لا شىء. اللهم إلا ادعاءات تشبه ادعاءات الإسلامجية عن العزة والكرامة، انكسرت فى 1967، بسبب قلة الكفاءة. فى العصر الحديث، المعيار هو الكفاءة، وليس الأقوال. ثم إن هذه السلطوية عززت الفكر السلطوى فى مصر. وغذته. فما رحل العسكريون عن السلطة المباشرة إلا وقد ضمنوا مجىء الإسلامجية. ما همّ عايزين حد منضبط زيهم، لَاحْسن الشعب دا روحه «الليبرالية» تنقح عليه ويعمل حاجات «كخة». بمجرد أن جرب المصريون «خنزير الحاخام»، صرخوا. العسكر أهون. بل والحقيقة أن فى داخل كل واحد فينا إحساسا طبيعيا دفينا بأن الجيش هو المؤسسة الوحيدة التى تملك السلاح، ومن ثم تملك حمايتنا من هؤلاء الهمج الذين يتقربون إلى ربهم بقتل الناس وتخويفهم وإرهابهم، وبانتهاك القانون، وبنشر الظلم وعدم المساواة، والتنظير لهما. أنت وأنا كمواطنين «غلبانين» لا نملك من أمرنا شيئا ليس أمامنا سوى هذا. بل إن الشعب لم تهدئه مرة وراء مرة إلا تسريبات- لاحظى- تسريبات عن تصريحات نارية تطمئنه من جانب الجيش. عن وقوفه إلى جانب الشعب. عن اكتسابه الشرعية من الشعب. وعن وعن وعن.. دى حتى بورسعيد هديت، ومرسى ريَّح دماغه منها، بأيادٍ كريمة مُدَّت إليه من «قيادات» الجيش. ولا حد حقق فى إطلاق الرصاص على الجيش ولا حاجة!! لكن، وطرطقى لى ودانك هنا، ما «المواقف» التى اتخذها الجيش، ممثلا فى قيادته السياسية؟ 11- من أول لجنة كتابة التعديلات الدستورية، إلى الإعلان الدستورى الأول، إلى الصهينة عن تهديدات الإخوان أيام انتخابات الرئاسة. كانت كلها مواقف مع الإخوان باستثناء التعديلات فوق الدستورية. - بعد تولى الإخوان وقف الجيش الذى يقول إن مهمته حماية الشرعية صامتا، والإخوان يحاصرون ما يفترض أن يكون أكبر صرح مدنى للشرعية فى أى بلد، وأعنى المحكمة الدستورية. وبالتالى سمح للإخوان بتمرير أهم إعلان سياسى. - وقف عاجزا بينما قادة الإسلامجية يهددونه علنا بشن الحرب عليه. نعم؟! تهديد علنى بشن الحرب على الجيش؟! بغض النظر عن أى حاجة، فيه بلد فى الدنيا تسمح بتهديد مواطنين لجيشها بشن الحرب عليه. هاتقولى لى ما انتو كنتو بتقولوا يسقط حكم العسكر.. هاقول لك آه كنا بنقول «حكم العسكر». لكن نهدد الجيش نفسه بإننا هنعلمه الأدب، وبإن ميليشياتنا هاتعمل معاه زى ما حصل فى الجزاير؟! دى جديدة. ولأن التسريبات سيدة الموقف، فقد سرت شائعة بإلقاء القبض على من صرَّحا بهذا. ولقد قهقهت حين رأيت الخبر، واثقا طبعا أنه «تسريبة» و«تسجيدة» أخرى. ونظرت إلى صورة السيسى المنشورة إلى جواره وقلت له بتصرف ما قاله محمد صبحى فى مسرحية وجهة نظر: «وأنا اللى كنت فاكر الشعب فاقد الأمل، أتاريه لسه عنده أمل فيك». ههههههه. هههههههه. هههههههه. بالمناسبة: إيه أخبار التحقيقات فى مقتل جنودنا المواطنين الغلابة فى سيناء؟! وحياة الغالية «إحنا» بكينا عليهم بجد، مش سياسة!!