من المعروف أن قضايا ما يسمى بالحركات الانفصالية، هى قضايا أمن قومى لأى دولة. وبالتالى فعمليات تقسيم الدول هى أيضا قضايا أمن قومى. أى أن الذين يدعون إلى إجراء عمليات استفتاء على تطبيق الشريعة فى محافظات ومناطق وأقاليم الدولة المصرية، والذين يفرضون قوانين الطوارئ وحظر التجول على مناطق ومحافظات معينة، والذين يقننون تمليك أراضى الدولة لمواطنين أجانب (غير مصريين) فى محافظات بعينها ومواقع حدودية وغير حدودية.. كل ذلك ما هو إلا وضع خطوط فاصلة فى الدولة الواحدة، وشكل من أشكال التقسيم الجغرافى والثقافى والاجتماعى والاقتصادى. والأخطر هو أن يتم توريط المؤسسة العسكرية تدريجيا فى عملية تقسيم الدولة المصرية! على قادة الجيش المصرى أن يقرروا: هل هم يحمون حدود البلاد وترابها واستقلالها ووحدة أراضيها، أم يحمون النظام الدينى اليمينى المتطرف؟ ومع ذلك، فمن الصعب أن نتحدث عن خطط ما لمكتب الإرشاد أو لجماعة الإخوان المسلمين أو حتى لتنظيمهم العالمى بشأن تقسيم مصر أو تحويلها إلى دولة فاشلة على غرار باكستانوأفغانستان والعراق وليبيا. ولكن عملية تحويل الدول إلى كيانات فاشلة تجرى وفق عمليات معقدة تتورط فيها الأنظمة السياسية والتنظيمات المسلحة والمتطرفة تدريجيا وبطرق وأشكال مختلفة لتجد نفسها فجأة أمام أمر واقع لا ناقة لها فيه ولا بعير. ما يجرى فى مصر الآن يذكرنا بحكاية «طالبان» و«القاعدة». ففى مصر يوجد «الإخوان من جهة»، و«السلفية الجهادية والجهاد والجماعة الإسلامية وحزب التحرير الإسلامى والسلفية والقاعدة» من جهة أخرى. أى ببساطة نسق جديد يمكن أن نطلق عليه «تحالف القاعدة». وما يجرى فى مصر هو مقدمات لتجربة سابقة جرت فى أفغانستان. والمثير أن الولاياتالمتحدة وقطر تحديدا تجريان مفاوضات مع «طالبان» باعتبارها «معتدلة» يمكن استمالتها ضد «القاعدة» المتطرفة» بإشراكها فى الحكم مع نظام حميد قرضاى الفاشل. بل وأعلنت قطر عن استعدادها لفتح مكتب تمثيل لطالبان فى الدوحة! وبالتالى على التاريخ والناس أن ينسوا أو يتناسوا أن طالبان فتحت ذراعيها للقاعدة بمباركة أمريكية - عربية شاملة، وبدأتا الجهاد جنبا إلى جنب لعشرات السنين، وإلى الآن. الإخوان ينزلقون تدريجيا وبزاوية ضيقة وغير محسوسة إلى مصير محتوم. ولا شك أن المؤسسة العسكرية تنزلق معهم بزاوية أضيق بكثير. فهل الجيش يحمى الإخوان ونظامهم، أم يحارب «تحالف القاعدة» فى سينا ومطروح والسلوم والوادى الجديد وحلايب؟! هل الجيش يحمى الرئيس أم يحمى حدود البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها؟! من الواضح أن الجيش يتعرض لحملة غير مسبوقة. ولكن على قياداته أن تجلس لتتأمل الوضع بجدية، قبل أن تنزعج من الانتقادات: ماذا يجرى فى مصر بالضبط؟ ومن يضع المقدمات لتفتيت البلاد على أسس دينية وعرقية واجتماعية وثقافية؟ لماذا يتم توريط الجيش فى تنفيذ قرارات توسع الفجوة بينه وبين مهامه الأساسية؟ وما البديل للجيش إذا انشغل بالعلاقة بين «طالبان مصر» و«وتحالف القاعدة فى مصر»؟ وما مصير الجيش بعد ظهور الميليشيات وتدشين الخطوط الفاصلة - العازلة بين محافظات الدولة المصرية؟! هل يمكن أن «نتطرف» قليلا ونقول: «بعد ربع ساعة لن يكون هناك جيش ولا دولة»؟! البعض يرى بعد 7 أشهر من حكم الإخوان المسلمين أن «الجيش فقط هو الذى سيحمى الشعب». والبعض الآخر يؤكد أن «الجيش يحمى مصالحه مع الطرف الرابح». والبعض الثالث يقول: «الجيش يحمى من كان يحميه أيام نظام مبارك.. الجيش مؤسسة من مؤسسات النظام أيا كان لون النظام. ولكن عندما تقوم ثورة شعبية واسعة يستحيل معها بقاء النظام الحاكم (مؤسسة الرئاسة) يتقدم الجيش لتسيير الأمور. وعندما يمسك الجيش بزمام الأمور، يقول دائما إنها مرحلة وستمر.. ثم يعمل بكل قوته من أجل البقاء. فإذا استقام له الأمر، يقدم نفسه على أنه التعبير الحقيقى عن رغبة الجماهير العريضة والمفجر الأساسى لغضب الشعوب الحرة.. لكن إذا كان البقاء فى السلطة مكلفا ومرهقا والريح غير مواتية، يبدأ بالاتفاق على أوضاع ومكاسب ليمهد لمرحلة تالية. فيخرج رابحا». ومع بدء العصيان المدنى فى بورسعيد وبشائره فى الإسماعيلية ومقدماته فى المحلة الكبرى، بدأت المؤسسة العسكرية فى مصر تبدى ردود أفعال وتصريحات تعكس حالة من الغضب والتذمر، وربما «التهديد». فماذا يعنى ما قاله رئيس الأركان المصرى الفريق صدقى صبحى لقناة «سكاى نيوز» بأن «القوات المسلحة وقفت بجوار شعب مصر، مما جعل العلاقة قوية وقديمة الأزل. وأن القوات المسلحة لها الشرعية ولكن لا تنتمى إلى أى فصيل ولا تمارس السياسة وعينها على ما يدور داخل الدولة وإذا احتاج الشعب المصرى القوات المسلحة، ستكون فى أقل من ثانية....»؟! ماذا تعنى تصريحات الخبراء العسكريين بأنه «من الصعب أخونة القوات المسلحة»؟ ولماذا أصلا تتورط القوات المسلحة فى تنفيذ قرارات الرئيس الإخوانى فى عزل مدن القناة؟ وهل محاربة «تحالف القاعدة فى مصر» من أجل وحدة أراضى الدولة، أم يمكن استثماره من «طالبان مصر» فى تطوير الخطط والسيناريوهات الأمريكية؟! إن تصريحات قادة المؤسسة العسكرية وتفسيرات الخبراء العسكريين لا تعنى إلا أن الإدارة الأمريكية بدأت تعيد التفكير جزئيا فى دعم الإخوان، وأنها تحاول الخروج من مأزقها بعد تعرضها لانتقادات حادة من الداخل الأمريكى نفسه. فهل الأمر كذلك فعليا، أم أن الأمور تسير قدما كما كانت تسير فى أفغانستان والعراق وليبيا؟!