للمرة المليون انسوا.. الإخوان باقون فى السلطة، ولن يرحلوا إلا عندما يريد مَن أتى بهم. الأمريكان أسقطوا مبارك وجاؤوا بالإخوان. والأمريكان هم مَن سيسقطون الإخوان إلا إذا ظهر رجل وطنى مخلص من نوعية جمال عبد الناصر. وأظن أنه فى تلك البلد البليدة، استحالة أن يظهر ذلك الرجل الذى لا يطل وجه من مثله على أمَّتنا إلا مرة واحدة كل قرن من الزمان. والسادة ممن هم على السطح السياسى -لا أستثنى أحدًا- وجودهم ليس من أجل الأمة بل من أجل إعطاء الشرعية لمرسى فى الرئاسة. الإخوان تحكَّموا فى البلاد بالفعل، ويفعلون ما يريدون. الألعاب التى يقوم بها الإخوان لا يقدر عليها أحد ولا يوقفهم أحد. فقد جاء مدير المخابرات الحربية القطرى إلى مصر وقابل مَن قابل ووقَّع الصفقات. لكن الأهم عند عودته اتَّجه إلى الإمارات وكان معه فى طائرته الخاصة خيرت الشاطر، ليتوسَّط له عند الإماراتيين، وقد هاجموا الشاطر فى اجتماعهم بقسوة، ولم تفلح محاولات الصلح. أما فى الداخل وعلى مستوى الرئاسة، فنحن فى كارثة اسمها زوجة السيد الرئيس، التى لم نلحق للشفاء منها بعد، فلن يصدِّق أحد أن سلطة زوجة الرئيس لم تنتهِ مع رحيل العجوز الشمطاء اللعنة سوزان. فزوجة مرسى تقوم بنفس المهمة تقريبًا، لكن فى السر، ففى الأسبوع الماضى اجتمعت أم أحمد فى بيت وزير العدل أحمد مكى فى شارع رستم، مع زوجة وزير العدل وزوجة رئيس الوزراء وزوجة وزير الإعلام مع زوجة اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الحالى، واستمر اللقاء ثلاث ساعات كاملة. أُعلن بعدها أن اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الجديد. يبدو أن أم أحمد أصبحت تختار أزواج صديقاتها للوزارات. أما حكاية أموال ابن مرسى التى أرسلها إليه والده فى السعودية، والتى نشر تفاصيلها، فتلك الأموال كانت من أجل بناء مستشفى خاص باسم الابن. هذا هو حال مصر وزيارة ماكين كانت لتأكيد تمكين الإخوان بصفقة المشاركة لا المغالبة، لكن بالطريقة الأمريكية. والصفقة تمت قبل أن يأتى ماكين. باترسون تقوم بالواجب. وماكين يأتى ليؤكده. تتبعوا مقابلات السفيرة، هى هى نفس مقابلات ماكين، ودليل الصفقة هو ما حدث فى الاتحادية الأسبوع الماضى بتعدّى بلطجية على خيام المعتصمين هناك. لم يتحرَّك أحد من السادة قيادات القوة الثورية. ولم يخرج تصريح واحد من أحدهم، رغم أن نفس الحادثة وقعت من شهر وقامت الدنيا وحشد الناس. وتوجَّهوا إلى الاتحادية تضامنًا مع المعتدين عليهم، وكان العدد بالملايين، وفد يترأسه البرادعى والآخر حمدين، والثالث البدوى وغيرهم، لكن هذه المرة لم يتحرَّك أحد. فالصفقة تمت. والسادة الثوار المناضلون لهم معركة أخرى كبرى، هى معركة الانتخابات البرلمانية التى تم الاتفاق فيها بوجود عدد أكبر من القوة المدنية. أربعون فى المئة للقوة المدنية أو أقل قليلًا تصل إلى خمسة وثلاثين فى المئة، والإخوان لهم من خمسين فى المئة إلى خمسة وخمسين فى المئة. والباقى يوزّع على الحبايب من التيارات الإسلامية الأخرى، سلفيين وجماعات وغيرها، وبذلك الكل يتراضى والكل بالبلدى ياكل عيش. ويتمكَّن الإخوان من السيطرة الفعلية على كل مفاصل الدولة. وتشكّل الحكومة من أغلبية البرلمان ومعهم بعض الوزارات من القوى المدنية، تلك هى القسمة التى طالب بها ماكين كل الأطراف التى قابلها وتمت الموافقة عليها رغم أن الأمريكان يريدون تحكم الإخوان فى أمور البلاد لتمرير كل مخططهم فى المنطقة، ومن أجله جاء الإخوان إلى الحكم، وسيستمرون لمدة تتراوح ما بين خمس إلى عشر سنوات، لكن تلك الصفقة تمت من أجل الصورة أمام الرأى العام الأمريكى. وغير ذلك فكله هزل مضحك ومبكٍ ومحزن. لا تثقوا فى أحد مما ترون. فكل السادة المناضلين الشباب والعجائز منهم كلهم على اتصال مباشر أو غير مباشر مع الأمريكان. الكل والجميع يمد خطوط الاتصال. منهم مَن هو مقتنع ومنهم مَن يرى أنه من أجل البلاد، ومنهم الانتهازى ومنهم المتورط معهم حتى رأسه، ومنهم المؤمن المطمئن. لا تصدقوا أحدًا ممن ترون. لا بد أن نتعامل بواقعية أكثر مع الظرف الراهن دون عنجهية وغرور وجهل وتعالٍ وافتراء على هذا البلد المسكين المتهالك الفقير المريض. الذى لا يأمن من جوع ولا يأمن من خوف. الإخوان لن يرحلوا بالبرامج الفضائية ولا بالمونولجستات من المذيعين ولا بالمقالات الصحفية ولا بالتعليق على الأحداث من الكتاب ولا بالجرائد. الإخوان لا يخرجون إلا بالدم. وهذا الشعب المسكين لا يهتم بكل هذا الهراء. لو تتبعنا الانتخابات والاستفتاءات السابقة نتأكد من ذلك. خمسون مليون مواطن لهم حق التصويت يذهب منهم فقط نحو عشرين مليونًا، أى أن هناك ثلاثين مليونًا ليس لهم لا فى الطور ولا فى الطحين. بل مَن يهتم بكل ما ترونه من أحداث سياسية لا يمثل سوى اثنين فى المئة فقط من الشعب المصرى، والباقى غير موجود على الإطلاق. والسادة المفكرون والمنظرون يقولون إن الإخوان خسروا الشارع. ولم يقدِّموا لنا دليلًا واحدًا على صحة كلامهم، فلم يحدث أى شىء سوى بعض الشتائم والسخط على ما يحدث، فمدينة مثل أسيوط قتل القطار أطفالًا فى أوتوبيس مدرسة، ماتوا جميعًا. هى من أكبر المدن التى قالت «نعم» على الدستور. حتى لو أبعدنا نسب التزوير فلن تتجاوز العشرين فى المئة على أعلى تقدير. وفى الانتخابات البرلمانية القادمة سيعطى الناس صوتهم للإخوان مع بعض التزوير المعتاد. وسيصل الإخوان إلى ما يريدون ولما يريده الأمريكان. الأمل الوحيد فى المستقبل هو هذا الشباب الطاهر الوطنى المتمرّد، مَن هم تحت العشرين عامًا والمنتمون إلى وطنهم دون شوائب أو مصالح سياسية. هؤلاء هم الأمل الباقى، والعنف الذى يستخدمونه للتعبير عن رأيهم والحصول على ما يريدون هو سلاحهم ضد الإخوان. هؤلاء هم الأمل. وهم المستقبل، ولا بد أن تبتعدوا عنهم بكل شوائبكم وخيابتكم وبلادتكم وخيانتكم. هؤلاء سيقفون ضد الإخوان وضد التخلف والرجعية. ولا أحد غيرهم.