مع اقتراب الاحتفال أو الاحتفاء بالعيد الثانى ل«الثورات العربية» لا أحد يستطيع من أهل واشنطن، ولا أحد يريد، أن يخفى قلقه تجاه تطورات الأحداث أو توترات الأوضاع فى المنطقة. ولمصر نصيب كبير من هذا القلق، ومن ذلك التوتر أيضا. ومَن يقول غير ذلك إما أنه يخدع نفسه وإما أنه يحاول أن يخدعنا لغرضٍ أو هدفٍ ما هو أدرى به. فالصورة التى تعكس الواقع ما زالت تتميز ب«الضبابية» و«عدم الاستقرار» و«التخبط فى الاختيارات» و«الانقسام الحاد وربما الممتد». وبما أن مسؤوليتى تقتضى أن أنقل المشهد كما هو مهما كان مؤلما أو محبطا فالأمر (وربما الأمر منه مستقبلا) لا مفرّ منه ولا تبرير لتجاهله. وقد جاء حديث الرئيس مع شبكة «سى إن إن» ليسلط الأضواء الأمريكية من جديد وبطريقة مكثفة على مصر وأوضاعها ورئيسها ونظرته إلى الحاضر والمستقبل. خصوصا أن الإعلامى الشهير وولف بليتزر وبحكم درايته الواسعة بأحوال المنطقة تناول كل ما يخص مصر بالتفاصيل وذهب إلى ميدان التحرير وشاهد الجرافيتى. كما أنه قسّم حواره مع الرئيس مرسى وما صرح به على عدة أيام بدءا من الأحد (6 يناير) وصولا إلى الأربعاء (9 يناير) ليعرض ما قاله الرئيس وما شاهده فى مصر وما يعتقده تجاه كل هذه الأمور بعد أن عاد إلى واشنطن. فى اليوم الرابع بعدما تحدث الإعلامى الأمريكى مع الرئيس المصرى عن الديمقراطية وحرية التعبير والأقباط فى مصر ونقل المشهد من ميدان التحرير قال بليتزر لزميلته فى الاستوديو إن الرئيس مرسى أمضى سبع سنوات فى جامعة جنوب كاليفورنيا ليحصل على الدكتوراه، وإنه عاش فى الولاياتالمتحدة وبالتالى (هكذا قال وولف بليتزر) «يعرف ماذا أريد أن أسمعه، وماذا يريد أن يسمعه الغربيون والأمريكيون وأنه يقول كل هذه الأشياء الصحيحة. والسؤال هو: هل سيفعل ما قاله؟ وهل ستكون أفعاله بقوة أقواله؟» ثم ذكر بليتزر أن أغلب الخبراء الذين يعرفون مصر لا يعرفون إلى أين ستسير مصر. وقال أيضا: «سنرى ماذا سيقوله (مرسى) عندما يأتى إلى الولاياتالمتحدة ليقابل الرئيس أوباما قبل نهاية شهر مارس المقبل؟ ولكن الأهم هو: ما سيفعله؟ لنرى ماذا يحدث على أرض الواقع؟ وسوف نراقب هذا عن كثب». وقال بليتزر أيضا فى ما بعد إنه عندما عاد إلى واشنطن ذكر له عديد من المسؤولين الأمريكيين وأيضا الخبراء «كُنْ حَذِرًا».. «وحذّرونى من أن أصدق كل شىء يقوله الرئيس مرسى». حديث «سى إن إن» أثار الانتباه فى اليوم الأول بما ذكره الرئيس مرسى عن ضرورة رحيل الأسد عن السلطة والإشارة إلى احتمال مثوله أمام محكمة العدل الدولية (إذا أراد الشعب السورى ذلك) إلا أن القضية التى أُثيرت فى اليوم التالى كانت لها ردود أفعال عالية النبرة وشديدة اللهجة. الإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن وتسليمه لمصر أو «تحسين أحواله» وأن الرئيس مرسى -حسبما قال- سيقدم طلبا بذلك للرئيس أوباما عندما يلتقى معه. وهذا الأمر كما أعلنت عنه الخارجية من قبل «غير مطروح بالمرة» وقد أكدته من جديد منذ أيام بقولها على لسان متحدث باسمها «ليس هناك خطط للإفراج عن الشيخ الضرير أو نقله إلى مصر» و«أن التقارير التى تقول عكس ذلك كاذبة على الإطلاق». كما أن النائب مايكل ماكول رئيس لجنة الأمن القومى بمجلس النواب (وهو جمهورى من ولاية تكساس) طالب الرئيس أوباما بالثبات على موقفه وأن لا يقبل بالتماسات متجددة من جانب الرئيس المصرى بالإفراج عن «الشيخ الضرير» «وهناك دم أمريكى على يديه». محذّرا من أن الإفراج عن الشيخ عمر «قد يُنظر إليه كعلامة كبرى للضعف على امتداد عالم التطرف الإسلامى». وما دام تم فتح الملف وتبنته شبكة «فوكس» اليمينية المتشددة ووجد أصداء لدى أقلام يمينية فإن الأمر سيظل مطروحا للنقاش الحاد والمحتدم فى الأيام المقبلة وأيضا للهجوم على الرئيس مرسى ومن ثم الرئيس أوباما. ويُذكر أن الحوار الأساسى مع شبكة «سى إن إن» جرى باللغة العربية وبالتالى كل ما يخص «نص ما قيل» عن الأسد أو عمر عبد الرحمن أو الفلسطينيين أو إسرائيل واتفاقية السلام والديمقراطية فى مصر والأقباط وحرية التعبير والبرادعى وعمرو موسى وباسم يوسف قد قيل باللغة العربية، وبالتالى من الطبيعى (والمنتظَر) أن تقوم الرئاسة وجهازها الإعلامى بنشر النص الكامل بدلا من أن يتم التعامل مع النص الإنجليزى، ومن ثم ترجمته ثم الشكوى من حدوث أخطاء أو النفى بأن ليس هذا هو ما قاله الرئيس. كما أجرى بليتزر حوارا «دردشة» بالإنجليزية وهو يمشى مع الرئيس مرسى تحدث خلاله عن «صداقة حقيقية» مع أمريكا والاستفادة من خبراتها فى نقل التكنولوجيا. وأيضا عن إقامة الديمقراطية ومحاربة الفساد. ولم يتوقف الحديث فى واشنطن عن الوضع الاقتصادى المخيف فى مصر وعن عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد. كما لم يتوقف الحديث عن التحول الديمقراطى وحرية التعبير ووسائل الإعلام. ومن هنا تأتى أهمية زيارة مسؤولين بالخارجية إلى مصر وأيضا أعضاء من الكونجرس وعلى رأسهم السيناتور جون ماكين، أكثر القيادات من الجمهوريين اطّلاعا ومعرفة وجرأة فى الشأن الخارجى وفى السياسات الأمنية والدفاعية الأمريكية. وفى الدورة الجديدة ال113 للكونجرس يشغل ماكين عضوية عدة لجان فى مجلس الشيوخ منها لجنة العلاقات الخارجية ولجنة القوات المسلحة ولجنة الأمن القومى. وبما أن الجمهوريين يمثلون الأقلية فى مجلس الشيوخ الحالى فإن السيناتور ماكين يمثّل المعارضة. وماكين (76 عاما) يمثل ولايته أريزونا فى مجلس الشيوخ منذ عام 1987. ووالده وجدّه كانا من قيادات القوات البحرية وهو محارب قديم شارك فى حرب فيتنام وتم أسره. ماكين السياسى لا يتردد فى الكشف عن مواقفه والحديث عنها علنًا وصراحة فى كل مناسبة. وهو من أكثر السياسيين الأمريكيين إصرارا وإلحاحا على المطالبة بالتدخل الأمريكى فى سوريا وإنقاذ الشعب السورى. وهو يرى أن ما كانت تتخوف منه الإدارة بسبب التدخل العسكرى حدث وبشكل أكثر حدة وخطورة وبضحايا أكثر. ولا شك أن ماكين له صوته واحترامه ونفوذه وأيضا دهاؤه السياسى فى دفع القضايا وإثارة الأمور. وقد التقى قيادات الإخوان خلال عام 2011، كما أنه فى ما بعد شكرهم مثلما شكر «العسكرى» بعد أن تم التوصل معهم إلى اتفاق بشأن ترحيل الأمريكيين المتهمين فى قضية «التمويل الأجنبى». ويُذكر أن خطواته هذه كشفها ماكين من خلال «تويتر». ويصل عدد متابعيه على «تويتر» إلى نحو مليون و800 ألف. وإذا كان ماكين قد رحب بمحمد مرسى رئيسا فإنه لم يتردد أيضا فى 25 من نوفمبر الماضى عندما أخذ الرئيس مرسى مجموعة قراراته الشهيرة، فى أن يطالب الإدارة بالتنديد بما فعله، وقال فى حديث تليفزيونى موجِّها كلامه إلى الرئيس مرسى: «هذا ليس ما تتوقعه الولاياتالمتحدة ودافعو الضرائب فيها وأن دولاراتنا سوف تكون مرتبطة مباشرة بالتقدم نحو الديمقراطية التى وعدت بها شعب مصر عندما تم انتخاب حزبك وانتخابك كرئيس». ولوّح باستخدام المعونات والصفقة مع صندوق النقد و«توجيه الرأى العام العالمى» كأدوات للضغط على مرسى! إن اللقاء المرتقَب ما بين قيادات مصرية معارضة ووفد من الكونجرس يرأسه السيناتور الشهير جون ماكين بالتأكيد سيتيح الفرصة لفهم أفضل أو على الأقل لتواصل أفضل ما بين كبار السياسيين الأمريكيين وشخصيات سياسية «غير إخوانية» تطرح تصورها لمصر المستقبل وتشرح اعتراضها لما يريد أن يصل إليه مرسى والإخوان وكيف أن هذا التصور أو التوجه الإخوانى قد يتعارض ويتباين عما يمكن تسميته ب«التحول الديمقراطى». وبما أننا نتابع هذه التطورات علينا أن ننتظر لنشاهد أو نقرأ ماذا سيقوله السيناتور ماكين بعد لقاءاته وأيضا ماذا سيقوله المصريون سواء من هم فى السلطة أو من هم فى المعارضة؟ وهذا هو الاختبار الحقيقى للشفافية فى التعامل مع الخارج وفى التعامل مع الرأى العام. وهذا من أساسيات التحول الديمقراطى المنتظر.