مصادر أمريكية: وزير الخارجية الجديد جون كيرى أظهر تشددا كبيرا بخصوص تطورات الأوضاع فى مصر لم يطرأ حتى الآن «كما يبدو» أى تغيير فى موقف واشنطن تجاه ما يحدث فى مصر. وقد التزمت واشنطن «رسميا» بالصمت فى الأيام الأخيرة بعد تعليق مختصر و«دبلوماسى» لها يوم الاثنين الماضى 17 ديسمبر، عن الجولة الأولى من الاستفتاء وما تردد عن تجاوزات وانتهاكات فى عمليات التصويت، وطالما لم تكتمل العملية فالأفضل الانتظار، هكذا قالت.
إنه الصمت المبين أو السكوت التام وإن كان البعض ينوه أو يشير إلى أن هذا السكوت ليس «علامة رضا» بقدر ما هو «ما باليد حيلة» أو «نسكت ونشوف أخرتها إيه؟» خصوصا أن الرسالة المعبرة عن «قلق بالغ» لدى واشنطن تجاه عملية صياغة الدستور ومضمونه وأيضا تجاه ما تشهده مصر من توتر واحتقان وانقسام قد تم إبلاغها علنا من قبل وقد تكرر إبلاغها من خلال قنوات دبلوماسية واتصالات رفيعة المستوى لمن يعنيه الأمر، أو لمن يجب أن يعنيه الأمر أو لمن بيده القرار. ويجب أن أذكر هنا أن بعض الأقلام فى الصحافة وبعض الأصوات فى الكونجرس لم يعجبها هذا «الوضع المايل أو المايع» لذا طالبت فى الأيام الأخيرة تحديدا بأن تكون واشنطن أكثر حزما ووضوحا وحسما فى تعاملها مع مرسى والإخوان قبل أن تستفحل الأمور.. و«تضيع مصر»!!
وبالتأكيد الأنظار متجهة هذه الأيام إلى مصر لمتابعة ومعرفة كيف ستخرج مصر من هذا المأزق؟ وكيف سيدير الرئيس مرسى ومعه الاخوان تفاقم الأمور وتوتر الأوضاع..و«الحوار الوطنى»؟ والأسئلة المطروحة إياها على الساحة الأمريكية: كيف سيكون المشهد المصرى بعد إعلان نتيجة الاستفتاء على الدستور؟ وماذا سيكون رد فعل الشارع المصرى؟ وكيف ستتعامل الرئاسة مع الشارع وغضبه؟ وكيف سيحدد الجيش موقفه وموقعه من تلاحق الأحداث؟ والسؤال الأكبر: ترى ماذا سيكون موقف واشنطن من كل هذه التحديات المحتملة والمرتقبة؟ والإجابة المكررة، وهى بالطبع ليست النموذجية، هى أن واشنطن تجد نفسها فى الوقت الحالى أمام خيارات قليلة ونفوذ محدود وهى تتعامل مع القاهرة. وقد ترددت هذه العبارة على مسامعى فى أكثر من لقاء وندوة وحلقة مناقشة وحوار خاص خلال الأيام القليلة الماضية. ثم تأتى الإجابات الأخرى التى يجب أن نسمعها، حتى لو كانت لا تعجبنا أو لا تقنعنا، مثل «إنه شأن مصرى فى كل الأحوال» و«واشنطن لا تريد فراغا سياسيا وهى تتعامل مع الواقع ومن لديهم الاستعداد أو الرغبة لتولى زمام الأمور وملء هذا الفراغ» و«مهما كانت أخطاء الإخوان فأين البديل؟ وأين المعارضة وهى المنقسمة على نفسها و«تتخبط» وينقصها التنظيم والاستعداد لتحمل المسؤولية». وليس بالأمر المستغرب أن نجد فى واشنطن «النغمة إياها» و«الحكايات إياها» عن «الليبراليين وأوهامهم» و«نيو فلول» «كما قال أحد الخبراء، و«إحياء عهد مبارك». كما نجد فى الجهة المقابلة إشارة الخارجية الأمريكية وتحذيرها من «عدم تكرار أخطاء عهد مبارك» ووصف بعض المعلقين «أن مرسى هو مبارك بلحية». ومن ثم يمكن الاستنتاج أن الطريق إلى واشنطن ولقاء رئيسها وأهلها، ليس مفروشا بالورود أمام الإخوان ولا يمكن «التطنيش عما يفعله مرسى بشعبه فى مصر». ملحوظة أخرى يجب ذكرها أن الحديث عن الإخوان فى واشنطن تغير «فعل ماض» ويتغير «فعل حاضر» مثلما تغير ويتغير الحديث عنهم فى مصر.
ومع اختيار السيناتور جون كيرى وزيرا للخارجية خلفا لهيلارى كلينتون تثار التساؤلات حول هذا السيناتور الديمقراطى المحنك «منذ نحو ثلاثين عاما فى الكونجرس» وكيف سيتعامل مع الملف المصرى بكل تفاصيله. وهو المطّلع على أبعاده والمدرك لأهميته وتعقيداته، والأهم أنه التقى وتعامل بكل من لعبوا ويلعبون أدوارا رئيسية فى صناعة القرار فى مصر، ماضيها وحاضرها. ومثلما تعامل كيرى مع مبارك تعامل مع الأسد فى سوريا وكرزاى فى أفغانستان والقادة فى باكستان وأخيرا فى زمن الثورات العربية مع الإخوان المسلمين. كيرى، 69 سنة، التقى أخيرا فى واشنطن بالدكتور عصام الحداد مساعد الرئيس للعلاقات الخارجية والتعاون الدولى خلال زيارة الوفد الرئاسى «الإخوانى» الأخيرة للعاصمة الأمريكية. وقد التقى الوفد من ضمن من التقوا بثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى. هم السيناتور جون كيرى وجون ماكين وجوزيف ليبرمان. وقد نقلت عن مصادر أمريكية أن السيناتور كيرى «أظهر تشددا كبيرا بخصوص تطورات الأوضاع فى مصر». كيرى الذى يشغل حاليا منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ كان فى مصر فى شهر مايو الماضى والتقى بمحمد مرسى المرشح الإخوانى ورئيس حزب الحرية والعدالة حينذاك. ومن قبل كان فى مصر فى ديسمبر 2011 وشارك فى لقاءات عديدة مع قيادات مصر وقيادات الإخوان، ومنهم مرسى والكتاتنى والعريان. ومثلما أعرب كيرى كثيرا عن تفاؤله بحذر بخصوص مصر فإنه لم يتردد كلما تحدث عن مصر أن يشير إلى مخاوف تراوده حول حاضرها ومستقبلها، خصوصا فى ما يخص الممارسة الديمقراطية وحقوق المواطنين بها وأيضا قلقه تجاه مستقبل السلام مع إسرائيل. ويرى المراقبون أن تولى كيرى لمنصب وزير الخارجية مع التطورات المتلاحقة فى دول «الربيع العربى» تضعه أمام تحديات جديدة وتساؤلات عديدة حول دوره المنتظر، وذلك بالتنسيق مع مجلس الأمن القومى بالبيت الأبيض ومستشار الرئيس توم دانيلون الذى يحظى بثقة الرئيس وأذنه، كما يقال، فى مواجهة الأزمات والملفات الساخنة على خريطة العالم.
ولا شك أن الحديث عن المعارضة المصرية لم يتوقف ولن يتوقف. كما أن نغمة «التقليل من شأنها» لم تتغير كثيرا. المعارضة التى توصف أحيانا ب«الليبراليين» وأحيانا ب«العلمانيين» أو «غير الإسلاميين»، حسب التسميات المتداولة، يجب أن تجد اهتماما أكثر من ذى قبل. هذا هو ما يطالب العديد به من مراكز الفكر فى أن تنوع واشنطن اتصالاتها مع جميع الأطياف فى المشهد المصرى والمشاهد العربية الأخرى وأن لا تضع «رهانها» و«ثقتها» فقط فى الإسلاميين متجاهلة الآخرين. واشنطن تؤكد أنها تتعامل مع الكل أو هكذا تقول. وحول هذا الأمر كتب أخيرا اليوت إبرامز أحد مستشارى الرئيس بوش الابن «من الواضح أننا لا نستطيع أن نخوض معاركهم من أجلهم وأن عليهم أن ينظموا أنفسهم بشكل أفضل مما هم عليه الآن. ولكن يوجد شيآن نحن بالتأكيد، يمكن أن نقوم به. أولا أن نوقف التظاهر بأن الإسلاميين بمن فيهم الإخوان المسلمون، ديمقراطيين أو معتدلين. وأن نبدأ الحديث علنا عندما تقوم حكوماتهم بالحد من حرية الصحافة والتعبير والتجمع. وتقييد استقلال القضاة وسيادة القانون أو تقويض حقوق الإنسان». وأضاف إبرامز بأنه عندما يصدر تعبير عن الخارجية الأمريكية يتحدث عن «قلق» فإن هذا لن يحسم الأمر. وفى رأيه «أن الرئيس ووزير الخارجية يجب أن يتحدثا علنا وبشدة من أجل القيم الأمريكية» مضيفا: «نحن لا نستطيع ضمان انتصار للديمقراطيين العرب، ولكن مصالحنا ومبادئنا معا تعنى أننا لا نستطيع أن نهملهم خلال صراعهم من أجل الديمقراطية».
إن الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت والمواجهات والمصادمات والمواقف والتوقعات وخيبات الأمل، ومن خلالها ستظهر واشنطن ما تريد أن تفعله وما تستطيع أن تفعله.