هل هى حمى رجال الدين التى أصابت كثيرين فى مصر؟ أم أن مساوئ وسباب ولعنات شيوخ الفضائيات هى التى جعلت المصريين ينظرون إلى الشيخ محمد العريفى، كأنه المثال الوحيد لسماحة الإسلام؟ وهل ما زلنا نحتاج إلى من يقول لنا «اشتهر أهل مصر بطيب الأخلاق واللطف مع الأغراب والرفاق»، هل هذه الكلمات هى الجديد الذى لم نكن نعرفه فجاء العريفى ليعرفنا به؟! العريفى حضر إلى مصر زائرا منذ أيام بعدما دعاه شيخ الأزهر، لأنه أشاد بمصر فى خطبة له -وكأنه عمل عظيم لم يفعله شخص آخر على الإطلاق-.. هذه الخطبة التى قال الرجل فيها كلاما إنشائيا لا يمت إلى الحقيقة والواقع بأى صلة، لكننا أصبحنا نصدق أى كلام ومن أى شخص ما دام يشعرنا بأننا أحسن دولة فى العالم. يقول العريفى: («مصر بها خزائن الأرض»، و«مصر قاهرة الأمم»)، ونحن هكذا ودون تفكير اعتبرناه إطراء واعترافا بمكانة مصر التى يشعر بها الجميع إلا نحن هنا على أرضها.. هل وصلنا إلى الدرجة التى نصدق فيها أى كلام ونتأثر به لمجرد أنه يمجدنا ويعطينا مكانة غير تلك التى وصلنا إليها، وواقعنا اليومى يؤكدها أمام أعيننا آلاف المرات؟ فجأة هكذا يؤكد الداعية لنا أن بلدنا بها خزائن الأرض فى الوقت الذى نعانى فيه من نقص -يقترب إلى الإفلاس- من الاحتياطى الأجنبى، وأصبح بلدنا «قاهرا للأمم» بينما لا نستطيع حتى حماية سيناء من العناصر الإرهابية. العريفى ليس داعية إسلامى فقط، لكنه يعمل أستاذا مساعدا بجامعة الملك سعود، وله كل الحق فى الحديث عما يشاء كيفما يريد، لكن لنا أيضا كل الحق فى السؤال حول تَذكر الشيخ لمصر «كده مرة واحدة ودون مقدمات».. كنت فين يا شيخ؟ هل انتهيت من أسئلة إزالة الشعر من بين الحاجبين فتذكرت مصر وأهلها؟ جاء العريفى إلى مصر ليحدثنا عن سماحة الإسلام -بالتأكيد وصل له خبر أن إخوانه من السلف والإخوان كفرونا- لكنه لم يحدثنا عما فعل السفهاء من الإخوان والسلفيين بنا، ولم يكن الرجل سوى برد وسلام عليهم ويقول «هناك كلام حق لا يصلح أن يقال للعامة حتى لا يساء فهمه، فما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة». ثم ليقل لى شخص أى حقيقة علمية تؤكد مثل هذا الكلام الذى يقوله الشيخ («مصر لو نهضت نهض العالم العربى والإسلامى كله ولو سقطت لسقطوا»).. يا أخى الفارق فى التكنولوجيا والنظافة -على الأقل- بين الدول الخليجية ومصر يفوق الخيال، واقتصاديا جميع من فى العالم يعرفون وضعنا الاقتصادى حاليا -إلا مرسى وجماعته هنا- وعلميا نحمد الله لا احنا ولا العرب نعرف حاجة عن البحث العلمى.. ولم نسمع أو نر السعودية تنهار أو تسقط كما يحدث حاليا عندنا.. ولا هو كلام وخلاص.. أى كلام يريحنا ويحسسنا إننا مهمين وأحسن ناس فى العالم دون أن يكون له أى سند واحد فى الحقيقة التى ألمسها أنا وأنت. مبسوطين إن العريفى يدعو إلى الاستثمار فى مصر.. المجلس العسكرى وعصام شرف وكمال الجنزورى ومرسى من بعدهم دعوا إلى الاستثمار فى مصر.. هل جاءت؟ هل شعرنا أن هناك استثمارات؟ يا بشر احنا على وش إفلاس! لا يوجد شخص واحد فى مصر يكره أن تأتيها الاستثمارات «من كل فج عميق»، لكن الموضوع ليس كلاما إنشائيا وخلاص، والعريفى ليس الشخص الذى يتمتع بثقل عالمى تقاس به درجة الأمان فى البلد، ويتخذ المستثمرون قرارهم بضخ الملايين فى السوق المصرية بناء عليه. للشيخ والداعية كل الاحترام لكننى أتكلم عن أهل مصر وهما ما يهمنى ويخصنى، ألا تشعرون بما فعلت بنا التيارات الوهابية.. أيضا.. هل هذه أول مرة يزور مصر عالم وداعية إسلامى؟ ولما كل هذا الاحتفاء الذى لا أراه مبررا حتى الآن ومن حقنا السؤال عن أسبابه؟ سواء كان السؤال للأزهر الذى لا نعرف هل سيدعو كل من يتحدث فى خطبته عن مصر إلى زيارتها ولقائه فى المشيخة وإلقاء خطبة فى أحد أكبر مساجد مصر وأولها فى البناء؟! يقول العريفى فى لقائه التليفزيونى مع عمرو الليثى إن مصر تكاد لها المكائد والدسائس، وهو نفس الخطاب الذى صدعنا به محمد مرسى وخيرت الشاطر ومحمد بديع دون أن يأتى أى منهم بدليل واحد على ما يقول حتى الآن.. ويضيف الشيخ والداعية الإسلامى أن هناك «سهام إعلامية سلطت على مصر».. أى إسهام تسلط ضد بلد رئيسه يقتل معارضيه، ويكتب له دستورا على مزاجه ومزاج جماعته، ولا يجد فيه الفقير شيئا يأكله. بعض ممن انتظروا العريفى كانوا مثل الأرامل الذين يبحثون عن كلمة تطمئنهم حتى ولو كانت خادعة، كأن مصر كلها بحواريها وشوارعها ومؤساستها وتاريخها وجغرافيتها تنتظر الرجل ليلمس بإصبعه على جروحها ويتمتم بكلمات غامضة حتى تتحول عباراته إلى قضاء وقدر. كان أولى بالشيخ أن يعطى الإخوان درسا عن عقاب الكذب فى الدنيا والآخرة وبالنصوص أيضا -ما دام يؤكد مكانة مصر بالنص- ويقول لهم إن الأفضل أن يعاملوا مسيحيى مصر بشكل يليق بأننا مسلمون بدلا من دعوة اليهود إلى العودة.. وقضايا أخرى كثيرة واضح أن محمد العريفى يغض بصره عنها مثل شيوخ ما قبل الثورة فى مصر!