ربما كان اختفاء مركب صيد نتيجة اضطراب الأحوال الجوية والنوة الشديدة التى حدثت منذ أيام بمطروح وغيرها من الأماكن الساحلية شيئا متوقعا وقد يحدث من حين لآخر، ومن المتوقع أيضا أن يثير القلق والخوف على مصير هؤلاء الصيادين البسطاء، ولكن من غير المتوقع هو هذا الأسلوب فى التعامل مع هذا الحدث من قبل القوات المسلحة. فقد صدر بيان للمتحدث العسكرى العقيد أحمد على بأنه فور تلقى القوات المسلحة إشارة استغاثة من مركب صيد فى منطقة رأس الحكمة بمطروح يفيد بتعرضه للغرق، أصدر وزير الدفاع شخصيا أمرا للقائد العام للقوات المسلحة بدفع طائرتين مروحيتين بالإضافة إلى طائرة نقل كبيرة «سى 130» إلى جانب سفينة حربية انطلقت من قاعدة الإسكندرية البحرية لتنفيذ أعمال للبحث عن الصيادين المختفين فى منطقة القارب المفقود، إلى جانب قوارب مطاطية مجهزة بوسائل إعاشة، وأفاد أن القوات المسلحة تتولى عملية البحث وسط أجواء شديدة الصعوبة أملا فى إنقاذ الصيادين. بالطبع كلنا أمل فى عودة هؤلاء الصيادين البسطاء إلى ذويهم الذين دفعهم أكل العيش للنزول بمركب الصيد فى وسط هذه الأجواء المضطربة، ولكن هذا السلوك الإيجابى من قبل القوات المسلحة أدهشنى وسرنى فكان بمثابة نقطة ضوء فى نهاية نفق مظلم. سأشرح أولا ما أقصده بالسلوك الإيجابى، فالقوات المسلحة (جهة مسؤولة) قد أدت اهتماما بأمر الحادثة منذ اللحظات الأولى، ولم تهمل إشارة السفينة لعدة ساعات كما اعتدنا فى سيناريوهات حوادث غرق سابقة وأشهرها «العبارة 98» فى عام 2006 التى تعتبر أسوأ كارثة فى تاريخ حوادث غرق العبارات فى مصر، وأيضا أنها اهتمت بالتعبير عن هذا الاهتمام من خلال وسائل الإعلام لتعرف المواطنين بدورها فى الحماية وجهودها المبذولة فى الإنقاذ. لعلك تشاركنى الشعور بالأمل من جراء هذا السلوك الذى يتبع عادة فى الدول المتقدمة، وهو محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وعدم الانتظار لما بعد الكارثة كالمعتاد فى كوارثنا السابقة. وقد ذكرتنى هذه الحادثة بأخرى مشابهة حدثت العام الماضى فى مدينة كورك بأيرلندا عندما غرق مركب صيد مصرى على الشواطئ الأيرلندية حيث البحر الأيرلندى، وقد تندهش لأن يكون هناك مركب صيد مصرى فى هذا المكان، ولكن الحقيقة أن هناك العشرات من الصيادين المصريين المستوطنيين منذ سنوات طويلة فى مدن أيرلندية ساحلية بحثا عن لقمة العيش، وظلت البحرية الأيرلندية تجوب المنطقة التى اختفى فيها المركب لبضعة أيام مع الطائرات المروحية وسفينة حربية وأيضا كانت نشرة الأخبار تخصص دقائق يوميا لمتابعة جهود الإنقاذ، حتى وجدوا المركب غارقا إلا أنهم تمكنوا من انتشال بعض الناجين. الجميل أنه رغم هذه الحادثة المأساوى فى مدينة كورك، فإن روح التضامن الإنسانى برزت بوضوح من جانب سكان المنطقة الأيرلنديين الذين أقاموا الخيام فى الميناء وبدؤوا فى تقديم البطاطين إلى أهالى المتغيبين وأشعلوا المواقد وشرعوا فى طهى الطعام، بل إن بعضهم قام بصنع فلافل مصرية وهى أكلة معروفة هناك لإدخال بعض السرور على هؤلاء الأهالى وتشجيعهم على تناول طعام يحبونه. والبعض عرض عليهم المبيت فى بيوتهم القريبة من الميناء تجنبا لمشقة الذهاب والعودة من بيوتهم البعيدة كل يوم للاطمئنان على ذويهم، فهم أهل مهنة واحدة وهم يدركون جيدا ويتفهمون مدى الألم والمعاناة التى يمكن أن يعانيها المرء فى مثل هذه المواقف التى لا يضمن أحد السلامة منها. هذه الروح الإنسانية الطيبة لا تتقيد بزمان أو مكان، ونتمنى أن تظل قائمة ومستمرة، وليت هذه الجهود المبذولة من قبل قواتنا المسلحة للبحث والإنقاذ تكون نموذجا يحتذى به للقائمين والمسؤولين فى مجال الخدمات المختلفة من سكك حديد ومرور ومستشفيات وغيرها. لا شك أن هذه الجهود ستؤيد بوابل من الدعوات والتمنيات بالتوفيق من قبل المواطنين عندما يقرؤون أو يعلمون عنها شيئا، لأنهم سيشعرون حينها أن هناك حقا من يسهر على راحتهم، وأن أرواحنا غالية على وطننا.