بعد معركة عنيفة خاضها التيار المدني في مصر بشأن الاستفتاء على الدستور على الفضائيات ، و سيطرة التيار المتأسلم على الصناديق داخل اللجان و خارجها ، تم إقرار الدستور الجديد لمصر الذي يَنْظر إليه الإخوان باعتباره دستور الأمة الذي سوف يخرجها من الظلمات إلى النور، و يَنْظر إليه أنصار الدولة المدنية بعين الريبة و الشك باعتباره الدستور الصانع للفرعون المستبد و باعتباره الدستور الذي أصابه " عوار التزوير " مرتين : مرة أثناء كتابته ، ومرة أخرى اثناء إجراءات الاستفتاء عليه . و المعتاد في صناعة الدساتير أنْ يتم الاتفاق أو التآمر لصناعة مادة خاصة بالملوك و الرؤساء و الأمراء و الخلفاء من أجل تخليدهم في الحكم أو من أجل خلعهم منه ، أما دستور مصر الجديد أو دستور الإخوان - كما يراه البعض - فإنه انفرد بصناعة مادة دستورية لعزل " امرأة مصرية " بدرجة قاض أو مستشار بالمحكمة الدستورية العليا هذه السيدة اسمها " تهاني الجبالي " و لذا اشتهرتْ هذه المادة المصنوعة خصيصا لها تحت ستار مادة إعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا باسم " مادة تهاني " ! أرجو أنْ نفكِّر في الوضع الجديد للمحكمة الدستورية بهدوء ، بعيدا عن المزايدات الثورية ، و بعيدا عن الخصومات المتسرعة في ميدان الجدل السياسي ، ينص الدستور الجديد و الدستور القديم على أنَّ القاضي لا يُعْزل بعد تعيينه قاضيا و المستشارة " تهاني الجبالي " تم تعيينها " قاضية " إذن فهي لا يجوز عزلها مثلها مثل كل المعينيين في درجتها ، و زملاء المستشارة تهاني القضاة في المحكمة الدستورية و الذين يمثلون زيادة عن العدد المنصوص عليه في الدستور الجديد تم " نقلهم " لوظائفهم القضائية التي كانوا عليها ، أما المستشارة " الجبالي " فقد تم " عزلها " تماما من القضاء . ولا ينبغي أنْ يكون اختلافها الفكري مع النظام الحاكم سببا في إهمال مناقشة هذه الفكرة ، كما أن النظام الحالي لا يحق له عزل القضاة لمجرد أنهم يختلفون معه . إذن فالمستشارة تهاني تم عزلها عن القضاء بالمخالفة للدستور الجديد الذي ينص صراحة على أنَّ القاضي لا يُعْزل ، و هو ما كان ينص عليه دستور 71 السابق و الإعلان الدستوري السابق ، و يمكن أنْ يقال إنّ عزل المستشارة تهاني لم يأت من خلال قرار تنفيذي حتى يمكن الاعتراض عليه ،و إنما جاء من خلال مادة دستورية وافق عليها الشعب و أقرها الشعب و لا يمكن مخاصمة الشعب ، أو الاعتراض على إرادته ، و يمكن الرد على هذا بأنّ الشعب وافق على مادة صريحة ومباشرة تقضي بعدم جواز عزل القاضي ، أما موافقة الشعب على عزل " القاضي : تهاني الجبالي " فهي موافقة غير مباشرة و غير صريحة و غير مقصودة لذاتها و قد جاءتْْ نتيجة غفلة ، وعدم إدراك كامل أنّ إعادة تشكيل المحكمة الدستورية سوف يؤدي إلى عزل " بعض القضاة " ، و لأن القول بأن هذا كان مقصودا من واضعي الستور و كاتبيه فإنّ هذا معناه أنهم كتبوا دستورا متناقضا في ذاته فبعض مواده تقول شيئا و بعضها الآخر يقول شيئا نقيضا ، و التناقض لا يخفى بين النص على عدم عزل القضاة ، و بين النص الذي يسمح بعزلهم ، فإذا أضفنا إلى هذا باقي المواد الدستورية التي تُعْلي مِن شأن المرأة المصرية و تنصفها كما أنصفها الإسلام منذ أكثر من أربع عشرة قرنا من الزمان تأكد لنا أن الإخوان المتقين لا يمكن أن يكونوا قد " دبّروا " مادة خصيصا للقضاء على المرأة الواحدة و الوحيدة في سلك القضاء الأعلى .