شحن معه طنا من المنقولات من شقته فى العاصمة الأوروبية إلى مصر. نقل الطرود جوا تم عن طريق شركة مصر للطيران، بعد تأخير عدة أيام عن الموعد المقرر جاءت الطرود. أبلغوه فى الصباح بوصولها فقطع زيارته لأهله وعاد إلى القاهرة لكى يتسلم تلك الطرود. يعلم قبل أن يذهب إلى قرية البضائع أن تخليص الطرود عملية شاقة، أُريدَ لها أن تكون شاقة. فى الطريق إلى قرية البضائع تلقى مكالمة تليفونية من موظف بشركة مصر للطيران يعرض عليه خدمات الشركة نظير «استخلاص» الطرود. سدد مبلغ 137 جنيها عند بوابة قرية البضائع قيمة استمارة تخليص شحنة. ثم توجه إلى مكتب «استخلاص» الشحنات التابع لمصر للطيران. سدد 467 جنيها أخرى للشركة الناقلة، شركة مصر للطيران، لكى «تستخلص» له الطرد الذى نقلته له، والذى نالت أجرا على نقله. ليس هذا فقط، بل دفع «إكرامية» للموظف الذى يقوم بوظيفته لاستخلاص الطرد (الذى دفع ثمن استخلاصه للشركة التى يعمل فيها، إلخ إلخ). فالطرد لم يصل كاملا، وهذا معناه أنه سيتكلف تلك التكاليف مرتين، أو سيترك ما وصل ويدفع مقابل ذلك «أرضية» مضاعفة. بعد عناء وخد وهات يجد الموظف الطرود الناقصة فى مكان ما من المخزن. ومن هنا، يكون العناء قد بلغ بصاحب الطرد مبلغا، واستوى، وصار مستعدا لأن يدفع إكراميات لطوب الأرض «علشان يخْلص». بداية، شركة مصر للطيران تبلغك بوصول الشحنة صباح اليوم التالى لوصولها، لكنها تحسب هذا يوما «أرضية». والمفترض عدلا أن تبلغ بموعد وصول شحنتك قبل وصولها، وأن يتاح لك أن تذهب إلى قرية البضائع لتسلمها فى توقيت وصولها إن أمكنك. أما أن تُبلَغ فى اليوم التالى وتحاسَب إجباريا على تكلفة التخزين (الأرضية) فى الليلة (التى تحسب يوما كاملا) بينما لم تكن تعلم فيها بوجود الشحنة من الأساس فتلك جباية مراوغة. ولأنك تبلغ متأخرا فى الصباح، فلن يكون مجديا أن تذهب إلى قرية البضائع مباشرة لأن اليوم لم يتبق فيه شىء. تُضطر إذن إلى الانتظار إلى اليوم التالى وأن تدفع «أرضية» يومين. أى أكثر من ألفى جنيه. لكن الشىء الذى لا يفهمه، ويغص فى نفسه، هو الجمرك. كيف يطلب من إنسان أن يدفع جمركا على بضاعة مستهلكة؟ طلب منه أن يدفع جمركا عن تليفزيون اشتراه منذ ثلاث سنوات ونصف، وقيمة نقله مضافا إليها قيمته الجمركية التى تفوق قيمته وهو جديد، وهى أضعاف قيمته بوضعه الحالى. وكذلك الحال مع جهاز ميكروويف، وجهاز راديو ومشغل أسطوانات اشتراه قبل ست سنوات بما يوازى 400 جنيه مصرى فقط لا غير. ولكى تكتمل المأساة يكتشف عند وصوله إلى البيت أن هذا التليفزيون الذى دفع تكاليف شحنه ودفع جمركا عليه، كُسرت شاشته فى أثناء عملية الشحن ولم يعد يساوى شيئا، وكذلك الحال بالنسبة إلى الميكروويف، الذى كُسر بابه الزجاجى الخارجى. أما الدراجة الجبلية، التى يظهر مؤشر سرعاتها من خلال إطار شفاف عند مقبض اليد، فقد كسر هذا الإطار وطُمس مؤشر السرعات الخاص بها. باختصار، كل شىء يمكن له أن ينكسر فى هذه الشحنة انكسر ب«دقة» تحسد الشركة عليها. وهو لا يعلم كيف يطالب بتعويض عن هذه الخسائر. ولو أتيح له أن يتأكد من سلامة المنقولات فى أثناء عملية الاستخلاص لاكتشف ما حدث ولوفّر -على أضعف الإيمان- قيمة الجمرك، واستعوض ربنا فى الأجهزة. مليون مقال كُتب عن مصر للطيران، مليون مقال. لكن الشركة تنتقل من سيئ إلى أسوأ. ومؤخرا اختيرت واحدة من بين أسوأ عشر شركات نقل جوى فى العالم. لكن شيئا لم يتغير. لقد صارت اسما تجاريا سيئا، وواضح أن الترهل الإدارى بلغ معها مبلغا لم تعُد تجدى معه لا العلاجات ولا العمليات الجراحية. ولا أعتقد فى سبيل للحل إلا بفتح المجال لمنافسة شركات وطنية وعالمية أخرى فى إدارة المطار وقرية البضائع وفى الطيران الداخلى، حتى تتخلص مصر للطيران من العقلية الاحتكارية الاتكالية التى تحكمها. وحتى ينعكس أداء الموظفين على مداخيلهم.