تخيَّل أنك تجلس فى منزل أحد أصدقائك وتستمع إلى خطاب الرئيس إلى الأمة بعد أزمة استمرت أسبوعًا وقبل ذلك بليلة واحدة فقط كان مؤيدوه قد أطلقوا النار على المتظاهرين المدنيين أمام قصر الاتحادية بمصر الجديدة خلال اشتباكات دامية امتدت على مدار اليوم. تخيَّل أنك عرفت أنه أصدر إعلانًا دستوريًّا غير قانونى أدى إلى إشعال الأزمة وإحداث حالة من الانقسام فى البلاد لأن أحد المتهمين فى أحداث موقعة الجمل -حسب كلماته- والذى تم تبرئته من خلال المحاكمات، عقد اجتماعًا فى مكتبه مع ثلاثة أشخاص آخرين لم يكشف عن هويتهم! الرئيس الذى تقع تحت مسؤوليته أجهزة أمن الدولة والمخابرات العامة والمخابرات الحربية ووزارة العدل والشرطة ومكتب النائب العام يعلن أنه لم يكن لديه خيار سوى أن يصدر إعلانه الدستورى لمجرد أن أربعة أشخاص عقدوا اجتماعًا! وتخيَّل أن الرئيس يلعق أصابعه بلسانه كلما أراد أن يقلّب بين صفحات خطابه على جهاز الآيباد (كأنه يقلب صفحات كتاب)، تخيَّل! و تخيَّل أن هذا الرئيس رأى أن الوضع حَرِج للغاية فدعا إلى اجتماع للحوار الوطنى مع المعارضة خلال يومين لإنهاء الأزمة، ولم يحضره سوى حلفائه بينما تغيبت القوى المعارِضة، وحضره هو ليتحدث لمدة خمس دقائق ثم غادر فى الحال ليخبر المشاركين أن يتحدثوا إلى نائبه وأنه سيترك الاجتماع لضمان «حيادية الحوار». تخيَّل أن أحد كبار المثقفين بجماعته وهو فهمى هويدى غادر هو الآخر الاجتماع نظرًا إلى ارتباطه باجتماع آخر مهم، وأن هذه المجموعة من المهرجين خرجت بعد منتصف الليل بحل ليس بحل على الإطلاق صاغه مرشح الرئاسة السابق محمد سليم العوا الذى قام بكتابة دستور السودان الذى أدى فى النهاية إلى تقسيمها إلى دولتين ووجد دعمًا من هؤلاء.. تخيَّل! تخيَّل أنك فى اليوم التالى لم ترَ الرئيس وإنما وجدت المرشد الأعلى لجماعة الإخوان المسلمين والرجل الثانى من بعده خيرت الشاطر يعقدان مؤتمرات صحفية دفاعًا عن الرئيس المختفى، بينما يبنى الجيش حوائط خرسانية حول القصر الرئاسى! تخيَّل أن تشاهد المرشد الأعلى يزعم أن كل من قُتلوا خلال الاشتباكات ينتمون إلى الإخوان على الرغم من أن من بينهم أقباطا، وأن تستمع إلى الشاطر وهو يتحدث عن صعوبة جلب استثمارات فى البلاد ويلقى باللوم على المسيحيين والكنيسة! تخيَّل أن هؤلاء الأشخاص هم من يديرون النظام الذى يتولى مقاليد الأمور فى بلدك فى اللحظة الراهنة.. تخيّل! تخيَّل أن تعرف أن أول رئيس مدنى منتخَب ديمقراطيا بعد الثورة ما هو إلا دُمية فى يد الجماعة وأن الذى يحركه هو الرجل الثانى فى هذه الجماعة وليس حتى الرجل الأول. وتخيَّل أن هذه الجماعة دفعت برجالها للظهور فى الفضائيات ليبدوا دهشتهم من موقف الشعب الرافض لديكتاتورية مؤقتة لشهور قليلة على الرغم من أنهم تحملوها لمدة ثلاثين عاما تحت حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك! تخيَّل أنهم لا يفهمون أن كونهم حققوا فوزًا فى الانتخابات بفارق بسيط 1% لا يمنحهم الحق فى أن يفعلوا ما يحلو لهم باسم الديمقراطية لأنهم أصبحوا يمثلون الأغلبية. تخيَّل أنهم يعلنون أن هذا الدستور سوف يحصل على 90% من الأصوات لأنه يؤيد الشريعة الإسلامية، وأن المعارضين لمسودة الدستور جميعهم من المسيحيين والعملاء، وأن عددا لا يتجاوز 40,000 شخص فى مصر بأكملها هم من يريدون إعادة صياغة الدستور للسماح بزواج الشواذ.. تخيَّل! تخيَّل أن هذه الجماعة لا تزال تدفع باتجاه إجراء الاستفتاء على مسودة الدستور الذى قامت بصياغته لجنة تأسيسية غير قانونية انسحب ثلث أعضائها، فى حين تعيش البلاد فى أزمة تشهد احتجاج مئات الآلاف من المصريين على الدستور وتندلع المصادمات بينهم وبين مؤيدى هذه الجماعة. تخيَّل أنه لم يتبقَّ سوى أيام على إجراء الاستفتاء وليس لدى الرئاسة قضاة للإشراف عليه ولا لجان بالمدارس لاستقبال الناخبين ولم تفتح الباب للصحفيين ولا المراقبين للمشاركة فى الرقابة على الاستفتاء ولم توضح للناخبين فى أى مكان يمكنهم الإدلاء بأصواتهم، كل هذا يحدث مع «دستور بلدك».. تخيَّل! تخيَّل أن التيار العلمانى يمثل الأغلبية للمرة الأولى وأن الناس فى الشوارع فى كل أنحاء مصر يرون أن هذا استفتاء على جماعة الإخوان المسلمين والرئيس مرسى ويريدون أن يصوتوا ب«لا» عليهما ليلقنوهما درسًا. تخيَّل أنهم فى النهاية التفوا حول جبهة معارضة موحدة يطلق عليها مجلس «الإنقاذ الوطنى» الذى أعلن بالأمس فقط أنهم سيقاطعون الاستفتاء الأول الذى يستطيعون الفوز به بسبب أنهم يرون أنه استفتاء غير شرعى وأننا لا يجب أن نعطى له أهمية على الرغم من أنه دستور البلاد وكل شىء! تخيَّل!