لم يكن للسلفيين يد قوية فى إنجاح الثورة المصرية أو المساهمة الفاعلة فيها، بل كان التثبيط هى الحالة الأبرز بين كل تياراتهم، لكن عقب سقوط النظام لم يواصل السلفيون بكل فصائلهم خمولهم، فرأينا نشاطا ملحوظا ومحاولة فاعلة للاستفادة من كل كبيرة وصغيرة، هذا هو فحوى دراسة بعنوان «السلفية المصرية.. ومرحلة جديدة» أصدرها مركز «الدين والسياسة» السعودى، ورصد فيها واقع السلفية المصرية فى أثناء وبعد الثورة. الدراسة تتبعت مواقف السلفيين المتباينة فى أثناء الثورة واختلافهم حول المظاهرات، وهل هى خروج «محرم» على الحاكم أم لا؟ انقسم السلفيون حول ممارسة الديمقراطية، انقسموا إلى أربعة أقسام: الأول فريق مؤيد ويسعى إلى الانصهار فى العمل السياسى ويغلب المصالح على المفاسد، ويمثله الدعوة السلفية فى الإسكندرية وفروعها فى المحافظات، وقد أسست حزب «النور» بمرجعية دينية، وكذلك التيار السلفى الحركى فى القاهرة، ورموزه محمد عبد المقصود ونشأت أحمد وفوزى السعيد، ويدعم حزبا سلفيا آخر، هو «الفضيلة»، ولا يتولى قيادته وإنما يكتفى بالمرجعية.
أما القسم الثانى، فهو الذى يمسك العصا من المنتصف، هو لا يرفض ولا يشارك بنفسه، وقد يوجه البعض بالمشاركة وتتبناه جماعة أنصار السنة المحمدية والشيخ محمد حسان، وهم الذين أسسوا مجلس شورى العلماء لهذا الغرض، الذى رأى أنه لا مانع شرعيا من المشاركة السياسية لأنها وسيلة من وسائل التمكين للدعوة ونشرها بين فئات المجتمع. الصامتون هم القسم الثالث، ويبرز فيه الشيخ أبو إسحاق الحوينى. أما القسم الأخير، فهم الممانعون، وهم طيف كبير من التيار السلفى التقليدى.
سبب انقسام السلفيين حول الديمقراطية، حسب الدراسة، هو أن الأيديولوجيا السلفية بشكل عام ترى أن العملية الديمقراطية، كفر بالله تعالى، وذلك لأن تطبيق الشريعة فى النظام الديمقراطى يتطلب التصويت البرلمانى حتى يتم إقراره، لأن الديمقراطية هى حكم الأغلبية من خلال ممثلى الشعب، وعليه فإن الديمقراطية كفر بهذه الصورة، وأن ما يترتب عليها من انتخابات تشريعية وغيرها أمور محرمة، ولا يجوز المشاركة فيها.
وترى الدراسة أن أهم الأسباب التى أدت إلى مشاركة بعض السلفيين فى العملية السياسية، أن السلفية المصرية السائدة فى مجملها «ألبانية»، أى متأثرة بنهج الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى، الذى توجد له عديد من الفتاوى التى تتناول الأوضاع السياسية فى زمنه، وهو ما يختلف فيه مع السلفية «الوهابية» التى ترى وجوب السمع والطاعة بشكل مطلق وتحرم الخروج على الحاكم بكل صوره وأشكاله.
الدراسة عزت ذلك إلى طبيعة التحالف السياسى الذى قامت عليه الدولة السعودية مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مما جعل فكرة الاعتراض على ولى الأمر على الملأ معدومة، فدائما المؤسسة الدينية الرسمية على وفاق تام مع الحكومة التى تمنع التعددية السياسية أو إنشاء الأحزاب أو التظاهر، وهو ما تراه المؤسسة الدينية حقا أصيلا للحاكم ومعارضة ذلك خروج محرم. تطبيق نموذج المملكة السعودية، خرج به بعض الدعاة السلفيين فى أثناء الثورة، لكنها كانت دعوة على استحياء، وذلك حين قام الشيخ محمود عامر رئيس جماعة أنصار السنة السابق بدمنهور، بإصدار فتوى تهدر دم الدكتور محمد البرادعى لدعوته إلى عصيان مدنى بوصفه خارجا على ولى الأمر، وتبعها فتوى منه مماثلة ضد الشيخ يوسف القرضاوى، وقبلهما فتوى من عامر أيضا تجيز التوريث لنجل الرئيس، ومثله كان الشيخ أسامة القوصى الذى ظل طوال أحداث الثورة يدعو للرئيس مبارك على المنبر وفى دروسه.