ما معنى أن تداهم قوة من الشرطة، بملابس مدنية، مكتب قناة فضائية مشهورة؟! هل هم يهاجمون عصابة سرية تتاجر فى الممنوعات؟! وكيف يعتقلون أحد العاملين فى القناة؟! أقولها بمنتهى الصراحة، هذا إجراء أحمق، ينبع من منطق أمنى متخلف، وما كان يجب أن يحدث تصرف كهذا فى مصر بعد ثورة شعبنا من أجل الحرية والشفافية والكرامة. وإذا نظرنا إلى تفاصيل ما حدث، سنرى مهازل تدعو للسخرية والاستهزاء، من العقلية الأمنية الساذجة، التى تقف وراء مثل هذا التصرف المرفوض شعبيا. فقد كان السبب الحكومى الأول لتبرير ما جرى، هو أن هناك شكوى من الجيران ضد قناة «الجزيرة مباشر-مصر»! ومن ثم تمت مداهمة القناة فجأة بواسطة قوة أمنية مدربة على القبض على العاملين فى القناة، وهم متلبسون ببث أخبار يشكو منها الجيران! وبعدما سخر شعبنا من هذه الحجة الغبية، ظهرت حجة أشد، على لسان وزير الإعلام، حين قال إن القناة لا يوجد لها ترخيص! يا سلام، بجد يا رجل، الآن فقط اكتشفتها، وبعد كل هذه الأشهر من البث الحى المتواصل، ووجودكم جميعا، أنتم كحكومة، وكمجلس عسكرى، على شاشة «الجزيرة مباشر-مصر»، تقولها هكذا، وبهذه البجاحة! وبعد ذلك يقول وزير الإعلام ما هو أنكى، إذ يؤكد لنا أن إغلاق قناة «الجزيرة مباشر-مصر» ليس مرتبطا بالمحتوى الإعلامى، ولكنه مرتبط بعدم احترام القوانين! فهل هذا كلام يقال لعقلاء؟! وإلى متى سيظل المسؤولون فى مصر يتحدثون إلى شعبنا، باعتبارنا أطفالا صغارا لا ندرك الحقائق، ولا يمكن أن نفهم ما يفهمونه؟! فلماذا يا سيد أسامة تنفى الارتباط بين إغلاق المحطة، والمحتوى الإعلامى الذى تبثه؟! وهذا يعيدنا إلى هذه الوزارة اللعينة، التى تخلصنا منها بعد الثورة، فإذا بها تعود إلينا مرة أخرى، وبنفس منطق النظام الساقط! ولأستشهد هنا بجزء من مقال الأستاذ الكبير حمدى قنديل، إذ يقول عن وزير الإعلام: «قال إنه أتى لمهمة خاصة مؤقتة هى إعادة هيكلة الإعلام المصرى.. لكن الوزير الذى كان البعض يأمل فيه خيرا سرعان ما ارتد إلى سيرة وزراء مبارك باتخاذ القرارات دون مشورة، وأصدرت حكومته قرارا بإعادة تشكيل مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون، حيث ضم رموزا من النظام البائد، فى حين بقى قانون الاتحاد على حاله بحيث يضمن السيطرة الكاملة للسلطة على الاتحاد، وترأس الوزير اجتماع المجلس جريا على العادة القديمة، واستنادا إلى ما يتيح له القانون من رفض أى قرار للمجلس أو الموافقة عليه. فقدمت استقالتى من مجلس الأمناء». هذا هو الوزير المصرى الجدير حقا بمديح نتنياهو. وقد قالت صحيفة «نيويورك تايمز»: «إن اقتحام السلطات المصرية لمكاتب قناة (الجزيرة مباشر-مصر) وإغلاقها جاء بعد بدء كل من الحكومة المصرية والإسرائيلية فى إصلاح العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد حادثة اقتحام السفارة». والحقيقة أن الدور المهنى والوطنى الرائع لقناة «الجزيرة» فى تغطية ثورة مصر، وجميع الثورات العربية، كان يستحق من حكومة الثورة المصرية، أن تقدم جزيل الشكر والامتنان للقناة، ولكل العاملين فيها، لا أن تغلقها هكذا، وبحجج عبيطة!