لم تشهد سيناء أى عمليات عسكرية منذ 39 سنة.. أى منذ انتهاء حرب السادس من أكتوبر.. ورغم الضآلة التامة للعملية التى تجرى الآن فى الشمال الشرقى من سيناء مقارنة بالحرب سنة 73 فإن أوجه الشبه تُعتبر قائمة بين أسباب الحرب والهجوم الحالى، وهى أن القوات المسلحة فى كلتا الحالتين كانت تحارب الإرهاب والاحتلال، ففى سنة 73 كانت الحرب ضد إرهاب دولة إسرائيل واحتلالها لشبه جزيرة سيناء، وما يجرى الآن هو محاربة إرهاب تنظيمات التطرف الإسلامى التى وصل بها الأمر إلى السيطرة الكاملة على قرى وإقامة معسكرات تدريب والتسلح بأسلحة ثقيلة، أى أنهم إرهابيون يحتلون أرضا مما يعنى ببساطة أن حرب 73 كانت لتحرير الأرض من عدو خارجى، بينما العملية العسكرية التى بدأت من فجر 8 أغسطس 2012 هى لتحرير الأرض -بمساحة أقل- من عدو داخلى مدعم من الخارج. هنا علينا أن نتذكر أن القوات المسلحة قد دفعت إلى منطقة شمال سيناء بتعزيزات عسكرية كبيرة لمواجهة الموقف الذى يهدد الاستقرار داخل سيناء، وعلى الحدود بين مصر وإسرائيل، ولأن هذه المنطقة كانت محظورة على مثل تلك الأسلحة فقد تم الاتفاق بين الجانبين المصرى والإسرائيلى. الأهم فى الأمر أن هذه القوات انتقلت إلى شمال سيناء منذ قرابة عام كامل، والأغرب أن عناصر إرهاب التطرف السلفى كانت طوال هذا العام تستشرى وتتفشى وتحتل القرى وتهاجم كمائن القوات المسلحة ونقاط تفتيشها بصفة مستمرة، إلى أن حدثت الحادثة الأليمة الأخيرة. لا يمكن إنكار أن الهجوم الإرهابى على النقطة الحدودية فى كرم أبو سالم وسقوط 16 شهيدا وإصابة آخرين كان نقطة تحول إجبارية فى المواجهة بين القوات المسلحة والإرهابيين للأسباب التالية: 1- العملية الإرهابية الأخيرة كانت مريبة وتتجاوز الخطوط الحمراء جميعا. 2- جرح الهجوم الإرهابى الكبرياء الوطنية للمصريين وأهان كرامة الجيش المصرى. 3- هذه أول مرة تُستهدف فيها القوات المسلحة هكذا من تنظيمات إرهابية. 4- هذه العملية من تنظيمات إرهابيى الإسلام السلفى المتطرف تأتى اختبارا مبكرا لقدرة الرئيس فى ظل التحالف السياسى بين الإخوان المسلمين والسلفيين وفى ظل العلاقة المعقدة مع إسرائيل. 5- كشف الهجوم الإرهابى للرأى العام عن الخطورة البالغة للموقف الأمنى على الأرض من قِبل هذه التنظيمات. 6- أعقب حادثة كرم أبو سالم عمليات هجوم متزامن ممنهج مستمر بلا توقف على كمائن القوات المسلحة ونقاط تفتيشها مع استمرار نزيف الإصابات. أمام هذه الحقائق لم يعد هناك بديل للقيام بهجوم شامل ضد تنظيمات عناصر التطرف السلفى الجهادى، وهو الهجوم الذى بدأ فى الثالثة فجرا، قبل أن يمر يوم على جنازة شهداء كرم أبو سالم التى أظهرت الغضب العارم للرأى العام فى مصر، وكانت الحملة العسكرية للقوات المسلحة فى بدايتها كالتالى: 1- استهدفت الحملة قرى ومناطق التومة والشلاق والعتايجة وتقع جميعا فى نطاق مركز الشيخ زويد. 2- كان اتجاه الهجوم الرئيسى على قرية التومة أحد مناطق التمركز الرئيسية فى شمال سيناء التى تخضع لسيطرة كاملة من الإرهابيين. 3- بدأ الهجوم بمحاولة اقتحام من الدبابات والعربات المدرعة التى أمطرت المناطق التى تتم مهاجمتها بوابل كثيف من النيران. 4- بدأت العملية بمساندة جوية من طائرات الهليكوبتر التى كانت تقوم بقصف مناطق تجمعات الإرهابيين وعناصر تحاول التصدى وتحاول تدمير المدرعات. 5- انطلق الهجوم قبل أول ضوء لإتاحة الفرصة أمام القوات التى حاصرت مناطق تمركز الإرهابيين ومراكز تدريبهم، ودراسة إمكانية الاختراق نهارا، مما يتيح كشف العناصر المنتشرة والمتحصنة. فى هذا السياق تجب الإشارة إلى أن ميليشيات الإرهابيين تقدرها المصادر الرسمية بنحو 2500 عنصر مدرَّبين على استخدام السلاح ويملكون أسلحة ثقيلة مضادة للدبابات وصواريخ تُحمَل على الكتف مضادة للطائرات وأسلحة خفيفة كثيفة النيران ومتطورة، مما يعنى أن المعركة لشل حركتهم أولا ثم تصفيتهم ثانيا ليست سهلة على الإطلاق، وأن الجيوش النظامية تحتاج عموما إلى وقت طويل لتحقيق مثل هذه المهمة وتحتاج إلى معلومات استطلاع مدققة ومستمرة واختراقات أمنية عميقة، ومما يصعب الموقف تنظيم التعاون والارتباط العضوى بين أعضاء التنظيم فى مصر وأقرانهم فى غزة مع وجود ولاءات من بعض البدو فى المنطقة، وهذه الأوضاع توفر قدرات لوجيستية للإرهابيين، وبعد التصريح الأخير من مدير القضاء العسكرى بعد بدء عملية القوات المسلحة، وقد تم إطلاق الاسم الكودى «نسر» عليها، وهى التصريحات التى أُعلِنَ فيها رسميا أنه لم يُقبَض على أى من منفذى العملية الإرهابية فى كرم أبو سالم، وهذا يؤدى إلى ضياع فرصة كبيرة على قوات الجيش المهاجمة وعناصرها من الاستطلاع والمخابرات، مما يفقدها معلومات كانت ستسهل من محاصرة وملاحقة الإرهابيين وفى خطوة صحيحة سبقت البدء فى العملية «نسر» مداهمة وتفتيش مئات المنازل بقرى الشيخ زويد لضبط السلاح والبحث عن الإرهابيين لتأمين ظهر القوات من أى هجمات محتملة وتأمين مسرح العمليات للتحركات الإدارية والفنية. يعرف القادة فى القوات المسلحة والخبراء المتخصصون أن القضاء على الميليشيات الإرهابية للتنظيمات السلفية الجهادية المتطرفة لن يتم فى يوم وليلة، وأن الأمر سيستغرق وقتا وجهدا وعناء، ولكن النصر سوف يكون فى النهاية حليف القوات المسلحة، وهذا هو درس التاريخ لأنها فى هذه المعركة تعبر عن إرادة الشعب.