عندما بدأ التدشين لعهد جمال مبارك وطوال أكثر من 10 سنوات، حاول كثيرون بطرق مختلفة وأساليب ملتوية، سواء على مستوى الإعلام أو الثقافة أو تحالف طواغيت المال مع ساسة الحزب الوطنى أو بعض دعاة السلفيين والإخوان المسلمين والأحزاب العتيقة، فتح الطريق أمام ولى العهد الجديد لحكم مصر. لكن هناك من تحدث فى هذا الموضوع بصراحة وشفافية، مرحبا بتوريث السلطة ولجمال مبارك تحديدا، انطلاقا من أنه القشة التى ستقصم ظهر البعير، وأنه الشخصية الوحيدة الصالحة لتدمير مصر وكتم آخر نفس فيها، بعد أن أجهز والده وحواريوه عليها تماما. والآن يرفض كثيرون المحاكمات العسكرية، بينما يرى النظام العسكرى الحاكم فى مصر أن الشعب بحاجة إلى الانضباط والتربية وحسن الأخلاق وتعلم الحديث مع كبار السن. وفى الواقع، فأصحاب هذا النظام، بمن فيهم أعضاء ما يسمى بالمجلس العسكرى، لديهم كل الحق فى ما يقولون. فالذين يتحدثون، حتى إن كان بينهم وبين أنفسهم، وليس فقط فى وسائل الإعلام، عن أعضاء المجلس العسكرى بأسمائهم فقط تنقصهم التربية. والذين يفصلون بين المجلس كنظام عسكرى حاكم والجيش المصرى ليس لديهم انضباط أو لباقة سياسية. والذين ينادون بعودة العسكريين إلى ثكناتهم مجرد خونة وعملاء وجاحدين بفضل «الجيش المصرى العظيم»، الذى حمى «الثورة المصرية العظيمة» التى قام بها «الشعب المصرى العظيم». المحاكمات العسكرية والقضاء العسكرى والشرطة العسكرية.. كلها أدوات لتأديب الخارجين على القانون من العمال الذين يحتجون سلميا، ولإعادة الطلاب العاقين وقليلى الأدب إلى رشدهم، ولمسح ذاكرة الشباب من الشوائب التى لوثتها فى أثناء الثورة من قبيل التظاهرات السلمية والاحتجاجات والكلام الفارغ حول الحرية والديمقراطية. لقد قامت «الثورة!» مرة واحدة وانتهى الأمر. فلماذا، إذن، قلة الأدب والتطاول على رموز مصر التى ساندت الثورة، ولولاها لما نجحت أو نجح ثوارها وشبابها الأغرار التافهون الذين يحتاجون لإعادة تأهيل وتربية، ولو حتى على أيدى الشرطة العسكرية وفى السجون العسكرية؟! إن التطاول على رموز مصر الجدد هو جحود ونكران للجميل تجاه شخصيات عظيمة ضحت من أجل قيام الثورة ونجاحها، بل حتى منذ ما قبل اندلاعها فى أثناء حكم القائد الأعلى للقوات المسلحة السابق وأولاده وأقاربهم. كما أن التطاول على هذه الرموز أو انتقادها يعد إهانة فظيعة لمصر وصورتها فى الداخل والخارج، وطعن فى شرف الجيش المصرى وتشويه دوره التاريخى. وبالتالى، فلا ثورة بعد «الثورة!» التى ضحى فيها «جيش المجلس العسكرى» بالغالى والثمين، ولا احتجاجات أو مظاهرات سلمية أو عفوية أو «نبوية»، لتعطيل عجلة الإنتاج التى كانت تدور بمقدار ألف دورة أو لفة فى عهد القائد العام السابق للقوات المسلحة المصرية التى ينتسب إليها النظام العسكرى الحالى فى مصر. دعونا ننظر إلى الأمام، ولا ننجر إلى الماضى الأليم. لقد انقضى عهد الذل والاستعباد والفساد. فمبارك وأولاده وحاشيتهم فى السجون، ومصر كما هى لم تتغير إطلاقا بصحفييها الأشاوس المتحولين ومثقفيها الوطنيين جدا جدا الذين لم يتغيروا. وها هو النظام العسكرى العظيم فى مصر، ابن الجيش المصرى البار، يحكم البلاد بالأحكام العسكرية لضبط الأمور وتفادى وقوع ثورة تعطل عجلة الإنتاج. بل ويقف بحسم ومسؤولية ضد المظاهرات والاحتجاجات التى يقودها الأولاد غير المسؤولين (التافهين)، ويشارك فيها أعداء الشعب وأصحاب الأجندات الخارجية. فنعم للمحاكمات العسكرية التى يمكنها أن تكشف فى يوم من الأيام، كيف وقعت موقعة «الجمل»، وكيف ظهر جيش البلطجية فى جميع أنحاء مصر، ولماذا صال وجال أعضاء تنظيم أمن الدولة، وبالذات فى موقعة «الوثائق» التى كانت تطيرها الرياح فى الشوارع وعلى الأرصفة. نعم للمحاكمات العسكرية التى ستعيد الأدب والأخلاق والانضباط للشباب المتهور غير المهذب. نعم للمحاكمات العسكرية التى وضعت نصب عينيها، كأهم وأخطر المهام المنوطة بها وبأصحابها، حلق شعر الشباب والتحقق من «شرف» البنات. نعم للمحاكمات العسكرية التى تعيد الصواب إلى كل من يهين رموز مصر من أعضاء النظام العسكرى، فمصر هى المجلس والمجلس هو مصر. ولا خير فى أمة تخرج نساؤها إلى الشوارع فى المظاهرات وهن متبرجات وخليعات ويربى الشباب شعورهم وسوالفهم، ويرتدون الجينز والثياب الأخرى الخليعة التى لا تتناسب مع تقاليد القوات المسلحة. لا خير فى أمة جحدت بمنجزات الرئيس وأبنائه وأصحابهم وأنسبائهم وشركائهم كما تجحد اليوم بفضل رموزها الذين هم صورتها ووجهها وماضيها ومستقبلها. لقد دشنوا على مستوى الصحافة والثقافة والإعلام والسياسة لأكثر من 10 سنوات لفتح الطريق أمام ولى العهد، لكن الشباب الفاسد أفسد عليهم «الطبخة». وها هم من جديد، المتحولون والعائدون من السجون والغزوات، يدشنون عهدا جديدا للتخلص من الشباب العاق والعمال العاقين والفتيات اللائى يجب أن يخضعن لكشف عذرية قبل فتح أفواههن أو الخروج إلى الشوارع. فنعم للمحاكمات العسكرية والانضباط العسكرى والانتخابات العسكرية والدستور العسكرى. المصريون بحاجة إلى كل ذلك، وبالذات من قاموا بالثورة وشاركوا فيها!