نفس الأشخاص الذين هاجموا كل من وجه اتهامًا للشرطة بقتل شيماء الصباغ، وتفننوا في تلفيق السيناريوهات، وترويج الدفوعات لصرف الأنظار عن الضباط، وصلت لاتهام زملائها بقتلها، هم أنفسهم الأشخاص الذين استقبلوا حكم إدانة ضابط شرطة بقتلها كدليل على أن القانون فوق الجميع، وأن الدنيا تغيرت وأولئك الذين لا يشاهدون نصف الكوب المملوء لا يرون هذا التغيير فى تقديم ضباط الشرطة للمحاكمات وعدم التستر عليهم فى الأخطاء. وبينما يقولون ذلك لا يراجعون مواقفهم السابقة، ولا يكترثون بها وكأنها لم تكن، ولا يتوقفون لحظة للتفكير بأن حملاتهم وتحريضاتهم وتشنجاتهم فى الدفاع عن الشرطة كان يمكن أن تؤدى إلى ضياع حق إمرأة ماتت، أو إفلات قاتل بفعلته، أو الأصعب من ذلك إدانة بريء بقتلها، والترويج لذلك إعلامياً وبإلحاح كامل. ومثلما واجه هؤلاء كل صوت دعا لتحكيم القانون، وعدم التستر على من أطلق الخرطوش على شيماء الصباغ، بسيل من الاتهامات التحريضية المتشنجة، من أول الاتهام بمحاولة كسر الشرطة وهدم البلد، وحتى التحالف مع الإخوان، يفعلون الأمر نفسه مع كل صوت يتحدث عن التعذيب واستعمال القسوة فى السجون وأماكن الاحتجاز الذى رصده تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان، وكذلك الموت فى أماكن الاحتجاز الذى تكرر وبشكل لافت وبأعداد متزايدة ولأسباب مختلفة، تبدأ بالقتل، وتنتهى بعدم صلاحية أماكن الاحتجاز صحياً، مروراً بالإهمال ونقص الاستعدادات الطبية بالسجون، وحالات الاختفاء القسرى المتزايدة دون إفصاح رسمى عن أسباب هذه الاختفاءات، وعن إهدار القانون فى احتجاز مواطنين دون اتهامات وتحقيقات معلنة. انتهى القاضى فى قضية شيماء الصباغ، إلى إدانة الضابط، وإثبات إنه استخدم فى قتلها الخرطوش، الذى طالما تطوع من تطوعوا لنفى وجوده ضمن تسليح الشرطة، أو لنفى قدرته على القتل، وانتهى هؤلاء فى تكييفهم للحكم إنه مجرد خطأ فردى، والحقيقة إنه كان كذلك لحظة ارتكاب الجريمة، لكن التعاطى مع الحادث رسمياً وإعلامياً حوله من خطأ فردى، إلى محاولات ممنهجة لطمس الحقيقة، وكان لافتاً إن تغيير وزير الداخلية فتح المجال لتقديم الضابط للمحاكمة، بما يؤكد إن الوزير السابق على الأقل كان واحداً من فريق كامل فى الداخلية والإعلام حاولوا طمس الحقيقة وتضليل جهات التحقيق عامدين متعمدين، ولولا أصواتاً تحملت من الاتهامات المتشنجة وضغطت قدر الإمكان، لجرى تلبيس القضية للمتظاهرين من رفاق شيماء الصباغ. كل خطأ فى التعامل الشرطى مع المواطنين هو خطأ فردى فى الأساس، لكن ما يمنهجه هو محاولات المؤسسة الشرطية حماية أبنائها، ورفض الإعلام الموالى لها اتهامها، استغلالاً لتضحيات آخرين، وكأن المؤسسة التى تضم من يصيب ويخطىء، لا يجوز الحديث عن المخطئين إكراماً للمجتهدين الذين يؤدون واجبهم ولا يختلف أحد على تقديرهم، واستهداف ممارسى النقد بالشتائم وأشياء آخرى، وهو ذات المنهج الممتد منذ زمن، فقضية خالد سعيد كانت خطأ فردياً، وما حوله لأيقونة هو إصرار الداخلية على حماية رجالها بكل وسيلة، من نفى الوقائع، إلى تلفيق الشهادات والوثائق، إلى التشويه الإعلامى للضحية، وتكرار هذا السلوك هو الذى يجعل التجاوز ثقافة عامة تسيطر على ذهن المتعاملين مع الجمهور، فتخلق استسهال فى الاعتداء عليهم، وعدم اكتراث بما قد يصيبهم من أضرار، فى إطار اطمئنان ذهنى، إن المؤسسة خلفه وستحميه بكل وسيلة، لأنها فعلت ذلك مع غيره. لم يدن حكم محكمة جنايات القاهرة الضابط المسؤول مباشرة عن إطلاق الخرطوش على شيماء الصباغ فقط، لكنه أدان كل هذه الجوقة التى انبرت دفاعاً عن الشرطة وهجوماً على الضحية، سواء كانوا وجوهاً رسمية أو إعلامية، هؤلاء يريدون الحفاظ على الداخلية بدفن أخطائها، وهم يعلمون إن دفن الأخطاء يحفز على ارتكاب أخطاء جديدة، لكنهم لا يكترثون باعتبار إن كل التجاوزات تطول معارضين لهم. ويستمر تشنج هذه الجوقة فى التعرض لكل من لديه سؤال مستحق ومشروع على شاكلة: أين إسراء الطويل؟ كيف مات إسلام عطيتو؟ لماذا تكثر الوفيات بين المحتجزين فى قسم المطرية؟ وغيرها من الأسئلة التى تستحق إزالة التباسها بتحقيقات نزيهة تصب نتائجها أى كانت فى صالح الداخلية.. إن كانوا يعقلون.