«مصر قبل السيسى حمادة، وبعد السيسى حمادة تانى خالص»، يقول السائق العصبى الأسطى مليجى، متبعا عبارته بسعال متحشرج، تعقبه دوما بصقة فى الفراغ الذى يزدحم فجأة، فترتطم بصاحب أو صاحبة النصيب الذين يلمحهم مليجى من المرآة، بعد أن يعبر بجوارهم بالتاكسى الأبيض ماركة «بى واى دى» أو (بيض)، كما يُسمِّيها، فيردف فى خشوع: «سورى يا حاجة». منذ أكثر من عام لم أقابل مليجى، وكنت أقضى مشاويرى القريبة بالبسكلتة عملا بنصيحة رئاسية مبكرة، كما أن مليجى نفسه نصحنى فى آخر مرة بالصبر على السيسى «سنتين يا باشا، هو قال كده مع الست الحلوة اللى عملت معاه حوار، وكان باصص فى الأرض ساعتها». كان يقصد حوار الرئيس مع الزميلة العزيزة زينة يازجى قبل توليه الرئاسة، ووعده بأن يشعر المواطن بتغيّر بعد عامين. «أنا بس اللى بيستفزنى إن البهوات أصحابك فاكرينه فرح ونازلين ينقّطوا». الطريقة «الملحة» لعرض «إنجازات» الرئيس السيسى خلال عام من رئاسته فى وسائل الإعلام المختلفة تبدو مستفزة لدرجة تدعو مليجى إلى البصق ثانية، إذ يتجه البعض، بإرادته الحرة ومع سبق الإصرار والترصد، أو حتى بمحض محبة مبالغ فيها، لعودة عصر «اخترناه»، حيث الإنجازات، ثم الإنجازات، ثم الإنجازات، ثم «كله تمام يا ريس» و.... يقاطع مليجى استرسال أفكارى: «الإنجازات بقت بتنزل من الحنفية يا باشا.. كل ما أحوِّل على قناة ألاقيهم بيقولوا نفس الكلام، وكأنهم متملِّيين». لم أرِد أن أقول للأسطى مليجى إن زملاءنا الإعلاميين لم يبذلوا أى جهد من أى نوع فى اكتشاف الإنجازات، إذ أكدوا فعلا أنهم يعرضونها من واقع بيان المكتب الإعلامى للرئيس، ولم يقم أحدهم بمتابعة، بزيادة حرف، بعمل تحليل موضوعى لهذه الإنجازات لرؤية ما إذا كانت إنجازات بالفعل أم أنها تستحقّ المراجعة. يقول مليجى: «هى بس المشكلة إنهم كان ناقص يحطوا له جناحين ويبقى ملاك». سألت مليجى متخابثا: «تقصد إنه شيطان يا مليجى»، فرد: «لأ يا باشا ماتلبِّسناش فى الغلط.. أقصد إنه بنى آدم، والبنى آدم يعمل حاجات صح وحاجات غلط، مش كله إنجازات يعنى». أطلق سبة لأحد التاكسيات التى كسرت عليه، ثم استطرد: «وحتى علشان هو بنى آدم لما يلاقى الدنيا طحينة كده قصاده هينزل يغمِّس، وممكن يتغر من كتر الطحينة دى». سألت مليجى: «أمال إيه اللى مش عاجبك؟!»، فردّ: «أنا دلوقتى مواطن يا باشا، وفى الشارع طول اليوم، وشايف مصارين البلد، فلما تقول لى قناة السويس الجديدة أقول لك حلو.. فين بقى منابى كمواطن؟ يا فرحتى بقناة سويس بتتعمل، والبلد مش قادرة تفتح محطة مترو»، أوضحت لمليجى أنهم سيعيدون فتح المحطة، فقاطعنى مرة أخرى: «أنا راجل مواطن لىّ حقوق. عايز أعيش بكرامة، وألاقى لقمة عيشى، وعايز أعلِّم عيالى كويس، ولمَّا أعيى ألاقى مستشفى محترم يخفّفنى مش يموِّتنى». كالمعتاد، مليجى يعطى للجميع درسا فى ما يجب أن يتذكَّروه، وكأنه يعيد صياغة «عيش.. حرية.. كرامة إنسانية.. عدالة اجتماعية»، بأسلوب «ولاد البلد»، ومع ذلك يكمل مليجى: «بس ما تقدرش تنكر برضه يا باشا إننا أحسن من السنة اللى فاتت. الكهربا أحسن، واللبش اللى فى الشارع بقى أقل، والراجل بيشتغل، بس يخرَّج الناس اللى محبوسة ظلم بقى ويبقى كفاءة». لم نجد فى «إنجازات» السيد الرئيس أى كلام عن ملف حقوق الإنسان، الذى يتم «تجريس» مصر به حرفيا فى كل المحافل الدولية، كما أن وعده الخاص بالإفراج عن عديد من المحبوسين ظلما، معطَّل، ولربما ذهب أدراج الرياح، فمتى يذكره الرئيس؟ وهل يلتفت إلى الأمر فى عامه الثانى؟ هناك حاجة أيضا لمراجعة وإصلاح «بيت العدالة» فى مصر. إصلاح من الداخل وحقيقى برغبة حقيقية ومخلصة، بعيدا عن أى هدم للقضاء المصرى، وبحثا عن شموخه حقا وصدقا لا تاريخا وبلاغة، كما أن «الداخلية» هى هى، وإلا لما اعتذر الرئيس نيابة عنهم للمحامين، فما بالك بمواطنين يبحثون عن اعتذارات مماثلة!! حين وصلت كان «مليجى» يشكو من أن «الأفورة جابتنا ورا»، وكان يُقسِم إن «العدَّاد مش بايظ يا باشا، بس خراب بيوت ليك ولىّ.. هات خمسين جنيه»! وحين تركنى مبتعدا كنت «أحسبن».