وضعت نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها تركيا، الدولة أمام مسار جديد، سواء على مستوي الحكم الداخلي، أو على صعيد السياسة الخارجية. وسبقت مرحلة إجراء الانتخابات، توجه صريح من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نحو توسيع سلطات دائرته الرئاسية، لتحويل نظام الحكم إلى رئاسي بدلًا من برلماني. وعلى الصعيد الخارجي، كان أردوغان يحمل توجهات مختلفه تعتمد على مصالح حزب العدالة والتنمية، لا الدولة التركية نفسها، خاصة تناوله للقضايا في كل من مصر وسوريا والعراق. وكبحت نتائج الانتخابات التشريعية التركية، جماح أردوغان، ومنحت صناديق الاقتراع، حزب العدالة والتنمية فوزًا ب 41%، وهو ما يعني الفوز بالأغلبية، لكنها أغلبية غير مطلقه تمنعه من تطبيق خطته في الحكم للسنوات الأربع المقبلة بأريحية تامة، دون الحاجة إلى تشكيل تحالفات حزبية. وكان حزب العدالة والتنمية، يرغب في الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان أي الحصول على 330 مقعدًا من أصل 550، وهو العدد اللازم لإجراء استفتاء بشكل أحادي على تغيير دستور البلاد، من أجل تحويله لنظام رئاسي. هل يفقد أردوغان سيطرته؟ حصول حزب أردوغان على الأغلبية المقيدة بنسبة 41% سيغير بشكل تام من معادلة الحكم داخل الدولة التركية، حيث أن تشكيل الحكومة الائتلافية سيكون من حزب الأغلبية وأحزاب المعارضة، وهو أمر مقلص لصلاحيات أردوغان الذي سيجد من بين صفوف حكومته من يعارض سياساته. ومن المتوقع أن تكون أقرب السيناريوهات في تلك الحالة، هي الدخول في احدى التحالفات الحزبية لتشكيل الحكومة فقط، دون التطرق لفتح الباب أمام التعديلات الدستورية. هل يُعيد أردوغان الانتخابات؟ تبقى خطوة وحيدة تستطيع أن تُعيد حسابات حزب العدالة والتنمية مرة أخرى، وهي إعادة الانتخابات مرة أخرى، من أجل الحصول على نسبة أعلى من المقاعد، والهروب من فخ الدخول في حكومة ائتلافية. تتمثل تلك الخطوة في استخدام الرئيس رجب طيب أردوغان صلاحياته التي منحها له الدستور وفق المادة 116، بإعادة انتخاب البرمان مرة أخرى. وتنص المادة 116 من الدستور التركي على « في الحالات التي يفشل فيها مجلس الوزراء في الحصول على تصويت بالثقة بموجب المادة 110 أو في الحالات التي يجبر فيها على الاستقالة نتيجة لتصويت بحجب الثقة عنه بموجب ووفقا للمادة 99 أو 111 ، وإذا لم يتسن تشكيل مجلس وزراء جديد في غضون خمسة وأربعين يوما ، أو إذا فشل مجلس الوزراء الجديد في الحصول على تصويت بالثقة فيه ، يجوز لرئيس الجمهورية ، بالتشاور مع رئيس الجمعية الوطنية التركية الكبرى ، أن يدعو إلى اجراء انتخابات جديدة. في حالة اتخاذ قرار باجراء انتخابات جديدة بموجب المادة 116 ، يستقيل مجلس الوزراء ويُعين رئيس الجمهورية رئيسًا للوزراء لكي يقوم بتشكيل مجلس وزراء مؤقت. ووفقًا لصلاحيات رئيس الجمهورية الممنوحة له بموجب المادة 109 من الدستور، فمن المتوقع أن يعطي رئيس الجمهورية مهمة تشكيل الحكومة إلى زعيم حزب الاغلبية، أحمد داوود أغلو، وفي حال عدم نجاحه في تشكيل حكومة جديدة خلال 45 يومًا، فسيكون من مسؤولية رئيس الجمهورية أن يمنح مهمة تشكيل الحكومة إلى زعيم الحزب صاحب ثاني أكبر عدد للمقاعد، أي إلى الغريم التقليدي لأردوغان كمال كليجدار زعيم حزب الشعب الجمهوري، الحاصل على 25% من المقاعد، لتشكيل الحكومة الجديدة. جميع الدلائل تؤكد أن أردوغان سيرفض منح التفويض إلى كمال كليجدار، أو تأجيل منح التفويض حتى انتهاء الفترة القانونية الممنوحة وهي 45 يومًا واستخدام صلاحيته المرسومة بالمادة الدستورية 116 لمطالبة البرلمان بالعمل على إعادة الانتخابات العامة.