نقيب المحامين يقرر صرف 500 جنيه منحة استثنائية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    إعلان نتائج طرح الوحدات الصناعية الجاهزة ب10 محافظات عبر منصة مصر الرقمية    رئيس "العربية للتصنيع": نتطلع لتصنيع قطع الغيار بطريقة رقمية    البنك المركزى يعلن عطلة البنوك لعيد الأضحى تبدأ الخميس وتنتهى الإثنين.. فيديو    محافظ القليوبية يكلف رؤساء المدن برفع درجة الطوارئ خلال إجازة عيد الأضحى    استعدادا للعيد.. تعقيم المجازر ورش وتجريع الماشية في المنيا    محافظ المنوفية يوجه بصرف مساعدات مالية وغذائية عاجلة لحالات إنسانية    «الأونروا» في غزة: آلية توزيع المساعدات الإنسانية لا تلبي الاحتياجات وإمداداتنا جاهزة    تقارير: النصر يعرض خطته على رونالدو لإقناعه بالتجديد    «غصب عن الرابطة».. مدرب بيراميدز يحتفل ب دوري أبطال أفريقيا بطريقة مفاجئة    تقارير: ليفركوزن يرفض العرض الثاني من ليفربول لضم فيرتز    رومانو: إنزاجي يعقد اجتماعا مع إنتر.. وحسم مستقبله الثلاثاء    الطريق تحول إلى نار .. تصادم مروع بين سيارة مواد بترولية وأخرى بطريق الواحات | صور    حالة الطقس اليوم في السعودية.. رياح مثيرة للغبار والأتربة على مناطق عدة    خطوات بسيطة للحصول على "فيش وتشبيه"    وزيرة التنمية المحلية توجه برفع درجة الاستعداد بالقطاعات الخدمية والتنفيذية بالمحافظات استعداداً لعيد الأضحي المبارك    السجن المؤبد ل4 أشخاص بتهمة قتل مواطن في المنيا    المراجعة النهائية في مادة الكيمياء للثانوية العامة .. لن يخرج عنها الامتحان    الكشف عن موعد عرض مسلسل "فات الميعاد"    المدير التنفيذي: أنجزنا 99% من مشروع حدائق تلال الفسطاط    تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور    أحدث ظهور ل نادين نسيب نجيم بإطلالة جريئة والجمهور يعلق (صور)    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو    نائب وزير الصحة: 65 مليون جرعة تطعيمات سنويا في مصر.. ونبحث عن مرضى فيروس B    نائب وزير الصحة: إعطاء 65 مليون جرعة تطعيمات سنويا لحديثي الولادة وطلاب المدارس    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    مهندس صفقة شاليط: مواقف إسرائيل وحماس متباعدة ويصعب التوصل لاتفاق    أسعار النفط ترتفع بعد تزايد المخاوف من الصراعات الجيوسياسية    الإصلاح والنهضة: صالونات سياسية لصياغة البرنامج الانتخابي    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    إدارة ترامب تواجه انتقادات قضائية بسبب تضليل في ملف الهجرة علنًا    الرئيس السيسي يستقبل وزير الخارجية الإيراني    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل القيادة البولندية الجديدة العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    منافس الأهلي.. بالميراس يفرط في صدارة الدوري البرازيلي    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    الإسكان : مد فترة حجز وحدات "سكن لكل المصريين 7" لمتوسطى الدخل حتى 18 يونيو    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    ختام دوري حزب حماة الوطن لعمال الشركات الموسم الثاني    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    أشرف نصار: نسعى للتتويج بكأس عاصمة مصر.. وطارق مصطفى مستمر معنا في الموسم الجديد    أحفاد نوال الدجوي يتفقون على تسوية الخلافات ويتبادلون العزاء    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة.. 10 كلمات تفتح أبواب الرزق (ردده الآن)    "زمالة المعلمين": صرف الميزة التأمينية بعد الزيادة لتصل إلى 50 ألف جنيه    محمد أنور السادات: قدمنا مشروعات قوانين انتخابية لم ترَ النور ولم تناقش    محمود حجازي: فيلم في عز الضهر خطوة مهمة في مشواري الفني    محافظ الشرقية يشهد فعاليات المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار العائلة المقدسة بمنطقة آثار تل بسطا    رئيس قسم النحل بمركز البحوث الزراعية ينفي تداول منتجات مغشوشة: العسل المصري بخير    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    «قولت هاقعد بربع الفلوس ولكن!».. أكرم توفيق يكشف مفاجأة بشأن عرض الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأعرج: جيل كُتَّاب السبعينيات أُبيد.. ومَن بقى حيًّا هرب إلى الخارج
نشر في التحرير يوم 08 - 06 - 2015


حوار- عبد الفتاح دياب:
جاء من منطقة تحمل خصوصية فى ثقافتها، وهى منطقة المغرب العربى، وتحديدًا من بلد المليون شهيد، الجزائر، إنه الروائى الكبير واسينى الأعرج، الذى استطاع برواياته وكتاباته الوصول إلى القارئ فى المشرق العربى، والذى كان دائمًا بعيدًا وغير مرحّب بالأدب المغاربى، وهو ما فعله من قبله قلة من الكتاب، مثل محمد شكرى والطاهر بن جلون والطاهر وطار.
«التحرير» التقت الكاتب الجزائرى الكبير واسينى الأعرج، الذى فاز مؤخرًا بجائزة «كتارا» القطرية، فى نسختها الأولى، عن روايته «مملكة الفراشة» فئة الرواية المنشورة، وفاز أيضًا بالجائزة عن الفئة الثانية «جائزة الدراما للرواية»، حيث ستُحوَّل روايته «مملكة الفراشة» إلى عمل درامى، وتدور الرواية حول الحرب الأهلية فى الجزائر ودورها فى تفكيك العائلات الجزائرية آنذاك، واستمرار الحياة رغم ذلك، ومن قبل ذلك فاز الأعرج بجائزة الشيخ زايد عن روايته «الأمير»، كما تُرجمت أعماله إلى كثير من اللغات، منها الفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والسويدية، والإنجليزية.. وغيرها، كما اختيرت روايته «حارسة الظلال» ضمن أفضل خمس روايات صدرت بفرنسا.
■ ما شعورك عندما حصلت على جائزة «كتارا» القطرية؟
- طبعًا سعيد جدًّا بفوز رواية «مملكة الفراشة» بالجائزة، واللجنة اختارت هذا النص من بين أكثر من 711 نصًّا روائيًّا، هذا الفوز يعطى فرصة للرواية لكى تستمر من جديد فى سياق رحلة الكتاب بين قرائه، خصوصًا أن هناك نصًّا جديدًا صدر لى بعد هذه الرواية، وهو «سيرة المنتهى»، والتى حلت فى الصدارة إعلاميًّا وأصبحت تتحرَّك بين أنامل القراء، الآن سيعود نص «مملكة الفراشة» من جديد إلى القراء، وهذا مهم بالنسبة إلى الكاتب، لأن أكبر خسارة هى موت النصوص فى وقت مبكر.
■ هل كرَّمتك وزارة الثقافة الجزائرية؟
- حدث ذلك، وتكريمى من قِبل وزير الثقافة مهم، جميل أن يتذكَّرك وطنك، وهذا حدث لأول مرة حقيقة، وقد حصلت على جوائز كثيرة، منها جائزة الشيخ زايد وجائزة المكتبيين وجائزة قطر العالمية للرواية، ولكن للأسف لم يكن هناك أى استقبال أو أى اهتمام، وهذا ينطبق على أغلبية المبدعين فى الجزائر، ولأنّ وزير الثقافة الحالى من الوسط ويعرف الساحة وطبيعتها، استقبلنى وقدَّم لى الدعم، وأسعدنى أيضًا الاستقبال الذى خصَّنى به طلبتى فى المطار، فقد كانوا مدهشين برفقة ناشرى الأستاذ محمد بغدادى، صاحب دار النشر.
■ هل تحدَّد تحويل روايتك «مملكة الفراشة» إلى فيلم أو مسلسل؟ وهل ستكتب السيناريو؟
- إلى الآن لم يُتخذ القرار الرسمى بشأن ذلك، لكنى سأكون سعيدًا فى الحالتَين، طبعًا فى «كتارا» هم فى طريقهم إلى تحديد الأمور فى حدود الشهر، أرحّب حقيقة بأى خيار، أما بالنسبة إلى السيناريو، فإذا كُلّفت بذلك سأفعل، ولكن برفقة سيناريست حقيقى نتعاون معًا، ليكون العمل تامًّا وجيدًا. وهناك مخرجون كثيرون مَن اقترحوا أنفسهم ممن سمعتهم من المنظمين أيام إقامتى فى قطر، فأتمنى أن يُنجز المشروع قريبًا.
■هناك مَن يقول إنّ الجائزة تجاهلت الشباب.. ما رأيك فى ذلك؟
- لا أعتقد ذلك، صحيح أن الفائزين الأربعة هم من الجيل الأول، أمثال إبراهيم عبد المجيد وأمير تاج السر، ولكن فى المجموعة شابة بحرينية هى خريجة تجربة كتابية حديثة، أى من ورش الكتابة أو المحترفات، هى بامتياز ثمرة حيّة للتجربة الكتابية بشكل تعليمى للكتابة بشكل يحترم نظام الكتابة، إذن الشباب لم يُهمل، ثم إن الرواية ليست رواية شباب، ولكنها جائزة للرواية العربية بمجملها لا تأخذ بسن أو تجربة، ربما فى السنوات القادمة سيفوز بها شباب يأتون بالجديد والمميّز.
■ هل أبدت لجنة التحكيم أسبابًا فى اختيار «مملكة الفراشة» لتُحوّل إلى عمل درامى دون غيرها؟
- كل ما أعرفه أن لجنة الدراما هى لجنة خاصة تشتغل على الدراما كتابة وتقنية وتخصصًا، كما تعرف أنّ لجان التحكيم كانت دقيقة وكثيرة، اللجنة الأولى هى اللجنة التى كُلفت لاختيار ثلاثين نصًّا من مجمل النصوص المرشحة، والثانية تختار من الثلاثين عشرة، واللجنة الثالثة تختار من العشرة خمسة نصوص فائزة، بينما اللجنة الرابعة هى لجنة متخصصة فى العمل الدرامى، وأشهد هنا أنّ لا أحد كان يعرف أنه فاز بجائزة النص القابل للتحويل الدرامى ونحن على المنصة إلا عندما نُطق اسم «مملكة الفراشة». فى الرواية، كما أفترض، جانب سينمائى شدّ اللجنة إليها دون غيرها، القصة مبنية على الصورة كما هى عادة كتاباتى، ثم إن الحوار فيها كبير وقوى، طبعًا لم أقرأ تقرير اللجنة، لكنى أتصوَّر بعض العلامات التى بنت عليها اللجنة حكمها.
■ قُلت أواجه التاريخ بالأدب.. كيف ذلك؟
- طبعًا، وهذه المواجهة تحتاج بالضرورة إلى بحث وعقلية ليست لديها تصفية حسابات، وعقلية موضوعية، فتناول شخصية «الأمير» فى التاريخ لم يعجبنى، لأن «90%» من ممارساته كانت جيّدة، و«10%» ليست جيدة، وهناك مثال على الحقيقة التى خبَّأها التاريخ عنه، فالأمير عبد القادر الجزائرى كان عنده بعض الصراعات مع «الزوايا» الصوفية، رغم أنه وليدها، وبين زواياها هناك الزاوية «التيجانية»، مقرها صحراء الجزائر، وقوية لكثرة أتباعها، فطلب الأمير أن تبايعه فرفضت، فشنّ عليها حربًا، وظل يحاصرها مدة عام كامل، وهى تقع بين الشمال والجنوب، وفى أثناء ذلك كان الفرنسيون يمرّون إلى «قسنطينة» ويحتلونها ويمنعون التحالف بين قوات الجيش التركى آنذاك والأمير، فكذلك أخفق الأمير فى محاربته الاحتلال، وكان الفرنسيون يمدّون الأمير بالسلاح والمعلومات، لكى يضعفوا الطرفَين، الأمير وأتباع الزاوية التيجانية، مثلما يحدث الآن، فهذا خطأ تاريخى مجانى فادح له لم يُرمم حتى الآن، أنا أخلق شخصية إنسانية وليست أسطورية، وترجمت الرواية إلى خمس عشرة لغة حول العالم.
■ وهل هذه الحقيقة التى سردتها عن عبد القادر الجزائرى أوقعتك فى مشكلات مع عائلته؟
- بالفعل، حدث ذلك، لأنهم يؤمنون بالحقائق المطلقة ولا يريدون أن يمسّه أحد، رغم أنى بحثت فى 400 وثيقة وكتاب تاريخى عن «الحقيقة التاريخية»، فوجدت أشياء غريبة ومتناقضة جدًّا على لسان أناس قريبين منه، مثل العائلة والأصدقاء، فبدأت فى ترميم الحقيقة التاريخية، ليس لإعطائها للقارئ فحسب، بل لأفهمها جيدًا، لأن الحديث عن شخصية تاريخية يتطلَّب مجهودًا كبيرًا فى البحث والتحضير، وفى أثناء ذلك وجدت للحدث الواحد عشر قراءات.
وعبد القادر الجزائرى كُتب عنه بالجزائرية والفرنسية والإنجليزية، وغيرها، فأردت أن أرسم وجهًا لهذه الشخصية، وقال النقاد إنى استطعت أن أصنع من الشخصية شخصية نموذجية أدبية، وهذا أغضب عائلته، لأنى اعتمدت على تفاصيل أغضبتهم، لكنها تخدم الرواية، لأنى كنت بصدد تحويل مادة تاريخية إلى مادة أدبية.
■ فى رأيك، هل يمكن الاعتماد على الرواية كمصدر للتاريخ؟
- بالطبع من الصعب الاعتماد على الرواية كمصدر للتاريخ، ومن الإيمان المطلق لدىّ أن التاريخ يكتبه المنتصرون، الرواية قد لا تصحح التاريخ، لكن فى الوقت نفسه تستطيع الرواية أن تحوّل الحقيقة المطلقة التاريخية إلى حقائق نسبية، مثلما فى روايتى الأمير عبد القادر الجزائرى.
■ هناك صدام بين الشعب الجزائرى والنظام الحاكم حول عدّة قضايا، وكان منها «استخراج الغاز الصخرى».. ما رأيك فى ذلك؟
- الجزائر خرجت من فترات صعبة جدًّا، جيل السبعينيات تقريبًا أُبيد بالمعنى الرمزى والفعلى، ومنهم أصدقائى، ومَن بقى حيًّا هرب إلى الخارج، ومنهم مَن أُجبر على الصمت، والآن لا يقبل الشعب أن تعود مثل هذه الفترة المظلمة، ولم يتطرَّق الأمر إلى فوضى وانهيار الدولة مثلما حدث فى الدول الأخرى، وليست نيَّات الربيع العربى دائما جيدة، فإذا وصلت الحال إلى ما مثل ليبيا وسوريا والعراق، فلا نحتاج إلى ثورة.
بالفعل ازداد الحراك الاجتماعى، خصوصًا فى قضية استخراج الغاز الصخرى، وأرى لو الحكومة ذكية كانت توقف المشروع كليًّا أو يُعلّق، لأن الوضع الحالى ممكن يُستغل، ثم هناك قضايا الجنوب والشمال، وقد يؤدّى ذلك إلى خلخلة العلاقة بينهم والانتهاء إلى وضعية صعبة جدًّا. أشم رائحة غير مطمئنة فى الأمر، فعلى الحكومة أن تستعين بخبراء ومتخصصين لذلك، ويقدمون ضمانات لطمأنة الشعب، فى البداية تبدأ الأشياء صغيرة ثم تتطوَّر، وإذا ظلَّت الأمور تتفاقم فالجزائر لن تكون أقل سوءًا مما وصلت إليه سوريا والعراق، وأنا كتبت قبل ذلك «أوقفوا الحفر فهو كالقبر».
■ هل واقعة سرقتك لكتاب «ألف ليلة وليلة» وقراءتك له وأنت فى السادسة من عمرك حقيقية؟
- نعم، جدّتى التى ربّتنى هى التى شجعتنى على تعلُّم اللغة العربية، بسبب أصولها الأندلسية، لأتعرَّف على لغتهم وحضارتهم، وكانت تنصحنى بتعلُّم القرآن. وجدت كتابًا باليًا ومهترئًا، جذبنى رغم ذلك فسرقته، وقرأت فيه كثيرًا وتحسَّنت لغتى العربية، ثم جاءنى قريب لى واندهش من إتقانى اللغة، فسأل عن السر، فقلت له هو «القرآن»، إنى أقرؤه، ثم أحضرت له الكتاب فضحك، وقال إنه كتاب «ألف ليلة وليلة» يا «حمار».
■ قلت إنّ الجزائر تعانى ركودًا عجيبًا، فالحوارات الثقافية لم تتقدّم قيد أنملة.. ما السبيل للتخلص من ذلك؟
- الوضع الثقافى للجزائر وكل الدول العربية متشابه، لا توجد استراتيجية ثقافية، حيث إن المادة الثقافية غير فاعلة فى المجتمع، هى فى طريق والمجتمع فى طريق، ولا تجد مساندة سلطوية، ونحن العرب لا نعرف أن ندافع عن ثقافتنا ولا قيمنا ولا عن أى شىء، الأمر يتطلّب وجود مؤسسة ثقافية توصل ما تنتجه من نتاج ثقافى إلى الآخر، فالروايات اللاتينية مثلًا لم تصل إلى العالمية جزافًا، بل وجدت مَن يساندها، وهناك استراتيجية لذلك واضحة، على النقيض نجد «معهد العالم العربى» الذى يُفترض أن يكون منارة ثقافية فى باريس، تلزمه ميزانية عالية وحركية واستراتيجية وتصور، لكى يقوم بدوره، والكارثة أنه معهد مشترك بتمويل مشترك بين العرب وفرنسا، العرب يسهمون ب«40%» وفرنسا ب«60%»، لكن العرب الأغنياء دفعوا فقط «20%»، ولهذا فالفرنسيون طرحوا فكرة أن يتحوَّل المعهد إلى مركز إسلامى وتسقط عنه صفة العربية، وهذا محزن جدًّا، لا يوجد تنبّؤ، العرب ينفقون الملايين فى أى شىء، لكن على الثقافة لا ينفقون شيئًا.
■ هل أخذت قرارًا بالتوقف عن الكتابة من قبل؟
- لا.. سأختنق، أهدّد بذلك، لكن لا أفلح أبدًا.
■لماذا تكتب؟
- هذا سؤال كبير وصعب، أكتب لأستمر فى الحياة، نكتب أولًا لأن الكتابة حاجة، الكتابة هى المساحة الخاصة التى لا يشترك معك أحد فيها، ملكك الخاص، نحن فى وضع كله يدعو إلى اليأس، إذا لم تكن الكتابة هى المساحة التى تفتح أمامك آفاقًا جديدة، لأن الكتابة تُبنى على فعل الحرية، والحرية ليست لها حدود، الكتابة تضيف إلى عمرى وتعطينى عمرًا جديدًا، ولولا ذلك لما بقيت حيًّا إلى الآن.
■ ما الرواية التى تمنَّيت كتابتها؟
- أكيد رواية «دون كيشوت» للمؤلف ميغيل دى سيرفانتس، وهى رواية إسبانية كُتبت فى القرن السابع عشر، وتعتبر الرواية الأولى فى الإنسانية، وهى أعظم نص قرأته، وتأثيره قوى علىّ فى ما أكتب.
■ هل تشغلك جائزة «نوبل»؟
- لا والله، ليس لأنى لا أحب «نوبل»، سأكون مجنونًا لو قلت ذلك، فهى خاتمة جهد، وسأفرح بها كثيرًا، لكن مَن يرتبط بشىء طويل ويفكر به كثيرًا يصبح مريضًا به، والعلاقة بينى وبين «نوبل» علاقة ومسافة موضوعية، والذين لم يفوزوا بها ليسوا أقل ممن فازوا بها من قبل.
■ كيف للقوى الناعمة أن تحارب الإرهاب ك«داعش»؟
- إسرائيل هى المستفيد الأول من التفكيك الذى يتعرَّض له العالم العربى من الدرجة الأولى، فالعرب لو خاضوا حروبًا بكاملها ما كان لحقهم الدمار الذى ألحق بهم من «داعش»، حينما تعتبر نفسك «سُنيًّا» وتقتل فى الشيعى والمسيحى بغض النظر عمن يكون سُنيًّا ومَن شيعيًّا، الدين تسامح ومحبة، وهذا تنفير للآخرين، خلقوا مناخًا لم يكن موجودًا فى الوطن العربى، مناخًا طائفيًّا، ولم يقتصر الأمر على القتل البشرى، بل القتل الحضارى والثقافى، فرأيت ماذا فعلوا فى آثار العراق، لكن الغريب أنه لم تتدخَّل أى مؤسسة دولية لحماية هذه الآثار، وإن دخلت بالدبابات والطائرات لنقل هذه الآثار إلى مكان آمن، وأين دور جامعة الدول العربية؟! وأين دور «اليونسكو»؟! صحيح أنها مؤسسة ثقافية لكن لها سند عسكرى فى فرنسا وأمريكا وغيرهما، وربما البعض مستفيد من ذلك فى تهريب هذه الآثار إلى الخارج، فلا بد من وجود مؤسسات قوية وإرادة قوية مشتركة بين كل بلدان العالم، وبالطبع القوى الناعمة لها دور كبير فى نشر الوعى وتعاليم الأديان المتسامحة، وبالضرب بيد من حديد على كل مخطئ وعابث.
■ يعتقد كثيرون أنّ «داعش» صناعة أمريكية.. ما رأيك؟
- لا أعرف حقيقة العلاقة بينهما، لكن من المعروف أن تنظيم «القاعدة» تم تدريب أعضائه فى أمريكا وبريطانيا، وهم يعلنون ذلك، وفى البداية هم استعملوهم لتدمير سوريا والعراق، وإغماض أعينهم عنهم، ووجود «داعش» هو تدمير، ولا أعتقد أنهم يريدون تصفيتهم حاليًّا، وإذا أوقفوهم سيتوقَّف التدمير، ربما يريدون تدميرًا أكثر، ومن ثَمَّ يدخلون هم هذه البلدان لاحتلالها بعد تدميرها كليةً، ولا أستبعد أن هناك تواطؤات عربية أمريكية إسرائيلية.
■ هل للعرب دور فى تضاعف قوة «داعش»؟
- كل مَن صمت عن بشاعة «داعش» وخلق له التبريرات لوجوده، هم مَن شاركوا فى ذلك، والتقسيمات الآن أسوأ، فإذا كانت معاهدة «سايكس بيكو» كانت لتقسيم الأرض، فالآن تقسيم الأرض على أساس طائفى، بحيث تكون هناك دولة للسنة ودولة للشيعة، وهكذا.
■ ماذا فعلت «باريس» فى واسينى الأعرج؟
- باريس مدينة حرة وعمَّقت الحرية لدىّ، فهى مدينة جميلة ومريحة وأعطتنى الفرصة فى أن أمشى فى الشارع دون الالتفات إلى الوراء، على عكس وجودى فى الجزائر، التى صرت أعرف فيها طبيعة خطوات مَن ورائى إذا كان رجلًا أو امرأة أو طفلًا، وحين أسمع خطوات خشنة أتوقَّف ثم أعطى الفرصة لما ورائى أن يمر، فى نفس الوقت علاقتى بالجزائر وطيدة جدًّا وما زلت أحاضر هناك فى الجامعة الوطنية، وأرتاح مع الطلاب، وغيرهم.
■ لكن فرنسا مؤخرًا شهدت حركات عنصرية أيضًا؟
- نعم، تصاعدت حركات عنصرية، لا سيما بعد حادثة «شارلى إبدو»، أحيانًا وأنا فى مترو «باريس» أتعمَّد أن أقرأ رواية عربية، فأجد الذى بجوارى ينظر إلىّ متوجسًا منّى، وفى مرة كانت بجوارى سيدة سبعينية كانت متخوّفة جدًّا، ورغبت فى تغيير مكانها، فتحدثت معها بالفرنسية، فسألتنى «أنت فرنسى؟»، أجبتها بالنفى، وقلت هذه رواية حب مليئة بالحب والجنس، وليست لها علاقة بما يخيفك، ثم اطمأنت، لا ألومهم على ذلك بسبب ما شهدوا من التطرفات المستمرة، وأصبح لديهم «فوبيا» الإسلام. وكان هناك حل غير القتل، ففرنسا بلد قانون، «ارفع قضية»، ومثل هذه الجرائم تعطى الفرصة للمتصيدين أن يستغلوا الوضع، فمثلاً بعد ذلك تصاعد دور اليمين المتطرف الفرنسى وأصبح على مشارف الحصول على نسب كبيرة فى البرلمان وربما الرئاسة أيضًا، واليمينى المتطرّف عدوانى بطبعه ولكل مسلم ولا ينكر ذلك، ونسبة المسلمين فى فرنسا ستة ملايين، وهى قوة كبيرة تستطيع أن تميل كفّة الحكم، وهذا ما حدث عند الانتخابات الرئاسية الماضية عندما انتخبوا فرانسوا أولاند، رئيس فرنسا الحالى.
■ تفعل شيئًا عجيبًا، تكتب فى رواية ثم تتركها لتكتب فى أخرى، ثم تعود إلى الرواية الأولى، وهكذا.. ألم تفقد حساسيتك للرواية بسبب ذلك؟
- لا، فالعقل منظَّم جدًّا، فالعقل المنظم فى المجال اللغوى الذى يفرق بين العربية والفرنسية هو ذاته العقل المنظم فى المجال السردى، فمثلًا الجزء الثانى من رواية «الأمير» مُعلَّقٌ منذ ثمانى سنوات إلى الآن، ولم أفقد حساسيتها ولا حماستى لها، لكنها تحتاج إلى مجهود كبير منّى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.