محافظ المنوفية يتفقد المدارس الجديدة في شبين الكوم باستثمارات 130مليون جنيه    أسعار اللحوم اليوم الأربعاء 11 يونيو 2025    الزراعة: استقرار الأمن الغذائي بين مصر ودول أفريقيا يرتبط بتفعيل التعاون في مشروعات الاستثمار المشترك    البنك الأهلي ينفذ أكثر من 9.4 مليون عملية سحب ب 26.5 مليار جنيه خلال 9 أيام    محافظ المنوفية يتفقد مشروعات إنشاء مدارس جديدة في شبين الكوم ب130 مليون جنيه    مياه الشرب تطلق حملات لتوعية المواطنين بمركزي منيا القمح وبلبيس في الشرقية    حماس: اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى يؤكد عنجهية حكومة الاحتلال    ترامب: ثقتي تتراجع بشأن التوصل لاتفاق نووي مع إيران    وزير الخارجية يؤكد التزام مصر الراسخ بإنهاء الحرب والكارثة الإنسانية في غزة    توخيل محبط وكين غاضب.. وإنجلترا تبحث عن هوية قبل المونديال    وكيل الأزهر يعتمد نتائج الدور الأول: 87.23% نسبة نجاح الابتدائية و76.84% للإعدادية    قرارات النيابة في واقعة مقتل متهمين وضبط أسلحة ومخدرات في مداهمة أمنية بالمنيا    انطلاق فعاليات بعثة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتقييم الدعم الفني في مصر    حزب «مصر القومي» يكثف استعداداته لخوض انتخابات مجلسي النواب والشيوخ    أبو شباب تكشف عن هدفها الاستراتيجي    إعلام إسرائيلي: سيتم إصدار 54 ألف أمر تجنيد للحريديم الشهر المقبل    وزارة الدفاع الروسية: قواتنا وصلت للجهة الغربية لمنطقة دونيتسك الأوكرانية    ملخص مباراة البرازيل وباراجواى فى تصفيات أمريكا الجنوبية المؤهلة للمونديال    نفاد تذاكر مباريات ريال مدريد فى كأس العالم للأندية    توقيع بروتوكول رباعي جديد لمبادرة «ازرع» لدعم صغار المزارعين وتحقيق الأمن الغذائي في مصر    مستقبل الفريق يدفع الزمالك لرفض عروض رحيل محمد شحاتة فى الميركاتو الصيفى    مانشستر سيتي يُعلن تعاقده مع الهولندي تيجاني رايندرز حتى 2030    شوبير يكشف مفاجأة: الزمالك يقترب من خطف ثلاثي الأهلي    لجنة تخطيط الزمالك تسلم جون إدوارد ملف الصفقات والمدير الفنى    وزيرة البيئة: خطط طموحة لحماية البحر المتوسط    تنسيق الجامعات| خدمة اجتماعية حلوان.. بوابتك للتميز في مجال الخدمة المجتمعية    حملات مكثفة لرصد المخالفات بمحاور القاهرة والجيزة    حالة الطقس اليوم في الكويت.. أجواء حارة ورطبة نسبيا خلال ساعات النهار    ضبط 14 قضية تموينية خلال حملة على أسواق القاهرة    البعثة الطبية للحج: 39 ألف حاج ترددوا على عيادات البعثة منذ بداية موسم الحج    جهات التحقيق: انتداب الطب الشرعى لطفلة الإسماعيلية بعد سقوطها من لعبة ملاهى    عريس متلازمة داون.. نيابة الشرقية تطلب تحريات المباحث عن سن العروس    "المشروع X" يتجاوز 94 مليون جنيه بعد 3 أسابيع من عرضه    احذر التعامل معهم.. 3 أبراج معروفة بتقلب المزاج    آدم تامر حسني .. محمد ثروت يدعو لشفائه: اللهم متّعه بالصحة والعافية    يحيى الفخراني يكشف سر موقف جمعه بعبد الحليم حافظ لأول مرة.. ما علاقة الجمهور؟    قبل موعد الافتتاح الرسمي.. أسعار تذاكر المتحف المصري الكبير ومواعيد الزيارات    بن جفير يقتحم المسجد الأقصى برفقة كبار ضباط الشرطة الإسرائيلية    انطلاق فعاليات برنامج ثقافتنا فى اجازتنا بثقافة أسيوط    دموع الحجاج فى وداع مكة بعد أداء المناسك ودعوات بالعودة.. صور    تعاون بين «الرعاية الصحية» و«كهرباء مصر» لتقديم خدمات طبية متميزة    اعتماد وحدة التدريب بكلية التمريض الإسكندرية من جمعية القلب الأمريكية    محمد ثروت يدعو لابن تامر حسني بالشفاء: "يارب اشفه وفرّح قلبه"    "ولاد العم وقعوا في بعض".. 3 مصابين في معركة بالأسلحة بسوهاج    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    5 أطعمة تقوي قلبك وتحارب الكوليسترول    تعرف على آخر تطورات مبادرة عودة الكتاتيب تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي    منتخب كوستاريكا يفوز على ترينداد وتوباجو في تصفيات أمريكا الشمالية المؤهلة للمونديال    متحدث الحكومة: معدلات الإصابة بالجذام في مصر الأدنى عالميًا    «فتح» تدعو الإتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات حاسمة ضد المخططات الإسرائيلية    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في الشرقية وأسوان    أبو مسلم: أنا قلق من المدرسة الأمريكية الجنوبية.. وإنتر ميامي فريق عادي    30 دقيقة تأخر على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 11 يونيو 2025    رئيس جامعة دمنهور: «صيدلة البحيرة» أول كلية تحصل على اعتماد مؤسسي وبرامجي في مصر    دعاء الفجر.. أدعية تفتح أبواب الأمل والرزق فى وقت البركة    تقارير: فيرتز على أعتاب ليفربول مقابل 150 مليون يورو    مُخترق درع «الإيدز»: نجحت في كشف حيلة الفيروس الخبيثة    زواج عريس متلازمة داون بفتاة يُثير غضب رواد التواصل الاجتماعي.. و"الإفتاء": عقد القران صحيح (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشيق الليدي تشاترلي.. الرواية التي وصفت ب«الفجور» وطوردت 30 عامًا
نشر في التحرير يوم 21 - 05 - 2015


كتب- حمدي عبد الرحيم:
لماذا وقفت إنجلترا قلعة الحريات وأم الديمقراطيات ضد رواية، مجرد رواية تحمل عنوان «عشيق الليدى تشاترلى»؟
أغلب ما وصل إلينا من آراء القراء والقضاة والنقاد يؤكِّد لنا بوضوح أن الغالبية الكاسحة من الشعب الإنجليزى المتمرّس منذ قرون على الممارسات الديمقراطية يرفض نشر الرواية، بل لا يسمح بوجود نسخها على أرفف مكتباته العامة. ترى لماذا كل هذا العداء؟
1- الطبعة السرية
قبل الغوص فى عالم الرواية، نقول إن مؤلفها هو الروائى البريطانى ديفيد هربرت لورانس، ولد فى عام 1885، ومات فى عام 1930، وسنعتمد فى تناولنا لرواية «عشيق الليدى تشاترلى» على الترجمة التى قام بها الدكتور أمين العيوطى، وصدرت عن روايات الهلال فى عام 1989. كتب لورانس روايته الأشهر فى عام 1926، نظره، ولأنه كان يعلم من تجارب سابقة أن بريطانيا العظمى لن تسمح له بنشر روايته ، فقد نشر الرواية لأول مرة فى عام 1928، إذ تم طبع الطبعة الأولى فى سرية تامة بمدينة فلورنسا الإيطالية. ما الذى تحمله الرواية حتى تقابل بكل هذا العنف؟ هل تصدقنى لو قلت لك: لا شىء؟! ثم هل تصدقنى لو قلت لك: إنها إحدى أخطر روايات القرن الماضى وقد مثَّلت للإنجليز تحديدًا ما يمثّله برميل بارود وضع بجوار نار مشتعلة؟
2 - أحداث الرواية
ضربة البداية تقول: «إن عصرنا عصر مأساوى فى جوهره، ولكننا نرفض أن نجعل منه مأساة». كان هذا هو حال كونستانس تشاترلى، زوجة كليفورد تشاترلى، الذى تزوجته فى عام 1917، وبعد إجازة شهر العسل عاد ليشارك فى الحرب العالمية الأولى، وفى الحرب أُصيب إصابة جعلته عاجز الجسد والروح والقلب.
زوجته الشابة التى لم تسعد جسديًّا معه سوى فى شهر العسل، كانت تداوى عجز قلبه وروحه بأن تشاركه فى كل شىء، من الموسيقى حتى النقاش حول محاورات أفلاطون. أما عجز جسد الزوج فقد وجدت له حلًّا بعلاقة جسدية مع «باركين» حارس الغابة، وقد أثمرت علاقتها بالحارس جنينًا يرقد فى بطنها.
كليفورد انتهز جلسة مصارحة من جلساتهما وألقى بكرة اللهب فى حجرها، عندما قال لها إن رغبتها فى الأمومة حق لا يساويه حق، ولكن بشرط أن لا يعلم شخصية الأب وأن ينسب الولد إليه هو، لكى يكون وريث آل كليفورد. هذا العرض الجارح لم يباغت كونستانس التى لم تكن قد أقامت علاقتها بعد مع حارس الغابة، تلك العلاقة التى لن تكون استجابة لعرض الزوج، ولكن لسبب آخر تمامًا، سنعرف بعد قليل أنه وأسباب دفينة أخرى وقفت فى حلق الإنجليز، فناصبوا الرواية عداءً تاريخيًّا!
3 - الرواية فى المحكمة
فى عام 1960 وبمناسبة مرور ثلاثين عامًا على وفاة مؤلف الرواية لورانس، غامرت بل قامرت «دار بنجوين»، وقامت بالنشر العلنى للرواية، مستغلة تغييرات جدّت على قانون المطبوعات البريطانى.
ما إن ظهرت الرواية حتى هبَّت النيابة البريطانية وقامت برفع دعوى قضائية بمصادرتها!
عريضة الاتهام التى قدّمها ممثل الادعاء جرفث جونس تضمنت التهم التالية:
1 الرواية منافية للذوق العام.
2 تحض على الفسق والفجور.
3 ألفاظها عارية وتخدش الحياء العام.
دار نشر بنجوين التى غامرت بنشر الرواية لم تقف مكتوفة الدين، فقد أسندت إلى فريق دفاع مكوّن من ثلاثة محامين مهمة الدفاع عن الرواية. ذهب الجميع (النيابة والدفاع) إلى قاعة المحكمة، تأكد المحامون من أن القضاة يقفون ضد الرواية.
4 - الضرب تحت الحزام
نحن الآن أمام قضية رأى عام، وسيربحها الذى يربح الرأى العام، جلس أعداء الرواية معًا واتفقوا على فضح الروائى لا الرواية، ومتى فضحت الروائى كسدت روايته وانصرف الناس عنها.
فتّشوا تاريخ دافيد هربرت لورانس، وقالوا إنه يكتب نفسه ويؤرخ لقصته ولا علاقة تربط بين روايته والمجتمع الإنجليزى الشريف العفيف!
الروائية البريطانية دوريس ليسينغ الحائزة على جائزة نوبل فى الآداب، عاصرت الأمر كله وكتبت تقول : إن لورانس كان زوجًا لسيدة ألمانية تدعى فريدا، والزوجة كانت على علاقة مع إيطالى، وكان لورانس على علم بهذه العلاقة، ولم تكن هى باللباقة الكافية لتخفى أمرًا كهذا، كما لم تكن تراعى مشاعره فى أى شىء، وكانت تخبر أصدقاءهما بأن لورانس كان يعانى من العجز الجنسى منذ عام 1926، وذلك نتيجة إصابته بمرض (التدرن الرئوى)، ذلك المرض الذى ينجم عنه أمران متناقضان، الأول هو تصعيد الرغبة الجنسية والتخيلات المرتبطة بها، والآخر العجز عن ممارسة الجنس! العلاقة بين لورانس وزوجته كانت موضع منازعات علنية ولم تكن هناك أسرار، فجميع الأصدقاء والمعجبين والزوار كان يتم إخبارهم بكل مراحل قصة الحب بينهما وتفاصيل ممارساتهما الخاصة، وكان لورانس يكتب عن جميع التفاصيل، سواء عن طريق الشعر أو النثر، وكانت فريدا تشتكى لدى أخواتها وأصدقائها من عجزه الجنسى».
5- أولاد بلد
أصبح الموقف ملتهبًا جدًّا بعد تسليط الضوء على الحياة الشخصية للروائى، بهدف صرف الأنظار عن حقيقة الموقف البريطانى من رواية بريطانية! المحامون تأكدوا أن الاعتماد على الأسانيد القانونية لن يفيدهم بشىء، بل ربما خسروا القضية فى جلستها الأولى. بطريقة أولاد البلد الذين يمدون الخيط إلى منتهاه، بنى فريق المحامين خطتهم على أساس الفصل التام بين حياة الروائى وروايته، ثم سألوا الحضور عن موقفهم من أعشاب حدائق لندن التى تشهد المطارحات الغرامية العارية والكاملة والمكشوفة. ثم تحدّوهم أن يستخرجوا لهم من كلمات الرواية الألفاظ العارية المكشوفة التى يزعمون أنها تملأ صفحات الرواية، ثم تحدوهم أن يجدوا الخط الفاصل والحاسم بين ما هو خادش للحياء العام وما هو جرىء وحقيقى. هذه الأسئلة وغيرها لم تُقابل سوى بالصمت، فهم يعادون الرواية لأسباب أخرى لا يستطيعون البوح بها، لأنها ستدمر معبد الزجاج كله.
6- لجنة الخبراء!
بعد مرافعات الدفاع أصبحت الرواية قاب قوسين أو أدنى من الحصول على شرعية الظهور العلنى فى مكتبات لندن، هنا رأت المحكمة أن تحيل الأمر برمته إلى لجنة خبراء!
ضمّت لجنة الخبراء علماء وكتّابًا ومثقفين، وبعد الفحص والتدقيق قالت اللجنة إن «الرواية ذات مستوى فنى رفيع ولا يمكن اعتبارها إباحية بأى حال من الأحوال».
هل حصحص الحق؟ هل ستكتفى المحكمة برأى الخبراء؟ أم أن المحكمة لا يزال فى نفسها شىء تجاه الرواية؟ لقد أحالت الرواية مجددًا إلى رئيس الأساقفة «فير وولويج»، لاستطلاع رأى قداسته. الرجل كان عادلًا، وقالها صريحة مدوية: «رواية (عشيق الليدى تشاترلى) ليست مخلّة بالآداب».
العجيب فى الأمر أن سيدة من أعضاء لجنة الخبراء قالت فى شهادتها: «الرواية رفعت العلاقات الجنسية إلى مستوى التقديس»، وعندها ضجّت قاعة المحكمة بتصفيق حاد.
7 - أبناء الزبالين الإنجليز
قبل أسبوعين، تجرَّأ وزير العدل المصرى السابق وتكلَّم فى المسكوت عنه، عندما أكد فى مقابلة تليفزيونية أن أولاد الزبالين لن يصبحوا قضاة، هاجت الدنيا وتقدّم الوزير باستقالته. أبناء الزبالين فى بريطانيا كانوا هم أولاد المناجم، منهم عشيق الليدى شخصيًّا، حارس الغابة والأب الحقيقى لوريث آل كليفورد.
الرواية فى عمقها تتحدَّث عن هؤلاء، عن نظرة السادة لهم، عن اختفاء الطبقة الوسطى بعد الحرب، السادة المالكون وعمال المناجم. القصة أعقد وأشد مرارة من نظيرتها المصرية، فى مصر تطفو العنصرية والتمييز فوق السطح أحيانًا، ولكن فى عمق الشخصية المصرية لن تعثر بسهولة على برجوازى مصرى يقسم بالمصحف أو الإنجيل على أن السائل الذى يجرى فى عروق أولاد الزبالين اسمه المازوت، هذا النموذج ليس موجودًا فى مصر، لكنه فى بريطانيا.
كانت كونستانس ترى كل ذلك وتخافه، وكانت تسأل زوجها كليفورد، وهو من ملاك المناجم: إلى متى؟
كان فى كل مرة يراوغها ولا يقدّم إجابة شافية، لكنها ذات ليلة نقلت إليه خوفها من انتفاضة عمالية تهدم بريطانيا، فما كان منه إلا أن صرخ فى وجهها وهو الهادئ دائمًا: هذا سيستمر ويتواصل إلى نهايات الحياة، هؤلاء لن يتقدّموا ولن يترقّوا حتى لو تعلّموا، هؤلاء خلقوا لكى يعيشوا الحياة التى يعيشونها، هكذا عاش أجدادهم وهكذا سيعيش أحفادهم.
تترك كونستانس كليفورد وتحاول مع باركين، عشيقها وأبى جنينها، تغريه بأن يهربا معًا إلى عالم جديد وإلى بداية جديدة، لكنه يرفض بإصرار ويضحك بمرارة، شارحًا أصل القضية.
هو لا يحس معها بأنه رجلها إلا فى اللحظات الخاصة، بعدها تعود الأمور إلى طبيعتها، هى المالكة وهو ابن المناجم، الموضوع ليس موضوع ثراء وفقر، إنه أعقد من ذلك، طبقة كونستانس سحقت بل محقت على مدار أجيال طبقة باركين، تحوَّلت طبقة باركين إلى نوع من الصراصير التى لها ملامح بشرية. هذان هما السببان اللذان جعلا بريطانيا العظمى تطارد رواية على مدار ثلاثين سنة، ولكن بفضل نضال ومقاومة عمال المناجم أصبحت بريطانيا ما هى عليه اليوم، نحن هنا نشكّل لجان خبراء مثلهم لقتل الكتب، وقد تشرق شمسنا ذات صباح فنجد ابن زبال على مقعد وزير العدل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.