تحقيق- صلاح لبن: ثلاثة من الستة المؤسسين يرفضون توجه الدعوة بعد «30 يونيو» «وقعت أزمة بعد عزل مرسى داخل الدعوة السلفية وتأثر بعض شبابنا نتيجة تعاطفهم مع الإخوان».. اعتراف صريح خصَّ به الشيخ محمود عبد الحميد، مسؤول الدعوة السلفية بالإسكندرية، «التحرير»، فى أثناء حديثه عن موقف شباب الدعوة من ثورة 30 يونيو وما بعدها. الموقف الرسمى للدعوة السلفية وحزبها السياسى بدعم خارطة الطريق، والالتفاف حول الرئيس عبد الفتاح السيسى، لم يلتزم به نصف عدد مؤسسى الدعوة السلفية، وهو ما دفع الآلاف من الشباب إلى الانسحاب من الدعوة السلفية، إما بالصمت وعدم إعلان موقفهم من ثورة 30 يونيو، بعد أن اعتبروها «فتنة» لا يجب الخوض فيها، وإما بالمشاركة فى تظاهرات ضد النظام، ولذلك تعرض عدد من شباب الدعوة إلى الاعتقال بعد مشاركتهم فى فاعليات لإسقاط نظام ما بعد «30 يونيو». «التحرير» علمت أن تصاعد الغضب داخل البيت السلفى أجبر رئيس حزب النور وعددا من مشايخ الدعوة بالدخول فى تنسيقات سرية مع قيادات أمنية، من أجل الإفراج عن المحبوسين من شباب الدعوة، كما التقوا أيضا النائب العام وأرسلوا كشوفا بأرقام المحاضر، وبعد تلك التحركات تم الإفراج عن بعض المحبوسين، كما تم الاتفاق مع الأجهزة الأمنية على أن يتم الإفراج عن الشباب الذين يتم إلقاء القبض عليهم عن طريق الخطأ. «شبابنا لم يعرف السمع والطاعة، لذلك لم يكن قرارنا ملزما لأبناء الدعوة» يقولها مسؤول الدعوة السلفية قبل أن يغوص فى الحديث عن الخلاف الذى حدث داخل الدعوة السلفية، لكنه يبرر مقولته بأن هجوم بعض الشباب على المشايخ يكشف أنهم لا يتحركون كالقطيع، وأن هناك حرية فى اتخاذ المواقف داخل الكيان الدعوى. وعلى الرغم من نجاح قيادات حزب النور ومشايخ الدعوة السلفية فى الترويج لدعمهم الكامل ل«خارطة الطريق» وتأييدهم الرئيس عبد الفتاح السيسى، وتمكنهم من استغلال هذه المسألة فى الحصول على مكاسب تضمن لهم التحرك بحرية فى مجال الدعوة، مثل الحصول على تصاريح الخطابة وعدم تطبيق الأوقاف لتعهدها الذى يتمثل فى سحب المساجد الخاصة بالدعوة السلفية، فإن الواقع الذى يحاول قيادات ومشايخ بالدعوة إخفاءه يتمثل فى أن 3 من أصل 6 من مؤسسى الدعوة السلفية هم «عبد العظيم وحطيبة والمقدم» لا يقبلون بالوضع الحالى، ولم يعلنوا تأييدهم لثورة 30 يونيو، حيث يضم مجلس أمناء الدعوة السلفية 6 من الأعضاء، وهم من أسسوا الدعوة فى منتصف السبعينيات وهم: محمد إسماعيل المقدم وأحمد فريد وأحمد حطيبة وسعيد عبد العظيم وياسر برهامى ومحمد عبد الفتاح المعروف بأبى إدريس. فريد وأبو إدريس يلتزمان بتعليمات برهامى من بين الشخصيات التى تؤيد موقف الدعوة الحالى الشيخ أحمد فريد، عضو مجلس أمناء الدعوة السلفية وأحد مؤسسيها، الذى شارك الدكتور إبراهيم الزعفرانى فى تأسيس الجماعة الإسلامية فى أثناء فترة دراستهما بالجامعة، الذى يصل تاريخ عمله الدعوى 40 عاما. فريد يرى أن خروج جماعة الإخوان من السجون فى تلك الفترة كان له بالغ الأثر فى انسحاب بعض المنتمين إلى الجماعة الإسلامية والانضمام إلى جماعة الإخوان، مشيرا إلى أنه بعد تلك المرحلة أسس الشيخ محمد إسماعيل المقدم الدعوة الإسلامية فى الإسكندرية التى التحق بها المشايخ أحمد فريد وأحمد حطيبة وياسر برهامى وسعيد عبد العظيم وأبو إدريس. فريد الذى يصل عدد مؤلفاته إلى ما يقرب من 50 كتابا فى مجال الدعوة، من ضمنها ترجمة موسعة بعنوان «أحاديث وذكريات»، استعرض فيها تلك الفترة بشكل موسع، يعتقد أن هناك اختلافا فى طريقة الدعوة بين كل كيان إسلامى وآخر، وأن كلا ميسَّر لما خلق، لكنه يرى أيضا أنه فى كل الأحوال الهدف واحد يتمثل فى إعزاز دين الله وشريعته، على حد قوله، وأن اختياره للدعوة السلفية يرجع إلى أن بداية الدعوة كانت باسم الجماعة الإسلامية التى كانت تسير على منهج أهل السنة، وعندما تحرك الإخوان على الأرض استقطبوا بعض الشخصيات مثل الدكتور إبراهيم الزعفرانى وعبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان والمهندس خالد داوود، لكنه ظل مع بعض شباب مجموعة الإسكندرية التى ينتمى إليها وقرروا تأسيس الدعوة السلفية. موقف الشيخ محمد عبد الفتاح، الشهير بأبى إدريس، رئيس الدعوة السلفية، لا يختلف كثيرا عن فريد، فهو أيضا يثق تماما بالنظرة السياسية لبرهامى، ويرى أن أهم مكسب للدعوة السلفية هو الحفاظ على الدعوة وعدم الدخول فى مواجهات مع الأمن. استغلال الخلاف مع الإخوان لاحتواء القواعد استغل بعض مشايخ الدعوة السلفية من أعضاء مجلس الإدارة الخلاف الحاد مع جماعة الإخوان، لاحتواء غضب الشباب غير الراضى عن التناقض الظاهر فى آراء ومواقف المشايخ الكبار، وترى الدعوة السلفية أن بداية الخلاف مع الإخوان ظهر مع إنشاء محمد حامد الفقى جماعة أنصار السنة المحمدية عام 1924، الذى يرون فيه نفس اتجاه الدعوة السلفية، وأنه بعدما تم وقفها عام 1954 بالتزامن مع صدام الإخوان مع مجلس قيادة الثورة قام الشباب (المؤسس حاليا للدعوة) فى أوائل السبعينيات بالمشاركة فى إنشاء الجماعة الإسلامية ثم المدرسة السلفية، وفى منتصف السبعينات تم إنشاء الدعوة السلفية بعد انفصالهم عن الإخوان، وقد وقعت سجالات بين حسن البنا ومحمد حامد الفقى، لكن بداية من عام 1974 بدأت مشكلات الوجود بين الإخوان والدعوة السلفية، وهم يرون أن الإخوان استخدموا ممارسات غير أخلاقية معهم التى استمرت حتى ثورة يناير. ويعود الخلاف بين جماعة الإخوان والدعوة السلفية إلى عام 1954، لكنه وصل إلى ذروته فى عام 1974، وطفت على السطح القضايا الخلافية، ومن ثم تحول الأمر إلى «مشكلة وجود»، كما يصفها كبار مشايخ الدعوة السلفية. ويقول الشيخ محمود عبد الحميد، عضو مجلس شيوخ حزب النور: «حاولنا كثيرا الإصلاح من قيادات الإخوان، وأن يسيروا على خطانا، لكننا فشلنا فى هذا الأمر، وتوقعنا أن يتغير منهج الإخوان بعد ثورة 25 يناير، ولكن للأسف تكررت ممارساتهم تجاهنا، وحدثت نفس المشكلات التى كانت تثور بيننا على مر السنين». وقال: «حدثت سجالات بين حسن البنا ومحمد حامد الفقى، لكن بداية الخلافات من عام 1974، حيث تصاعدت أزمات ومشكلات الوجود بين الإخوان والدعوة السلفية»، مشيرا إلى أن الإخوان سمحوا للنصابين والحرامية بصعود المنابر، وهم لا يلتزمون بمنهج محدد. تصريحات الشيخ محمود عبد الحميد وإن كانت تشير إلى عمق الخلاف بين الدعوة السلفية والإخوان فإن هناك بعض التفاصيل التى تكشف عن حرب دفينة بين الطرفين، أولها أن الدعوة السلفية ترى أنها أقدم من جماعة الإخوان، خصوصا أنها ترتبط منهجيا بجماعة أنصار السنة المحمدية التى أنشأها محمد حامد الفقى عام 1924 الذى لا يختلف نهائيا عن اتجاه الدعوة السلفية. انعزال المقدم وحطيبة يعتبر الشيخ أحمد حطيبة من أهم مشايخ الدعوة السلفية، وهو واحد من «الستة الكبار» عضو مجلس أمناء الدعوة السلفية التزم منزله بعد «30 يونيو»، وقرر الانعزال عن المشايخ والاكتفاء بإلقاء الدروس الدعوية دون التطرق إلى السياسة، إلا أنه بث مقطع فيديو للرد على من يزعمون تأييده ودعمه الكامل لمواقف «النور» والدعوة السلفية قائلا: «ما يشاع على لسانى افتراء وكذب علىّ فهناك من يتحدث باسمى، وأنا أعتبر ما حدث فتنة، ولا بد من إمساك اللسان، وأرفض من يصنف الناس إما معى وإما عدوى، مشيرا إلى أن الصحابة أنفسهم وقعوا فى فتن وأسكتوا ألسنتهم عندما وجدوا فتنة. وأضاف «نحن الآن نقف بالسكاكين فى مواجهة بعضنا ضد بعض، ونقاتل أنفسنا ولا نتوقف عن إطلاق الشائعات، لكننا الآن نخرب المساجد بأيدينا، ونحن نواجه قانون الضبطية القضائية الذى ينص على أن الخطيب من غير إذن يدفع غرامة 10 آلاف جنيه، لكن ربنا كارمنا وما زلنا نصلى فى مساجدنا، لذلك يجب أن ننشغل بذكر الله، ولا نبحث عن أعداء، حيث إن الاقتتال بين المسلمين ليس تقربا إلى الله وعلينا أن نراجع أنفسنا». عضو مجلس أمناء الدعوة السلفية كان له مقطع صوتى آخر بعد فض «رابعة» دافع فيه عن الإخوان، وقال إن «مرسى مظلوم وربنا يفك كربه، وجميع الإخوة المسلمين الذين انقلب عليهم الظلمة وسجنوهم، وإن شاء الله يأتى نصر الله، لكن أكثروا الدعاء ونادوا بالإسلام، فإن الكنائس توزع الأناجيل فى الشوارع، فهم لا يريدون شرع الله، لأنهم وجدوا الفرصة أمامهم، وعلى المسلمين أن يعرفوا أن ما يُراد هو ضياع الإسلام». وأضاف: «لا يجوز لإنسان أن يسفك دماء، ولا بأس أن تخرجوا لكن ما دمتم تنادون بالإسلام، ولا تقتلوا أحدا ولا تسفكوا دما، ونحن ندعو إلى مسيرات سلمية، فلا أحد يمنعكم من ذلك، ارفعوا كلمة الإسلام ودافعوا عن دين الله، أما الذين يقتلون الآلاف بدم بارد كأنهم حشرات فإن الله سيمكننا فى يوم من الأيام، حيث إن الإسلام راجع، لكن على المسلم أن يعمل من أجل الإسلام». ويظل الشيخ محمد إسماعيل المقدم، مؤسس المدرسة السلفية وعضو مجلس أمناء الدعوة، هو أكثر الرموز الدعوية حرصا على عدم الظهور أو الحديث بأى كلمة بعد ثورة 30 يونيو، ووصل الأمر إلى أنه قرر عدم حضور أى اجتماعات أو جلسات مع المشايخ، معتبرا أن ما حدث فتنة، ولا بد أن يلتزم الجميع الصمت فيها، وعلى الرغم من اختلافه الشديد مع جماعة الإخوان ونظرته لهم على أنهم «أقرب إلى الإسلام»، فإنه لم يحدد موقفه مما حدث، ولم يحضر أيضا أى استحقاق انتخابى بعد «30 يونيو». تلميذ برهامى: مَن قُتلوا فى «رابعة» ليس لهم حق الشيخ هيثم حسن، أحد تلاميذ الشيخ ياسر برهامى وهو إمام مسجد لأنصار السنة، يقول فى تصريحات ل«التحرير»، إننى لا أرى أن من قُتل فى «رابعة» له حق، وأتفق مع الشيخ ياسر برهامى فى مواقفه بنسبة 100%، لأنه حافظ على دماء السلفيين. وأضاف، أن «مرسى» شخص «مبتدع»، ونحن رأينا أنه لن يصلح البلاد، وتاريخ الإخوان يثبت أنهم جماعة مبتدعة يتاجرون بالدين، من أجل الوصول إلى السلطة. وأضاف، أرى أن ما حدث فى «30 يونيو» ثورة، لأن جماعة الإخوان كانت تسعى لإقصاء الجميع، وذلك منهجهم منذ أسسها حسن البنا، متسائلا: «لماذا طلبت قيادات الإخوان أن ينزل أنصارهم إلى الميادين؟ وما حدث فى (رابعة) كان رد فعل من أفراد الأمن، ولم يكن هجوما على المعتصمين فى (رابعة)»، مشيرا إلى أن هناك ما يثبت أن من كان موجودا فى ميدان رابعة قد أطلقوا النار على أفراد الجيش والشرطة. وأضاف، لا أحب السياسة وكل ما أهتم به هو حفظ القرآن والاهتمام بكلمات المشايخ الكبار عن الإسلام، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من السلفيين شاركوا فى «رابعة»، لكنهم لا يعلمون أن الإخوان يتاجرون بالدين، وكان تعاطفهم أعمى. وتابع: «أعتقد أن المشايخ خدعونا بدخولهم إلى عالم السياسة، ورأيى أنه يجب أن لا تكون هناك أحزاب دينية، لأن كل من هب ودب أصبح يتحدث فى الأمور والمسائل السياسية، ويا ريت كل شخص لا يفهم فى السياسة يلتزم الصمت، ورأيى ثابت فى أن المشايخ (ضلوا) الناس بدخولهم إلى عالم السياسة»، مضيفا: «إننى ضد فكرة إنشاء حزب النور، وأعتقد أن التجربة كانت فاشلة، ويجب أن يعود الجميع إلى المساجد ونترك السياسة لأهلها». عبد العظيم.. هارب إلى السعودية وفى اتجاه معاكس يسير الشيخ سعيد عبد العظيم، أحد مؤسسى الدعوة السلفية، الذى كان موكلا من قِبل الدعوة السلفية بمهمة التأليف بين التيار السلفى ومشايخ السلفيين فى كل مكان فى مصر، حتى يحدث نوعا من التقارب فى وجهات النظر، وقد جاء هذا الاختيار، لأن أعضاء مجلس إدارة الدعوة السلفية وجدوا فيه شخصية تحب هذا الملف، لكنه تزامنا مع الأزمة التى وقعت داخل حزب النور وانقلاب بعض قيادات الحزب على الدكتور عماد الدين عبد الغفور فى ذلك الوقت، اشتدت خلافاته مع مشايخ الدعوة، ثم بعد ذلك انضم إلى تأييد مرسى وإعلان موقفه المخالف للتوجه الرسمى للدعوة السلفية. التحول اللافت الذى لوحظ على أداء عبد العظيم جاء نتيجة إيمانه بأن المكاسب التى حصلت عليها الدعوة السلفية بعد ثورة 25 يناير جعلتهم يتغيرون كثيرا، ويقول إن «الدعوة السلفية كان كل اهتمامها بحفظ القرآن، والوجود فى المساجد والحديث عن الأخلاق والسلوك، ولم يكن لديها أى طموحات سياسية، ولم نكن نبحث عن المناصب أو الوظائف، وأن هذه الأشياء لم نعهدها، حيث إن المشاركة فى العمل السياسى تحمل فى طياتها قدرا من المخاطر». «التحرير» علمت أنه تزامنا مع ثورة 30 يونيو سافر عبد العظيم إلى السعودية هاربا، نظرا لتأييده ودعمه لمواقف الإخوان قبل وبعد «30 يونيو»، وخاض حربا ضارية مع مشايخ الدعوة.